تصاب الأوطان والمجتمعات بالأمراض، مثلها مثل أي كائن حي، ولا اختلاف في ذلك.
فإن التعرض لهبوب رياح الظلم مثلاً، او الوقوع في مستنقع الاستبداد، والتعرض لضغط الابادة القاسية، والمكوث عقوداً تحت وطأة غسيل المخ الذي يمحو كل ما هو جميل ويبقي شعارات التغني بالسلطان، ان كذلك لا ينتج إلا مجتمعات واهنة، واوطاناً مرتبكة، ورمال متحركة تبتلع المستقبل وبشكل تام.
ذلك ان كل تلك الممارسات التي تقع على الشعوب إنما تشوه بناءها، وتصيبها بالعوق، وتؤسس لمفهوم المغالبة بديلاً عن المشاركة، والصراع عوضاً عن الحوار، والقسوة مقابل الرحمة المطلوبة، وهو ما يجذّر حالة الإحساس بالظلم بمرور الوقت، ويحرم المرء من النمو بشكل طبيعي، ويحدث ردود أفعال لا يستهان بها بل لعل أثرها يمتد لعقود تالية.
فكيف الحال إذا كان التغيير بحد ذاته يقوم على الإمعان بذات السياسات؟!!
ان من ينتظر نقاهة الشعوب قبل الخضوع للطبيب المختص، والتعافي قبل أخذ الدواء الصحيح، والشفاء التام قبل اتمام دورة العلاج، إنما ينتظر مستحيلاً، بل على العكس والحال هذه، نحن نشهد تفاقماً للمرض لا الخلاص منه، وهنا تكمن خطورة الأوضاع.
ومراجعة سريعة للأدبيات المتخصصة بهذا الموضوع، توقفنا على ان المجتمعات التي عانت من الاستبداد ولاحقتها موجات الظلم وغمط الحقوق، إنما افتقدت للحالة الصحية المطلوبة التي تمنحها القدرة لتكون فاعلة، وتتشارك مع نظيراتها حالة البناء المطلوب، وبالمقابل كذلك، نجد ان حالة التعافي المطلوبة إنما تستلزم علاجاً دقيقاً ومتواصلاً لكل تلك الأمراض، والأهم علاج أصلها وليس ظواهرها!.
ومما اجده يغيب عن الأذهان، الركون إلى التأثيرات المادية والغفلة عن الضرر المعنوي، فكأننا نحقق السلوك المطلوب إذا منحنا هذه الفئة او تلك مزيداً من الأموال، والمكاسب المادية من وظائف ونفوذ.. الخ، في حين يتم إغفال ما أحدثته الممارسات السلبية الخاطئة من جروح داخلية ليس من اليسير التخلص منها.
ان الظلم يوجد هشاشة الانتماء، والقسوة تولد التطرف والغلو، والحرمان يلغي خطوط الثوابت الحمراء، وما لم تتم معالجة تلك الجذور لن نتمكن من الوصول إلى الحالة المطلوبة من ترشيد الحالة الراهنة وإزالة آثار الماضي الأليم.