5 نوفمبر، 2024 8:29 ص
Search
Close this search box.

جحيم الأيام / الحلقة العاشرة

جحيم الأيام / الحلقة العاشرة

في إحدى المرات، وعندما نفذتْ نقودي، ولم أعد قادراً على شراء سيكارة واحدة نظرتُ إليهِ قبل مغيب الشمس في ذلك اليوم الشتائي، وقلتُ له بحياء شديد:
…” أخ نبيل أنا محتاج سيكارة واحدة فقط كيف أتمكن من الحصول عليها؟ الكل هنا يبيعون السجائر، ولكنها باهضة الثمن، وليس معي ديناراً واحداً”. نظر نحوي بحنان أخوي وهو يقول:
…” لا تهتم إن الله كريماً ابق هنا، وسأعود بعد قليل”. كان هو لايُدخن وبعد دقائق قليلة عاد، وهو يقول بسخاء لا ينتهي:
…” تفضل هذه علبة كاملة من السكائرحاول أن تقتصد بها”. نظرتُ إليه وإلى العلبة وأنا لاأصدق ما أرى. شعرتُ أنه كان قد وصل إلى أعلى درجات الكرم في التاريخ الإنساني المعاصر.أحسستُ أن تلك العلبة تساوي شيئاً ثميناً جداً في زمان ومكان ما. طوقتني الذكريات وعصفت بي الأحلام القديمة، وكيف كنتُ أدخن سيجارة مارلبورو وأنا جالس في فندق الرشيد مع أحد الصحفيين الأجانب أتبادل معه أطراف حديث طويل حول مواضيع مختلفة أو عندما كنت أدخل الأسواق الحرة، وأشتري ما أريد من أي نوع من أنواع السجائر. دون وعي قلتُ له” إن شاء الله سوف يعوضك الله عن هذه أضعافاً مضاعفة”. ابتسم بهدوء قائلاً:
…” لا تهتم يا أخي المسلم أخو المسلم، وطالما لديّ نقود فسوف أشتري لك علبة سجائر كلما نفذت واحدة”. شعرتُ بقشعريرة وأنا أستمع لهذا الكلام.عادت لي كافة صور المصريين في العراق.أنا شخصياً كنت أحمل لهم صوراً متحفظة، وكنت أعتبرهم من الدرجة الثانية، ولكن تصرفه النبيل معي جعلني أعيد النظر في تصوراتي الخاطئة. وأستمر يشتري لي علبة بعد أخرى دون أن أطلب منه ذلك يا لهذا الكرم النادر!.
أما صلاح المصري فهو الآخر مثال الرجولة والحب الأخوي الصادق والإنسانية التي ليس لها حدود. في إحدى المرات كنت جائعا لدرجة الموت. لو طلب مني شخصاً ما أن يقدم لي قطعة صغيرة من الخيار أو الطماطة على أن أعيدها له بمقدار عشرة كيلوات عندما أعود إلى البلد لوافقت على الفور. كان بعضهم يتاجر بالخيار والطماطم حيث يشتري من الإيرانيين ويبيعها في السوق الذي تحدثتُ عنه سابقاً. كنتُ أنظر إلى الذين يفترشون الأرض وقد وضعوا أمامهم مقدار ضئيل من الخيار والطماطم وكل جندي يصرخ بطريقه بائسه:
…” خيار تازة..طماطة حمرة..”. كنت أنظر اليهم وأتحسر من الألم النفسي والجوع الشديد الذي لايرحم أبداً. تمنيتُ أن يكون لدي قليل من النقود كي أعمل طبق صغير من السلطة مع الرز عند الساعة الثالثة عصرا. كان مشهد الباعة يثير في نفسي شفقة وتعاسة أكثر من تعاسة الجوع والحرمان…فهل هذا هو الجندي العراقي الذي إشترك في معارك طاحنة لاتعد ولاتحصى؟ إنه المصير المحتوم. يالسخرية القدر ويالقساوة الزمن الصعب. لاأدري هل أنظر إلى بؤس هؤلاء الذين كانوا ضحية معارك صدام التي لاتنتهي أم أنظر إلى حالتي المزرية التي وصلت إلى هذه النقطه البشعة في تاريخ الإنسان البشري وسقوطه صريع الظروف الصعبة والفاقة التي لاترحم؟ من بعيد شاهدت صلاح وقد وضع يداه في جيبي قمصلته.تقدمت نحوه في حياء كبير وبادرته بالقول:
…” صلاح لدي شيء أريد أن اقوله لك وأرجو أن لا أُسبب لك بعضا من الإحراج”. وقف قربي وراح ينظر نحوي وقد ظهرت على شفتية إبتسامة هادئة وهو يقول:
…” تفضل قل ماتشاء وأنا تحت أمرك”. بسرعة البرق أخرجتُ هويتي المدنية الصادرة من وزارة ألأعلام – دائرة ألأعلام الخارجي – وقلتُ بأرتباك:
