علي حسين محسن عبد الجليل الوردي (1913– 13 تموز 1995 م)، وهو عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته وهو من رواد العلمانية في العراق . لقب عائلته الوردي نسبة إلى أن جده الأكبر كان يعمل في صناعة تقطير ماء الورد ولد في بغداد في مدينة الكاظمية عام 1913م.ترك مقاعد الدراسة في عام 1924 ليعمل صانعاً عند عطار ولكنه طرد من العمل لأنه كان ينشغل بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن وبعد ذلك فتح دكان صغير يديره بنفسه، وفي عام 1931 التحق بالدراسة المسائية في الصف السادس الابتدائي وكانت بداية لحياة جديدة. واكمل دراسته وأصبح معلما. كما غير زيه التقليدي عام 1932 وأصبح افندي.وبعد اتمامه الدراسة الثانوية حصل على المرتبة الثالثة على العراق فأرسل لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على البكلوريوس وارسل في بعثة أخرى إلى جامعة تكساس حيث نال الماجستير عام 1948 ونال الدكتوراه عام 1950.حياته الدراسية والعلمية
تخرج في كلية جامعة بيروت الأمريكية في عام 1943 . حصل على الماجستير عام 1948م، من جامعة تكساس الأمريكية.حصل على الدكتوراه عام 1950م، من جامعة تكساس الأمريكية.قال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: (أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع).المواقع والمناصب التي شغلها عام 1943 عين في وزارة المعارف مدرسا في الاعدادية المركزية في بغداد. عين مدرسا لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1950 ،أحيل على التقاعد بناء على طلبه ومنحته جامعة بغداد لقب (استاذ متمرس) عام 1970. كتب وألف العديد من البحوث المهمة والكتب والمقالات ولم يلتفت إلى مستقبله الشخصي، وإنما كانت حياته معاناة وتعب واجتهاد وأختلف مع الحكام في بعض الأمور، وفي هذه المعاناة وحدها رأى المستقبل يصنع بين يديه. كتب عنه: سلامه موسى, عبد الرزاق محيي الدين, ومئات الصحف والموسوعات والكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه, ومنذ أواخر السبعينات انشغل بكتابة مذكراته لإخراجها في كتاب.
تأثره بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع
كان الوردي متأثرا بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع. فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له، لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي ولم يتبع الأيدولوجيات (الأفكار) القومية فقد أثار هذا حنق متبعي الايدلوجيات فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية لأنه عنون كتابه” شخصية الفرد العراقي” وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. وكذلك إنتقده الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.
تحليلاته في بنية المجتمع العراقي الحديث تعتبر دراسة علي الوردي للشخصية العراقية هي الأهم من نوعها ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان الشرق الأوسط. حلل علي الوردي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة و الجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بلد يسمح ببناء حضارة بسبب النهرين ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا. وصف علي الوردي العراق بالبوتقة لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم الاستقرار والتحضر. فتنشئ لديهم قيمتان: قيمة حضارية وقيمة بدوية. والعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة. ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر. حلل أغلب مناطق العراق ما عدا المناطق الكردية في العراق بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب قوله في كتاب “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي “. بالإضافة إلى تأثر الدكتور الوردي بابن خلدون فلا ننسى تأثره أيضا بالجاحظ في نظرته الموضوعية ومنهجه العقلاني وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.
مميزات أبحاث ومؤلفات الوردي
تفرد العالم الدكتور الوردي بالدخول بتحليلات علمية عن طبيعة نشأة وتركيب المجتمع العراقي الحديث خصوصا بعد عهد المماليك وفيضانات دجلة والفرات وموجات أمراض الطاعون التي أما فتكت بأعداد هائلة من المواطنين الذين كانوا يقطنون الولايات العراقية على عهد العثمانيين أو أدت إلى هجرة أعداد غفيرة من مواطني الشعب العراقي إلى الولايات والأمارات العثمانية شرق نجد والخليج أو إلى الشام “سوريا ولبنان والأردن وفلسطين أو إلى مصر. ولا زالت الكثير من العوائل من الأصول العراقية محافظة على ألقابها العراقية. النيل والفرات: نبذة: ينقلنا الدكتور علي الوردي من خلال كتبه عبر مواضيع نحلق معه خلالها في أجواء النفس وخباياها وما ورائياتها، مواضيع تقترب أو تبتعد وعناوينها عن التحليلات النفسية، ولكنها وعندما تطرق وجزئياتها أبواب الفكر الوردي تأخذ منحنى آخر لتستعرض مختبر اجتهاداته، لتخرج لابسة أبعاد كثيراً ما يفاجأ الذهن بعناوينها، ففي أسطورة الأدب الرفيع، يأخذ العنوان القارئ إلى مدى الأدب يسميه على الوردي، وإلى فضاء تحليلي من نوع آخر. الكتاب يحتوي على مناقشة فكرية جمية بين مدرستين، الأولى معتزة بالشعر واللغة إلى درجة التزمت والتعصب والثانية يمثلها الكاتب تنتقد الشعر والأدب السلطاني والقواعد اللغوية المعقدة التي وضعها النحاة.
