المقدمة:
تعد المؤسسات الدينية في مختلف المجتمعات لاعب مهم في الحياة العامة ويختلف دورها باختلاف الطبيعية البنيوية للمجتمع والدولة فقد يقتصر على النشاط الديني او الاجتماعي او قد يتوسع ليكون الفاعل الاول في ادراة مختلف شؤون البلاد ، والمؤسسات الدينية في العراق اختلف دورها باختلاف كل مرحلة زمنية، فقتصر في اوقات معينة على المجال الديني فقط وفي اوقات اخرى توسع ليشمل المجال الديني والاجتماعي والسياسي ، لذلك تسعى هذه الورقة الى تناول الدور التنموي للمؤسسات الدينية في العراق وبالاخص العتبة الحسينة والعباسية وذلك لدورها الوسع والكبير في العراق ما بعد العام 2003.
اولاً: المؤسسات الدينية في العراق .
تتعدد المؤسسات الدينية في العراق ويعود ذلك لتعدد الاديات والمذاهب فيه ،فلكل دين او طائفة او مذهب مؤسساته الخاص التي يقع عليها مسؤولية ادارة وتنظيم المجال الديني المتعلق بها ، ويختلف دور كل مؤسسة بحجم المنتمين لها فالبعض منها يقتصدر دورها على الجانب الديني البحت والبعض الاخر يشمل المجال الاجتماعي والثقافي واخرى يتوسع ليشمل المجال الاقتصادي والسياسي، فالمؤسسات الدينية للاقليات الدينية يقتصر نشاطها في الغالب بالمجال الديني والاجتماعي، اما المؤسسات الدينية للمسلمين نجدها اوسع في نشاطتها فقط يمتد نشاطها الى مجالات اوسع من المجال الديني كما في الوقفين السني والشيعي حيث نجد لكل منها نشاطات اجتماعية وثقافية واقتصادية الى جانب النشاط الدين، حيث تشرف الاوقاف على تنظيم المجال الديني بصورة عامة فضلاً عن المجالات الثقافية والتعليمية فالكل منها مؤسساته التعليمية التي تشمل المدراس والمعاهد والكليات …الخ.
ثانياً: التنظيم القانوني للمؤسسات الدينية.
تبنّت السياسة الجديدة في العراق ما بعد العام 2003 أنموذجاً جديداً أقرّ بالاستقلالية الذاتية للمؤسسات الدينية وحقها في العمل بصورة مستقلة في الشأن العام. تمثّلت الخطوة الأولى في تطبيق هذا الانموذج في القرار الذي اتحذه في آب 2003، مجلس الحكم الانتقالي والذي قضى بإلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية،واستبدال الوزارة بدواوين وقفية لكل طائفة دينية، ونشأ عن هذا الإجراء ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السنّي وديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية. كان الهدف إنهاء سيطرة النظام السابق على المجال الديني، ومنح حرية أكبر للمذاهب والأديان المتعددة في العراق للتعبير عن هوياتها ومعتقداتها، ضمن إطار سياسي جديد ساهم في ترسيخ التعددية وتمثيل المجموعات الإثنية الدينية (). الامر الذي وفر فضاء اوسع للمؤسسات الدينية لممارسة عملها ومن هذه المؤسسات العتبات الدينية المرتبطة بالوقف الشيعي وبالاخص العتبة الحسينة والعباسية حيث توسع دورها ليشمل مجالات مختلف لاتقتصر على المجال الديني ما منحها امكانية كبيرة للقيام بدور تنموي واسع شمل مختلف مجالات الحياة.
ثالثاً:التنظيم القانوني للعتبات والمزارات الشيعية.
تخضع العتبات كغيرها من المؤسسات الدينية في تنظيمها ونشاطاتها للقانون ، حيث نظم القانون هيكلها وبنيتها الداخلية وحدد دورها فمع وجود اكثر من قانون عمل على تنظيم العتبات الدينية في العراق ، جاء قانون رقم 19 -2005 لينظم ادارة العتبات والمزارات الشيعية بصورة خاصة ، ويلغي اي نص قانوني يتعارض مع هذا القانون ، وهو بذلك كان قد وفر قاعدة قانونية للعتبات الدينية الشيعية لتوسيع دورها في المجتمع ومنحها الحرية والاستقلالية في ادارة شؤونها الخاصة الامر الذي اسهم في تعزيز دورها للقيام بدور تنموي واسع يشمل اغلب مجالات الحياة ولايقتصر على المجال الديني.