…” لاحظ، هذه هويتي إقرأها جيداً ..لم يشاهدها أي إنسان حتى هذه اللحظة.إحفظ ماكُتب فيها. أنا محتاج خمسة دنانير لغرض شراء قليل من الطماطم. أكاد أموت من الجوع وإذا عدنا إلى العراق سوف أعطيك عشرة أضعاف ماتعطينني.إذا ذهبتَ إلى العراق قبلي سأعطيك عنوان شقيقي الكبير وقل له بأنك تطلبني خمسون ديناراً سوف يعطيك المبلغ فوراً”. ظهرت في عينيهِ مُسحة من الحزن وقال على الفور:
…” إخفِ هويتك ولاتجعل أي إنسان يراها ..هذه الهوية سوف تسبب لك مشاكل إن إطلع عليها أحد هنا. خذ هذه خمسة وعشرون ديناراً إنها هبة لك . إذا إحتجت مبلغاً آخر في المستقبل لاتتردد في طلبه مني أنا أخوك ونحن في شدة”. سلمني المبلغ وذهب دون أن ينتظر مني جواباً. نظرتُ إلى الورقةِ من فئة الخمسة وعشرون ديناراً. كانت أصلية كما يُطلق عليها في ذلك المكان. شعرتُ عندها بأنني أمتلك الكرة الأرضية كلها. تقدمتُ نحو أحد الجنود الباعة وقلت له” إعطني بخمسة وعشرون ديناراً طماطه وخيار”. ظل الجندي البائس مثل بؤسي ينظر إلى الورقه غير مصدقاً أن إنسان يشتري منه كل هذه الكمية وفي لحظة واحده.حينما طال تدقيقه في الورقة النقدية صرختُ به:
…” لا تخف إنها ورقة أصلية وليست طبع”.
بسرعة متناهيه راح يحسب لي عدداً من قطع الخيار والطماطة. وضعت البضاعة في كافة جيوبي وركضت نحو إحدى الصخور القريبة. إتخذتُ منها مكاناً أميناً كي لايراني أحد الزملاء الجائعين. نظرتُ ذات اليمين وذات الشمال كي أتأكد من عدم وجود شخص ما ينظر نحوي وبالتالي أضطر لتقديم واحده له. بدأتُ أخرج الواحدة تلو الأخرى وألتهمها التهاماً كأنني لم أذق هذا النوع من الخضراوات في حياتي. عندما أنهيتُ القطعة الأخيرة شعرتُ بأمتلاء معدتي وشعرت برغبة شديدة للنوم. إستلقيتُ إلى الخلف ووضعتُ يدي فوق عينيّ كي أمنع أشعة الشمس من التسلل اليهما. فجأةً راحت دموعي تنهمر لتغطي الوديان والسهول الممتده في هذه الغربة التي لاتنتهي أبداً. عادت الذكريات القديمة تهجم على روحي وتوقظ في ذاتي أشجاناً لاتنتهي. في اليوم التالي كنتُ جالساً في ” كبرتي” أي السقيفة التي صنعتها لي في الهواء الطلق. كنتُ أقرأ القرآن وكان بعض الجنود العراقيين يلعبون كرة القدم على مسافه قريبة مني والبعض الآخر يقف عند الخط الأبيض لساحة كرة القدم ينظر إلى اللاعبين وهم يركضون بصعوبة بسبب نقص المواد الغذائية. من بعيد كان هناك جنديا إيرانياً – الحرس — لاأدري لماذا تقدم نحوهم في حين أن مكان حراسته يجب أن يكون عند الأسلاك الشائكة أو عند باب النظام. صاح على اللاعبين والمتفرجين أن يتفرقوا ولكن أحداً لم يُعرهُ أي إهتمام..وبدون أدنى حذر صوب الحارس فوهة بندقيته وكأنه كان يريد إخافتهم. وهدرت طلقة من بندقيته وصاح أحد المتفرجين بأعلى صوته وسقط على ألأرض مضرجاً بدمائه. لقد مزقت الطلقة قدمه اليسرى. ركض اللاعبون نحوه كي يحملونه صوب باب النظام حيث يتواجد رئيس الحرس وإرتعب الجندي الذي أطلق الرصاص. لم يُصدق ماكان قد حدث وراح يصرخ بأعلى صوته” لم أقصد أن أُطلق الرصاص..لم أقصد أن أطلق الرصاص”.أما أنا فقد أصابني الرعب فقد مرت الطلقة قريباً من مكان وجودي.حملت المصحف الكريم وركضتُ نحو الغرفه التي أسكنها مع زملائي خوفا من حدوث إطلاقة أخرى.ظل المسكين يصرخ من الألم وهو ممدد فوق التراب تلفح وجهه الشمس والجنود الأسرى يحيطون به لايعرفون ماذا يفعلون. جاء الجنود الإيرانيون يركضون مذعورين لحدوث تلك الضوضاء.حملوه إلى الغرفه القريبة من باب النظام وبعد فترة نقلوه إلى المستشفى. بعد شهر أو أكثر عاد وهو يمشي على عكازة. كانوا قد قطعوا قدمه اليسرى.ظل يعاني من عذاب لاينقطع حتى عودته إلى العراق.