يطرح الكاتب ويناقش أثر الأدب واللغة على المجتمع العربي، ويضع أسباب اهتمام الخلفاء والسلاطين بها بشكل خاص حتى أصبح العرب من أكثر الأقوام اهتماماً بالشعر. وفي كتابه وعاظ السلاطين يطرح الوردي أموراً مختلفة منها أن منطق الوعظي الأفلاطوني هو منطق المترفين والظلمة، وأن التاريخ لا يسير على أساس التفكير المنطقي بل هو بالأحرى يسير على أساس ما في طبيعة الإنسان من نزعات أصيلة لا تقبل التبديل، والأخلاق ما هي إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. ومن خلال كتابيه “خوارق اللاشعور” و”الأحلام بين العلم والعقيدة” يأخذنا الوردي عبر التحليلات النفسية في مناحي تمس جميع الناس، فمن منّا لا يحب أن يعلم الكثير حول ذاك الشعور المكتنف بالغموض والذي يجترح العجائب، وعن تلك الأحلام التي تنثال صوراً عند انطلاق لا شعوره من معتقله عند نومه؟!!
الصبغة الانثربولوجية مؤلفات وأبحاث الوردي يعتبر على الوردي رائد علم الاجتماع في العراق وهو من القلائل الذين كتبوا عن هذا المجتمع ونذروا له حياتهم, ولحد الآن لم يخلفه أحد. صرّح علي الوردي في مقابلة قبل وفاته بفترة قصيرة أنه ألف عدة كتب وطلب من ورثته نشرها بعد موته, ورغم مرور أكثر من عشرة سنوات لم نر أي كتاب من تلك الكتب التي بقيت بحوزة الورثة. كما حلل أصول المهاجرين وتميزت مؤلفات وأبحاث الوردي بالصبغة الأنثروبولوجية حيث ما أنفك يبحث عن الكثير في واقع مجتمع العراق والمجتمع البغدادي وعاداته وتقاليده المتحدرة من عهود الخلافة العباسية.وعن المناسبات الدينية وأهميتها في حياة الفرد البغدادي كالمولد النبوي الشريف وذكرى عاشوراء. وشن حملة شعواء ضد بعض رجال الدين خصوصا في كتابه وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري واتهمها بالوقوف إلى جانب الحكام وتجاهل مصالح الأمة على حساب مصالحهم الضيقة متخاذلين عن واجبهم الدينية. ودعا إلى نبذ الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنة وطالب بالنظر إلى موضوع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية على إنه خلاف تاريخي تجاوزه الزمن ويجب على المسلمين عوضا عن ذلك استلهام المواقف والآراء من هؤلاء القادة التاريخيين. ذكر الدكتور علي الوردي كيف كان حكام الدول الإسلامية يستخدمون الوعاظ لتبرير ظلمهم. وذكر السبب الذي من ورائه انجر الوعاظ لمسايرة السلاطين وهو حب النفس. ولقد أدعى الوعاظ أنهم يفعلون ما يفعلون لـ “مصلحة الإسلام والمسلمين”. وكان الدكتور علي الوردي، عراقي حتى النخاع في كل شيء، فكان يعيب على المؤرخين العراقيين نسبتهم الامام أبو حنيفة إلى بلاد الأفغان ويقول ان ابي حنيفة رجل عراقي من عرب العراق الذين استوطنوها قبل الإسلام، ويعيب عليهم قولهم إن الشيخ عبد القادر الجيلاني ،إيراني الولادة في ظل روايات تقول بعراقية مولده ،وكذلك في نسبة الجواهري لفارس وهو العراقي الصميم، وكان يشعر بالاسى ويتحسف على نسبة رموز بغداد إلى غير العراق. يميل الدكتور الوردي للواقعية في تحليلاته الاجتماعية على طريقة ابن خلدون وميكافيللي، ويعتبر مجدد علمهم في العصر الحديث.
