عرض التلفزيون الروسي لقطات لمسيرتين استهدفتا قبة الكرملين المحصنة هذا الأسبوع اذ زعمت القيادة الروسية أن كييف خططت لاغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا ما انكرته أوكرانيا وعلى لسان رئيسها فولوديمير زيلينسكي الذي زار فنلندا وهولندا بحثاً عن تزويده بالأسلحة لمواجهة الهجوم الروسي، من يقف وراء استهداف الكرملين اذن هل أصبحت أوكرانيا اقوى اليوم خاصة بعد الدعم الغربي الكبير لها ام تدبير روسي لتمرير هجماتها القادمة التي ستكون مدمرة اكثر ام طرفاً ثالث كان حلفه الشهير قد مات سريرياً واحيته الحرب الروسية الأوكرانية؟
رغم النفي الاوكراني للهجوم على قصر الكرملين لكن لا يمكن تبرأتها من العملية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي اثناء زيارته فنلندا بأن سنة 2023 ستكون حاسمة النصر للأوكرانيين وأن هذه المسيرة تريد اظهار القدرة المتزايدة على شن ضربات دقيقة وعميقة على أحد أكثر الأهداف وأمناً وتحصيناً في العالم، خاصة وأن هناك تقارير تؤكد على أن نمط طيران هذه المسيرة في الفيديو، توحي على أنها قد تكون طائرة كوادكوبتر صغيرة صينية الصنع، وهي نظام واسع الانتشار إلى حد ما، وربما تكون من نوع “يو جي 22” (UJ-22) التي يستخدمها الأوكرانيون ويمكنها الطيران بشكل مستقل لمسافة 500 ميل نحو هدف محدد سابقًا ولها قدرة على التهرب من بعض الرادارات، ويبقى هذا السيناريو هو الأضعف لان الاوكرانيين يدركون تماماً بأن قيامهم بهذه الامر يعني زيادة الهجمات الروسية على الأراضي الأوكرانية.
اما السيناريو الثاني فيتمثل بتدبير الروس العملية لأعطاء شرعية داخلية لهجمات مدمرة على أوكرانيا، فبعد مشاهدة لقطات الهجوم يتصور للجميع بأن المسيرة كان المراد منها شو اعلامي فقط لا أكثر فهل الاوكرانيين اغبياء لدرجة ارسال مسيرة خدشت قبة قصر الكرملين فقط لذا فأن هناك احتمالية بأن الروس استغلوا هذا الأمر على الفور ليقولوا إن روسيا نفسها تتعرض للهجوم، لذا فأن هذه العملية قد تكون من تدبير روسيا لتبرير هجوم اغتيال محتمل على الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وإن موسكو ستستخدم العملية كحجة لتبرير هجماتها القادمة في أوكرانيا، وتعزيز الدعم الشعبي للحرب لأن روسيا بحاجة إلى نوع من التبرير لاستمرارها في الحرب وايصال رسالة الى الشعب الروسي مفادها تبيان خطورة الاوكرانيين لأنهم يحاولون قتل بوتين، لكن من المؤكد أن هذه العملية من المحتمل ان تمثل منعطفاً كبيراً في ساحة الصراع.
اما السيناريو الأخير يتمثل بالقوى المستفيدة من الصراع والتي أبعدت نيران الشرق الاوروبي صوب غربه فهم من عشموا زيلينسكي بالدخول الى الناتو والاتحاد الأوروبي وخذلوه وهم من جروه الى صفهم ودعموه بالأسلحة وهم من دعموا حركات الاحتجاج ضد الرئيس الاوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش الموالي لبوتين وهم من يدافعون عن احادي النظام بزيلينسكي حتى وصل الحال بهم الى ان يصفوه بتشرشل العصر، فيرى مستشار الامن القومي الأمريكي السابق زينجينو بريجنسكي إن روسيا هي الدولة القادرة على تشكيل تهديد للهيمنة الامريكية ومنافستها في منطقة اوراسيا لذا فإن توسيع حلف الناتو والمحاولة لضم أوكرانيا يعتبر هدفاً لتطويق روسيا وإفشال أي محاولة للتكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري بين أوكرانيا وروسيا فالغاية الأساسية للولايات المتحدة هي سحب أوكرانيا من الفك الروسي لأنها تشكل بعداً وامتداداً استراتيجياً لموسكو وفي حالة هيمنة الغرب على أوكرانيا يعني تعزيز عزلة روسيا والضغط عليها سياسياً وفرض عقوبات اقتصادية لأجل تقليص امكانيتها النووية والصاروخية للحفاظ على آمن الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو ومن جانب اخر استخدام التهديد الروسي كحجة لتعزيز الاحتياج الأوروبي الغربي للقوات العسكرية الامريكية لاحتواء المانيا وفرنسا وافشال محاولاتهم لاستقلال اوروبا عن الهيمنة الامريكية، فيبقى هذا السيناريو هو الاقرب الى الواقع.
لكن يبقى السؤال الأهم هو متى تنتهي هذه الحرب؟ فهي حرباً مدمرة لا ابالغ في وصفها بأنها أكثر الحروب تدميرياً في القارة العجوز بعد الحرب العالمية الثانية اذ اندلعت الحرب بعد موجه من المهاترات السياسية بين مهرجاً يقوده الغرب ودكتاتوراً يريد اعادة انتشار فكره الشيوعي، فلم يكترث الاثنين ابداً لا لشعوبهم ولا لوطنهم بل ركضوا يلهثون وراء صراعاً لن ينتهي ألا بأنهائهم كلاهم.