رابعا:المجالات التنموية للعتبات الدينية.
تعدد المجالات التنموي للعتبة الحسينة والعباسية ،حيث نجدها قد سعت بان يكون لها دوراً في مختلف مجالات الحياة التربوية والمعرفية والثقافية والدينية والاجتماعية و الاقتصادية والانسانية والطبية .. الخ. ففي المجال التربوي والتعليمي سعت العتبات الى تأسيس العديد من المدارس والمعاهد والجامعات التي ضمن مختلف التخصصات مثل (جامعة وراث الانبياء وجامعة الزهراء للبنات وجامعة الكفيل وجامعة العميد ) فضلاً عن تاسيس العديد من مركز الدراسات المهمة منها( مركز الدراسات الاستراتجية ومركز الدراسات الافريقية ، ومركز كربلاء للدراسات والبحوث ) التي شملت مختلف المجالات البحثية . وفي المجال الاقتصادي سعت العتبات نحو زيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني من خلال انشاء العديد من المصانع مثل ( المدينة الصناعية ومعمل انتاج البلوك والمقرنص وشركة الوارث للصناعات الهندسية وشركة نسيم الواراث للتجارة والمقاولات والاستثمارات الصناعية ومصنع الوارث لانتاج اجهزة التبريد ومعمل الدواء في البصرة ..الخ). وفي المجال الزراعي والثروة الحيوانية كان للعتبات دوراً مهماً في تنمية المجال الزراعي من خلال انشاء العديد من المزارع والبساتين مثل (مدينة الامام الحسين ومزرعة فدك للنخيل ومدينة سيد الشهداء الزراعية ومدينة ابي الاحرار الزراعية ..الخ ). اما في المجال الطبي فقد كان دور العتبات واضح تمثل في انشاء العديد من المستشفيات والمراكز الصحية مثل (مستشفى الكفيل ومستشفى الشيخ الوائلي ومستشفى الامام زين العابدين ومسشفى خاتم الانبياء ومستشفى السفير ومستشفى السماوة العام ومسشفى الشفاء ومستشفى البتول في الموصل ومستشفى الشفاء في بغداد –منطقة الشعلة، فضلاً عن العديد من المراكز الصحية ومراكز علاج مرض التوحد ومراض الاورام ..الخ) والتي اسهمت في تقديم العلاج للعديد من الموطنين وبالاخص الايتام وجرحة الحشد الشعبي ..الخ ، حيث قام مستشفى السفير بإجراء أكثر من (1000) عملية جراحية شهريا مجانا وعلى هذا النحو مستشفى الإمام زين العابدين الذي أجرى( 120) عملية جراحية في الغالب للأطفال من مختلف محافظات العراق، وعلى يد أطباء أجانب، إذ يقدم تسهيلات وتخفيض في الأجور تقدر بـ (6) مليار دينار عراقي سنويا.. فضلا عن مشروع مطار كربلاء الدولي .. والعديد من المشاريع السكنية المخصصة للايتام والشهداء ومحدودي الدخل.
رابعاً: العتبات الدينية ومبدأ الاكتفاء الذاتي.
تنطلق العتبات الدينية ( الحسينية والعباسية ) من مبدأ اساس هو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الخارج في عملها لذلك سعت الى تأسيس البنى التحتية المطلوبة لعملها بالاعتماد على الخبرات العراقية في مختلف التخصصات الانسانية والعلمية عند انشاء مشاريعها، فضلاً عن اعتماد ذات المبدأ في مشروعها التنموي في العراق حيث تسعى العتبات الى تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي في البلاد ، لذلك نجدها حاضرة في مختلف ميادين الحياة في محاولة منها ان تضع اسس التنمية الشاملة لتكون رافعه لتحقيق تنمية وطنية تخرج البلاد من الاعتماد على اقتصاد احادي الجانب المتمثل بالنفط ومن جهة اخرى تقليل الاعتماد على الخارج من خلال بناء اقتصاد وطني يساهم في تعزيز الناتج الوطني ويزيد من الدخل الوطني وبالنتيجة يحقق التنمية بالشكل الذي يزيد من دخل الفرد والاسرة العراقية ويحقق لها الامان الاجتماعي والاقتصادي .. الخ.