مؤلفاته كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات. خمس كتب منها قبل ثورة 14 تموز 1958 وكانت ذات أسلوب ادبي -نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القارئ العراقي ولذلك واجهت افكاره واراءه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة وبخاصة كتابه ” وعاظ السلاطين” الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الافلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وان الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما اكد بانه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه. أما الكتب التي صدرت بعد ثورة 14 تموز فقد اتسمت بطابع علمي ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي وفي مقدمتها كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ومنطق ابن خلدون ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الذي صدر في ثمانية أجزاء.لقد تنبأ الوردي بانفجار الوضع مثلما تنبه إلى جذور العصبيات التي تتحكم بشخصية الفرد العراقي التي هي واقع مجتمعي تمتد جذوره إلى القيم والأعراف الاجتماعية والعصبيات الطائفية والعشائرية والحزبية التي ما زالت بقاياها كامنة في نفوسنا. وكذلك إلى الاستبداد السلطوي، الزمني والتزامني، الذي شجع وما يزال يشجع على اعادة إنتاج الرواسب الاجتماعية والثقافية التقليدية القديمة وترسيخها من جديد، كما يحدث اليوم.
مهزلة العقل البشري.
· وعاظ السلاطين.
· خوارق اللاشعور (أو أسرار الشخصية الناجحة).
· هكذا قتلوا قرة العين وهي قصة مقتطفة من الجزء الثاني من كتاب [لمحات…].
· لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث (8 أجزاء).
· الأحلام بين العلم والعقيدة.
· منطق ابن خلدون.
· قصة الأشراف وابن سعود.
· أسطورة الأدب الرفيع.
· دراسة في طبيعة المجتمع العراقي
· شخصية الفرد العراقي، بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث.
· أكثر من 150 بحثا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة بغداد.
لم يثر كاتب أو مفكر عراقي مثلما اثاره علي الوردي من افكار نقدية جريئة. وكان من البديهي ان يتعرض للنقد والتجريح والهجوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار(حيث صدرت حول أفكاره خمسة عشرة كتابا ومئات المقالات)، حتى انطبق عليه المثل العراقي المعروف ” مثل السمك مأكول مذموم”. الحقيقة كان على الوردي أول عالم اجتماع عراقي درس شخصية الفرد العراقي وطبيعة المجتمع العراقي بجرأة وصراحة وحلل الظواهر الاجتماعية الخفية والسلوكيات الفردية والجمعية ووجه الاهتمام إلى دراستها وتحليلها ونقدها. وهو بهذا دفعنا إلى اعادة النظر في خطابنا الفكري والاجتماعي والسياسي والى ضرورة ان ننزل من ابراجهم العاجية وان نعي واقعنا بكل إيجابياته وسلبياته. فقبل أكثر من نصف قرن قال على الوردي بان على العراقيين ان يغيروا انفسهم ويصلحوا عقولهم قبل البدء بإصلاح المجتمع، لان التجارب القاسية التي مر بها الشعب العراقي علمته دروسا بليغة, فاذا لم يتعض بها فسوف يصاب بتجارب اقسى منها.! وعلى العراقيين ان يتعودوا على ممارسة الديمقراطية حتى تتيح لهم حرية الرأي والتفاهم والحوار دون أن تفرض فئة أو قبيلة أو طائفة رأيها بالقوة على الاخرين. كما قال: “بان الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية, وعلى العراقيين ان يعتبروا من تجاربهم الماضية, ولو فلتت هذه الفرصة من ايدينا لضاعت منا أمدا طويلا.” لقد صدق علي الوردي, فالعراق اليوم يقف في مفترق طرق, وليس امامه سوى ممارسة الديمقراطية(الحقيقية) حتى في ابسط اشكالها وآلياتها، فهي الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة العصيبة. المؤلف محمد العبيدي توفي العلامة الدكتور علي حسين الوردي في ( 13 تموز 1995 ) بعد صراع مع مرض السرطان ، ولم يتمكن الأطباء من معالجته لافتقار المستشفيات العراقية آنذاك إلى الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق, سافر الى الأردن ليتلقى العلاج في مدينة الحسين الطبية و ثم عاد الى العراق ليقضي نحبه فيه. و قد كتب احدهم وقتها مقالة, اتهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بقتل الوردي بسبب الحصار الظالم التي فرضته على العراق مما شح معه الغذاء و الدواء. وبعد احتلال العراق عام 2003 كتب الراحل الكبير العلامة الدكتور كامل مصطفى الشيبي مقالة قال فيها: أن الوردي مات مرتين, تطرق فيها الى العملية النكراء الذي قام بها جلال الدين الصغير حيث استحوذ على جامع براثا في كرخ بغداد و انشائه قاعات وابنية في المقبرة الملاصقة للجامع, وقد اكلت هذه الأبنية قبور ثلة من كبار علماء العراق, ومن ضمنهم قبر الوردي.