كانت هناك ظاهره غريبة لم أُشاهدها طيلة حياتي في بلدي ألا وهي ظاهرة القمل. ياالهي! القمل في معسكر كرند لاينتهي أبدأً. كان القمل يمشي على جدران الغرفة في خط يشبه سير النمل. حاولنا عدة مرات التخلص منه إلا أننا فشلنا في ذلك. أخيراً إضطررنا إلى إشعال نيران كثيفة داخل الغرفة وحملنا عيداناً خشبية متوهجة وشرعنا نُحرق الجدران الواحدة تلو ألأخر.أما مشكلة الماء فقد كانت صعبة جداً. في البداية كنا نشرب من الآبار المحفورة قديماً. بعدة مدة من الزمن شرعوا يرسلون لنا سيارة حوضية وكنا نقف في طابور طويل كي نحصل على حصتنا من الماء. فجأة تحول سائق السيارة الحوضية إلى تاجرٍ من الدرحةِ ألأولى. كان الجنود الأسرى يعطوه نقوداً كي يجلب لهم البضائع التي يحتاجونها لبيعها في السوق المحلي الذي شيدوه في كرند . يوما بعد آخر كانت حالتي تسوء فقد أصبحت ألاسعار ترتفع وأنا لا أملك أي مبلغ من المال. في يوم من الأيام إحتجتُ سيجارة واحدة فباعني إياها أحدهم بدينارين وبعد ساعات أخذ يطالبني بالثمن لأنني في البداية أخذتها منها بالدين المؤجل. هذا الشخص تحول إلى تاجر من الدرجه الأولى، فقد جاءت والدته من العراق لزيارته. هنا وبين قوسين كما يقولون .ينبغي التوقف قليلاً أزاء هذا الحدث الجبار الفريد من نوعه في العالم. لقد ذُهلتُ لهذا الحدث كما ذُهل الكثيرون أمثالي.!!. كيف تستطيع إمرأة أن تخترق كل هذه المساحات الوعره الشاسعة وهذه الأرض التي يبدو أن ليس لها نهاية وبالتالي تأتي لزيارة ولدها. شعرتُ أنني يجب أن أقف لها إحتراماً وإجلالاً.لايمكن أن أقول عنها سوى أنها إمرأة فولاذية حديدية لايمكن أن تجاريها إمرأة في العالم. بوركتِ أيتها ألأم التي ضحت بكل شيء كي تصل إلى ولدها. إنها قوة الأمومة الكامنه في قلبها. كانت قد تنكرت بزي الأكراد كما يبدو أنها دفعت أموالاً طائلة كي تصل إلى أقصى الأرض وفي ذلك الظرف الصعب. كانت قد أعطت ولدها سجائر كثيرة وأشياء أخرى. راح يشتري مواد متنوعة ويبيعها في السوق. لقد إرتبط مصيري بهذا الشخص لحين عودتنا إلى البلد عام 2001..وحينما أصل إلى معسكر برندك سوف أذكر هذا الشخص في أحداث أخرى عندما أستعرض بعض الأشخاص الذين كانت لهم أحداثٌ أخرى في حياتي هناك.
