العقلية التي تعتقد ان قانوناً لحرية التعبير هو ” مقبّلات ” يمكن الاستغناء عنها في وجبة التهام السلطة كاملة ، هي عقلية النظر الى الديمقراطية باعتبارها ترفاً سياسياً وبطراً من صناعة اصحاب العقول القاصرة !
عقلية قاصرة عن استيعاب ان حرية التعبير هي الوجبة الرئيسية في سلسلة وجبات الاشتغال السياسي لبناء بلاد ديمقراطية تقوم على مبدأ حرية القول ، وفي خارج هذه المساحة تبقى كل قوانين الدولة وتشريعاتها عاجزة عن المضي بأي مشروع ديمقراطي حقيقي يؤمن للمواطن قبل أي شيء حرية التعبير غير المقيدة بقانون كما جاء في المادة 38 من الدستور العراقي .
الغريب ان يخرج علينا قيادياً في الاطار التنسيقي ليقول ان اهمية تشريع قانون ” حرية التعبير ” تشبه اهمية المقبّلات على طاولة عامرة بالقوانين كقانون الانتخابات على سبيل المثال ، الذي نرى ان لاقيمة له ان لم يرتبط بتشريع قانون حرية التعبير القائم على معايير عالمية ، وهوما حاصل في مسودة القانون الحالي ، الذي اسقطت بعض مواده المحشورة عمداً مساحات واسعة من معايير حرية التعبير ، وهي معايير وقع على بنودها العراق في اطار التزاماته بـ ” العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” والذي تنص المادة 19 منه في بندها الثاني على أن “لكل شخص الحق في حرية التعبير” بما في ذلك “حرية التماس المعلومات والأفكار من جميع الأنواع وتلقيها ونقلها دون اعتبار للحدود”.
وهذا النص الذي لم يلتزم به العراق في مسودة القانون هاجمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قائلة “هناك أجندة سياسية تقف خلفه” وهو “مخالف للدستور العراقي ولا يتماشى مع المعايير الدولية لحرية الرأي
لافتة الى إن “القانون شكل خيبة أمل كبيرة للمنظمات الدولية” مؤكدة وجود “إرادة سياسية من أجل المضي بتشريع هذا القانون لتقييد حرية الخصوم “!
فيما وصف مسؤول في المنظمة نفسها القانون ” “نحن أمام مشروع قانون ابتعد كلياً عن حرية التعبير عن الرأي، لأنه أخذ بزمام العقوبات الأمنية والملاحقات القضائية وتقييد الحريات، فلا يمكن أن تطلق على قانون اسم حرية التعبير وهو يقيدها” !!
لااناقش فقرات من مسودة المشروع الملغومة بتقييد حرية الرأي والتعبير وربطها بحركة الاحتجاجات والمفاهيم العائمة كالآداب والنظام والرموز وما الى ذلك ، لكنني اتوقف عند العقلية التي تعتبر قانوناً خطيراً مثل قانون ” حرية التعبير ” ، الذي تقوم عليه أي بنية ديمقراطية حقيقية ، هو مجرد مقبّلات يمكن الاستغناء عنها في وليمة السلطة الباذخة بالممنوعات !!
وأتساءل :
كيف نأمن لعقلية من هذا الطراز المتخلف المستبد على مستقبل مايقال انه البناء الديمقراطي في البلاد؟
ربما لايعلم هذا القيادي المتأنق ان مؤتمر اثينا الذي عقد في حزيران/2003 طالب بان ، كل تنظيم او قيد على وسائل الاعلام سوف يخضع لمعايير حقوق الانسان المعترف بها دوليا، بما في ذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية!
الذي حصل منذ ذلك التأريخ حتى الآن هو مواجهة المشروع الديمقراطي المفترض بتشريعات وقوانين وتعليمات وأوامر لاعلاقة لها ببيئة حرية التعبير رغم ان الدستور العراقي 2005 ينص اطلاقا على حرية التعبير في المادة 38 ، والاسوأ من كل ذلك ان المنظومة الحكومية مازالت تعمل بالكثير من القوانين من العهد الدكتاتوري والخاصة بحرية التعبير التي تزدحم ببنود عقوبات تذبح حرية التعبير من الوريد الى الوريد كما يقال !!
منذ عام 2010 حتى الآن تحاول هذه العقلية البالية ان تمرر القانون ، وفي كل مرحلة تواجه هذه العقلية الاستبدادية باعتراضات وانتقادات واسعة من النخب الاعلامية ، لكّن المشهد السياسي بخارطته الحالية يبدو مهيئاً لتمرير القانون الذي الذي يعبّر عن العقلية الاستبدادية التي تقود البلاد الى ماضي الزمان !!!