17 نوفمبر، 2024 11:51 ص
Search
Close this search box.

الاتفاقية السعودية الايرانية: قراءة قد تكون مختلفة

الاتفاقية السعودية الايرانية: قراءة قد تكون مختلفة

قبل عدة ايام تم الاعلان عن الاتفاقية الايرانية السعودية وبرعاية صينية؛ لم يكن مفاجئا من حيث هي اتفاقية، فقد سبقتها مفاوضات عبر وسطاء، إنما المفاجئة هي الرعاية الصينية لها. الاتفاقية جاءت او ان بداية المفاوضات حولها؛ جاءت بعد ان وصل البرنامج النووي الايراني ما وصل إليه حاليا وما سوف يصل اليه مستقبلا. مما لاشك فيه؛ ان الايرانيين صمدوا في مواجهة العقوبات الامريكية خلال عدة سنوات والى الآن. لم يتنازلوا عن ما أعلنوه من شروط العودة الى الصفقة النووية بينهم وبين الدول الكبرى، الا على ذات الشروط التي بموجبها تم عقد الصفقة النووية بين ايران والدول الكبرى، التي انسحبت امريكا ترامب منها. خلال سنوات تولي بايدن الادارة الامريكية واختيار هذه الادارة؛ طريق الدبلوماسية في التعامل مع ايران العتبة النووية؛ لم يتوصل الجانبان الايراني والامريكي الى اتفاق لأحياء الصفقة بينهما، مع ان جهود الجانبان كانت تجري على طريق اعادة العمل بالصفقة النووية. ايران اثناء هذه المفاوضات؛ كانت ترفع درجة تخصيب اليورانيوم حتى وصلت الى درجة تخصيب 60% وهي محاولة للضغط على الجانب الامريكي اولا وثانيا؛ الوصول الى العتبة النووية وجعل الخصم او وضع الخصم امام الامر الواقع. إنما كل شيء قد تغيير بدرجة كبيرة جدا؛ عدما اندلعت الحرب في اوكرانيا، التي غيرت الاصطفافآت على جميع الاصعدة، كما ان مشهد صراع القوى الدولية قد تغيير، فقد بات العالم مختلف عن عالم ما قبل الحرب في اوكرانيا. كما ان اولويات الولايات المتحدة هي الاخرى قد تغيرت. في ظل هذه الاوضاع الدولية والاقليمية؛ القيادة الايرانية والمقصود حصريا السيد على خامنئي؛ استثمرت هذه التغيرات بالاستفادة منها الى اقصى حدود الاستفادة والاستثمار فيها، وهذه هو ما نجحت فيه ايران، نجاحا واضحا لا غبار عليه، ولا تشويش في رؤية مديات تأثيراته على الاقتصاد الايراني، وعلى مراكز مؤثراته خارج حدودها الجغرافية. القيادة الايرانية المعروف عنها ومن خلال المتابعة لها؛ اولا القدرة الاستثمار في اي متغير لصالحها بطريقة برغماتية، حتى وان تعارض مع الايديولوجية التي ترفع شعاراتها عاليا في كل حين، لأن هذه الايدولوجية ذاتها تسمح لها؛ ممارسة هذه اللعبة ان اقتظت الظروف والاحوال. وثانيا تمتع هذه القيادة بالقدرة على الصبر لعدة سنوات بانتظار الظروف المواتية. وثالثا هو تمتعها بالذكاء في ادارة الازمات والصراعات مع الخصوم. ورابعا هو امتداداتها الاقليمية التي شكل البعض منه؛ رئة يتنفس بها الاقتصاد الايراني، فيما شكل البعض الاخر؛ عصا للضغط على الخصوم.. تحت هذه الظروف والاحوال الاقليمية والدولية، بما تحمل من تغييرات وتحولات على جميع الصعد؛ تم عقد اتفاقية بين ايران والمملكة العربية السعودية برعاية صينية في بكين. بعد مفاوضات استمرت لأكثر من سنة عبر وسطاء من العراق وسلطنة عُمان. اهم ما جاء فيها؛ هو اعادة العلاقات الدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمحافظة او العمل على استقرار المنطقة، والاستثمار الاقتصادي المتبادل.. ان هذه الاتفاقية مهمة في نشر السلم والاستقرار في المنطقة، والمشاركة في وضع الحلول للمشاكل التي تعاني منها دول المنطقة العربية؟!، وبالذات في اليمن، كما في غيرها.. هذا اذا صحت وصدقت النوايا للدولتين في تنفيذ اجرائيا ما اتفقتا عليه في الاشهر المقبلة، خصوصا وان هذه الاتفاقية تم ابرامها برعاية صينية. ان هذه الاتفاقية اجراءا بالعمل على تفعيل ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقيتين السابقتين؛ الاولى في عام 1998 بعد ان اصدر الكونجرس الامريكي ما عرف في وقتها قانون حرية العراق؟! … والثانية في عام 2001 بعد ان وضعت ادارة بوش غزو واحتلال العراق كهدف مقبل بعد افغانستان.. ان الاتفاقية السعودية الايرانية مهمة لكلا الدولتين في ظل الظروف الاقليمية والدولية. فالسعودية لا تريد ان تكون طرفا في اي صراع مقبل بين ايران وامريكا واسرائيل من جانب( هذا الصراع لن يحدث ابدا، اي ان امريكا واسرائيل لن تهاجمان ايران داخل حدودها الجغرافية ولو بطلقة مسدس.. لأسباب لا مجال للخض فيها في هذه السطور..) اما من الجانب الثاني تحاول ان تجد حلا لمشكلة اليمن التي استنزفت البعض من قدراتها، وتحمي امنها الداخلي..