عندما جاء يوم 26/8/1991م تحولت الحياة في كرند إلى شيء أخر. جاءت سياراتٌ مختلفة وفرحتْ القلوب وطارتْ الأنفس في مساحات فضائية واسعة من السرور والإبتهاج. أخبروننا بأننا سوف نعود إلى البلد… هذا ماقالوه لنا”. وبين مصدق ومكذب صعدنا السيارات وكل واحد منا يحلم أحلاماً ليس لها حدود. وإنطلقنا ليلاً نشق عُباب الهواء ونقطع مسافات شاسعة جداً من الطرق المختلفة ومررنا بسهولٍ ووديان لاحصر لها. حينما أشرقت الشمس وَجَمَتْ القلوب وتحطمت ألامال وذابت الأحلام وتلاشت كل فرحة طفت على سطوح القلوب الحائرة. توقفت السيارات أمام أحد المعسكرات وبقينا ننتظر عدة ساعات. كنا نشاهد منتسبي المعسكر من الضباط والمراتب يدخلون من باب المعسكر وقد جاءوا لتوهم من بيوتهم. لا أحد ينظر الينا وكأننا نكرة تماماً أو ربما أنهم كانوا قد إعتادوا على هذا المشهد طيلة سنين . فجأةً سمعتُ أحد الزملاء” جعفر” وهو يجلس في المقعد الخلفي يقول بصوت ساخر” نكوع..والله العظيم نكوع”. حاولتُ أن أفسر هذه العبارة مع نفسي دون الرجوع إلى أحد ألزملاء… وفي النهايه عرفت أن معناها هو أننا سنبقى في هذ المكان سنوات طويلة ولن نعود إلى بلدنا إلّا بمعجزة. وكان صادقا فيما كان قد نطق به فقد خرجنا من المكان بعد عشر سنوات.
ترجلنا من السيارات وبدأنا نسير داخل المعسكر الموحش. كان معسكراً للأسرى من حرب الثمانينيات. كانت خاوية تماما فقد رحل عنها سكانها. شاهدنا آثارهم هناك. آلاف من الأوعية المعدنية والبلاستيكية تكومت في تلال غير مرتبة. حقا أن منظر تلك الاواني يثير في قلب الانسان نوعا من الحشرجة والخوف. يا إلهي هذه أطلال الأسرى المساكين الذين قضوا أجمل سنوات حياتهم في هذه الاماكن. شاهدنا ذكريات كثيرة خطت على الجدران وهي تحكي معاناة جيل كامل كان قد عانى الشيء الكثير. إذن هذه هي النهاية. معسكرات متشابهة وحراساً وجنوداً وأسلاكاً متشابكة. تجمعنا على شكل طوابير طويلة وجاء الحراس كي يُسكتوا ألأصوات التي كانت تدمدم تسأل عن مصيرها المجهول. وجاء السيد ألآمر بسترتة العسكرية المفتوحة من الأمام وجاء معه رجل طويل القامه مدني وراح يترجم لنا مايقوله ألآمر.قال ألآمر:
…” سوف نقدم لكم خمس سجائر في اليوم الواحد. وجبة طعام حارة أيضاً وفراش وسرير. من يحاول الهرب سنطلق عليه الرصاص في الحال. من يحاول التقرب إلى الجنود سوف يعاقب. من يحاول أن يحدث شغب وإضطراب سوف يعزل في مكان لوحده”. وراح المترجم يضيف من عنده مايشاء لأننا لانجيد لغتهم. فجأةً قال ألآمر:” كل واحد منكم مسؤل عن نفسه ولايجب أن يتدخل في شؤون ألأخرين. الآن سلموا هوياتكم وبطاقاتكم الشخصية. يجب أن لا تبقى ورقة واحدة في جيوبكم. سوف نعيدها إليكم حينما تعودون إلى بلدكم”. وبسرعة البرق أخفيتُ هويتي المدنية في سروالي الداخلي وأعطيتهم دفتر الخدمة العسكرية كما فعل باقي الجنود ألأسرى. ظلت الهوية في سروالي الداخلي مدة من الزمن إلى أن إضطررتُ لتسليمها حينما نقلونني إلى السجن ألأنفرادي الخاص الذي سأتحدث عنه لاحقاً. تم توزيعنا على (البخشات )أي المعسكرات وكان نصيبي معسكر” جهان أره”. معسكر قديم يتكون من قاعتين ضخمتين..عددنا 750 شخص. كان مزدحم جداً وكل شيء فيه مزعج ويثير القرف. كل حركة تريد القيام بها لا تستطيع إلا بشق ألأنفس. مضت الأيام الأولى قاسية مضطربة فالوقت كله موزع مابين الكفاح من أجل الحصول على ” سطل” من الماء والحصول على خمس سكائر والركض خلف موزع الشاي من أجل الحصول على قدح صغير. فجأةً وجدتُ نفسي أُدرّس مادة اللغة ألأنكليزية لبعض الزملاء المقربين، فقد رجاني بعضهم لقضاء ذلك الوقت المرعب المقيت وجدتُ سعادة بالغة في بداية الأمر للقيام بذلك العمل. كان هدفي نبيلاً جداً. لم أكن أعلم أن الحياة هناك قد بدأت تتحول إلى شيء أخر. كنتُ أعتقد أن جميع الأفراد الذين يعيشون معي طاهري القلوب . لم أكن أتصور أن ألأشخاص هنا متلونين وكل واحد يبحث عن مصيره حتى لو كان على حساب الأخرين.وجاءت الطامة ألكبرى. الليلةِ التي تم فيها القبض على البريء.
