أنجبت الحياة رجال على سطح المعمورة، أختلفت مواقفهم من حيث المقامات، منهم منح صفة النبي والرسول والوصي والعالم ، وما إلى ذلك من المسميات التي تطول وتعرض .
لكن أي صفة اخذت الشهرة والرفعة في مقامها وخلدها التاريخ القديم والمعاصر ، هم الأنبياء والمرسلين، ثم الادنى فالادنى ، وكذلك نجد رجال اقل مستوى من ذلك لكنهم اتصفوا بالكرم ، والشجاعه ، أمثال حاتم الطائي عُرف بجوده وكرمه، وكان من الذين اشتُهروا بإكرام الضيف في الجاهليّة وحُسن الضيافة، ومن القصص التي شاعت وأصبحت مثلًا يُضرب في الجوده والكرم، هو ما فعله في سنة قحط وجدب أصابته وقومه، حتى استمرت الحياة تخرج لنا رجال هم يصنعون المواقف الخالده على مر التاريخ، وهذا ينطلق من معرفة الخالق جل وعلا، اي معرفة الغايه من أجلها خلق الإنسان وفضله على سائر المخلوقات، وقد جعل أهل البيت (عليهم السلام) معرفة الخالق سبحانه أول الدّين، وأوليّة الشيء تدل على شرفه؛ حيث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) “أوّل الدين معرفته”.
هكذا ولدت لنا الدنيا شخصية من كبار فقهاء ومجاهدي العراق ومن أبرز مراجع التقليد في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في القرن الرابع عشر الهجري. كان له الدور البارز في نشر المكتبات العلمية في مدن العراق وسائر البلاد الاسلامية، هو السيد محسن الحكيم(قدس)، صاحب التأريخ الجهادي والسياسي خلال القرن العشرين ، ولانبالغ اذا قلنا ان السيد محسن الحكيم صاحب مستمسك العروة الوثقى قد اطبقت شهرته بشكل تام على مجريات الاحداث في القرن الماضي، لاسيما بعد ان تسالم الجميع على زعامته للطائفة حتى وفاته عام 1970 . أكملت مسيرته الجهاديه من خلال ابناءه منهم ، عزيز العراق السيد عبد العزيز الحكيم الطباطبائي، عاش معارضا لنظام صدام حسين، مع أخيه الشهيد الخالد محمد باقر الحكيم، حيث حظى بترأس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقاً، وعضو في البرلمان العراقي وزعيم الائتلاف العراقي الموحد، يعتبر من الشخصيات المؤثرة في الساحة العراقية ولها بصماتها الواضحة على الشارع العراقي من إنشاء خدمات عامة لمختلف طوائف وطبقات الشعب خاصة الطبقة المحرومة والمهمشة في عهد النظام السبق، كما ويعد من أبرز الاصوات المطالبة بتطبيق الفيدرالية في العراق، حيث ينتقده العديدون بسبب هذا الطرح، يتمتع بشعبية كبيرة بين أوساط الطائفة الشيعية في العراق والتي تعد أكبر طوائف العراق تعداد حت بلغ عدد الذي إصطفوا لإستقباله في مدينة الناصرية عند دخوله العراق قرابة مئتين الف شخص من اهالي الجنوب .
فنصف عمره الذي قضاه في التضحية، والجهاد، والنضال، من أجل العراق وشعبه، وتخليصه من الظلم والدكتاتورية، يعادل عمر اجيال كثيرة، فكيف لنا الاحاطة بكل ما قدّم من مجهود؟! بقى أثره خالد في قلوب وعقول العراقيين من محبيه وعارفي فضله ومكانته.
لكن سنترك أمر السيد الراحل، عزيز العراق(قدس)، الى العلماء الفقهاء، الذين هم أكثر معرفة ودراية منّا بالسيد عبد العزيز الحكيم، وبعد وفاته، صدرت عدة بيانات من مراجع الدين، في النجف وخارجه، في تأبين الفقيد، ومن خلال هذه البيانات نعرف مدى عظمته ومكانته، الذي طالما أثاروا عليه أعداءه شبهات، وأضاليل، وأفتراءات، وأكاذيب، مثل سليم الحسني وغيره، من مثيري الفتن، واصحاب نظرية تسقيط الخصوم.
فكان بيان مكتب المرجع الديني الأعلى، السيد السيستاني” دام ظله”، في 5 رمضان 1430- وكل بيانات المراجع في هذا التاريخ- مما جاء فيه:
((تلقى سماحة السيد السيستاني، نبأ وفاة العلامة حجة الاسلام السيد عبد العزيز الطباطبائي الحكيم، بعد عمر حافل بالعطاء في سبيل خدمة وطنه ودينه، وخلاص شعبه من الظلم والقهر والاستبداد…))
المرجع الديني الكبير، محمد سعيد الحكيم، دام ظله:(( بمزيد من الأسى واللوعة، ننعى سماحة العلامة حجة الاسلام والمسلمين، السيد عبد العزيز الحكيم، الذي قضى عمراً حافلاً بالتضحية، والصراع المرير من أجل الشعب العراقي، ورفع الظلم عنه، والدفاع عن هويته الدينية…
وكان له “رحمه الله” الأثر الكبير في بناء العراق، في هذه المرحله الحساسه، على اسس متوازنة، تحفظ للشعب كرامته وحقوقه)).
المرجع الديني الشيخ بشير النجفي، دام ظله:(( لقد كان المرحوم رمزاً للثبات، في أحلك الظروف، وكان صبوراً، متفانياً في خدمة الاسلام والمسلمين عامة، وخدمة الشعب العراقي المظلوم خاصة، فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين والعراق خيراً، فلينم قرير العين فقد حقق معظم ما أراد تحقيقه في خدمة البلد)).
بعد هذا الكلام من المراجع العظام، الصريح والواضح، من التبجيل والتعظيم للسيد الفقيد، رضوان الله تعالى عليه، هل يبقى بعد لذي مشكك عذر؟! الاّ لذوي النفوس المريضة، والعدائية.
نقول كما قال سماحة المرجع الشيخ النجفي”دام ظله”: نم قرير العين يا عزيز العراق، وجزاك الله عن الاسلام والمسلمين والعراق خيرآ..