( الحل في اليمن سوف ترضي ايران وبدرجة ما السعودية؛ والذي ينحصر في اعادة اليمن الى ما كان عليه قبل الوحدة، او في احسن الاحوال تحويل اليمن الى كونفدراليتين، اي دولتين مستقلتين في دولة موحدة..) في ظل تخلي الشريك الامريكي عن الدعم الحقيقي لها في السنوات السابقة، التي تعرضت فيها مراكزها النفطية الى هجمات الحوثيون. اما ايران حاولت في السنوات الاخيرة، وبشكل محموم على تبريد الاجواء بينها وبين دول المنطقة وبالذات دول الخليج العربي وعلى وجه الحصر المملكة العربية السعودية. هذه المحاولات تواصلت من اللحظة التي تلت انسحاب امريكا ترامب من الصفقة النووية، وتعرضها الى عقوبات اقتصادية قاسية، وقيامها برفع درجة تخصيب اليورانيوم كأداة ضغط على الخصم الامريكي، ومواصلتها هذا الرفع حتى بلغ ما بلغ من مستواه وكميته؛ حتى تم الاتفاق بينها بين المملكة العربية السعودية مؤخرا.. بالإضافة الى كل ذلك؛ فأن ايران تريد ارسال رسائل طمأنة الى جوارها العربي، مفادها ان ايران عنصر امن وسلام واستقرار او كعامل استقرار وسلام في المنطقة العربية وفي جوارها مهما بلغت من قوة عسكرية، فأن هذه القوة عامل امن وسلام واستقرار في المنطقة، وان هذه القوة مع قوة جوارها العربي قادرة على حماية السلام والاستقرار والتجارة الدولية في المنطقة من دون تدخلات خارجية ومن دون تواجد الاساطيل الامريكية.. اذا ما عدنا الى الصفقة النووية، ما هو جاري حول اعادة العمل بها من مفاوضات او رسائل بين امريكا وايران؛ نلاحظ ان الموقف الايراني منها قد تغير بدرجة كبيرة جدا، وليس امريكا كما تروج له تصريحات المسؤولون الامريكيون. حتى ان الولايات المتحدة طرحت اخيرا، الاتفاق الجزئي، وهو طرح ليس بجديد فقد تم طرحه قبل مدة ليست بالقليل، وقد رفضته ايران. اعتقد ان ايران سوف تستمر في رفضه، الا اذا تضمن الاعتراف بها كدولة العتبة النووية مع الاحتفاظ بكل اليورانيوم المخصب بدرجة تخصيب عالية الى حدما، وهذا هو الواقع المستحيل ان تعترف بها امريكا. كما ان ايران لم تعد تهتم او ان اعادة العمل بالصفقة النووية لم يعد يقع في سلم اولوياتها في ظل المتغيرات التي احدثتها الحرب في اوكرانيا. فقد افتحت الكثير من الابواب امام ايران وفي جميع الحقول الاقتصادية والعسكرية والتسليحية والمالية والتجارية. منها ان ايران لها القدرة الان في تصدير كميات ذات قيمة اقتصادية ومالية من النفط والغاز على الرغم من العقوبات الاقتصادية الامريكية القاسية عليها، كما ان اجماع الدول الكبرى بخطة اجبارها على الانصياع لما تريد هذه القوى الكبرى؛ من صياغة اتفاق جديد، لم يعد قائما. عليه فان اعادة العمل بالصفقة النووية امر بات عسيرا وصعبا ان لم اقل مستحيلا؛ لأن القيادة الايرانية ليس من الغباء بحيث تجعل هذه الفرصة او اللحظة التاريخية تفلت من بين يديها. كما ان امريكا ليس في وارد سيا ستها الاعتراف رسميا بإيران العتبة النووية. لذا فان الامر سوف يظل على ما هو عليه في الاشهر المقبلة وربما السنوات المقبلة حتى تحسم ايران ذات يوم موقفها او انها سوف تفاجىء العالم بإعلان ما طمحت إليه كواقع على الارض بوضوح.. مما يعزز هذا الاعتقاد؛ تصريح مسؤول الطاقة النووية الايرانية الاخير؛ من ان ايران قادرة على تخصيب اليورانيوم بالدرجة التى تريدها، ومهما كانت هذه الدرجة من التخصيب، واضاف في ذات التصريح من ان امريكا فشلت في منع ايران من امتلاك التكنولوجيا النووية، فقد صارت ايران دولة نووية. اعتقد خلال هذه الفترة الانتقالية؛ سوف تفي ايران بكامل التزاماتها التي تضمنها الاتفاق الايراني السعودي الاخير .

أحدث المقالات