كنت مستلقياً على فراشي في ظهيرة أحد الأيام حيث وصلت درحة الكآبه إلى ما لانهايه. جاءني أحد الزملاء المقربين وهو يقول بذعر” إنهض. ضابط الإستخبارات ذكر إسمك مع بعض الأشخاص الأخرين”. نهضتُ مذعوراً على الرغم من درجة الإعياء التي كانت تسيطر على كل عضو من أعضاء جسدي المنهك.أحسستُ أن ثمة خطر ما يلوح في ألأفق. توجهتُ إلى الباب الرئيسي . كانت مجموعة من الأسرى قد إصطفت بصمت حيث يقف رجلاً ضخم الجسد. كان يقف إلى جانبه شاب قصير القامه” سامحه الله” إسمه “قاسم الزاهدي”. حينما وقعتْ نظراتي عليه قفز قلبي من الهلع وشعرتُ أن ألأمر لايخلو من الخطورة والجدية في مجريات سيل ألأحداث. حينما وقفتُ إلى جانب بقية الأسرى همس الشخص المذكور آنفاً في أذن ضابط الإستخبارات. نظرالأخير صوبي وحاول أن يجعل نظراتهِ تبدو طبيعية ولكنني أدركتُ منذ اللحظةِ الأولى أنه قد وجد في وجهي شيئاً ما. بعد قليل قال الضابط” إنصرفوا الأن,عودوا إلى قاعاتكم”. كان الشاب القصير يحمل كل معاني الحقد.لقد سمعتُ الكثير عن هذا الشخص فقد قال لي أحدهم بأنه كان قد إغتصب إحدى قريباته وفر من العراق كي يتخلص من الإنتقام من أهل الفتاة. كان يحاول إيذاء الأسرى بأية طريقه كي يكتسب ثقة الجانب الأخر. لقد ركزّ عليّ هذا الشخص وكنتُ مرات عديده أدرّس صديقه المدعو” سدير”. لقد حذرني منه بعض الأصدقاء ولكنني كنت لا أهتم له مطلقاً طالما إنني لم أرتكب أي خطأ يجعلني أتعرض للخطر—أو هذا ماكنتُ أتصوره—
عدتُ إلى فراشي تتقاذفني الملايين الأفكار والشكوك والهواجس المرعبة. لم أستطع تناول طعام الغداء في ذلك النهار. لم أعد أطيق أي شيء. أحسست بأقتراب ساعة الصفر. لم أعد أر نفس ألأشخاص الذين يدخلون القاعة الكبيرة. كنت أشاهد أشباحاً قد تمزقت صورها الحقيقية وتحولت إلى هياكل عظمية تسير هنا وهناك بلا هدف. منذ تلك اللحظة فقدت طعم الإستقرار. في البداية حاول بعض الأصدقاء المقربين تخفيف حدة التوتر التي كانت تعصف بي. حاولوا تهدئة الطوفان الهائج في أعماقي الدفينه إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع. كان نداء الإحساس الخفي داخلي يزداد ويتفاقم كلما تقدمت ساعات ذلك اليوم.إحساس مروع ومخيف. وجاء الإنذار ودقتْ نواقيس الضياع عندما بدأ الليل يزحف مغطياً الأفق بأشرعتة الداكنة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات