لعل من اهم ميزات النظام اللبرالي و التشريعات المستندة الى شرعة حقوق الانسان هو اعلائها لقيمة الكرامة الانسانية واحترامها للفرد وفق تصور لتنظيم علاقة الافراد بالسلطة يقوم على نوع من التوازن لايلغي السلطة بل يضبط جنوحها و ايقاعها وممارساتها وسلوكيات العاملين فيها بطريقة لا تلغي حقوق الافراد وحرياتهم وكرامتهم بل يضمن احترامها ووفق ذالك ظهرت الدساتير الوطنية كمرحلة اولى ثم برزت المطالبات بحماية مافوق الوطنية تعمل على الزام الدول وردعها عن انتهاكات حقوق الانسان حتى ظهر مايعرف بالقانون الدولي الانساني .من منطلقات وطنية عراقية نقول ان المواطنة القابعة تحت سيطرة الاستبداد و الاستعباد الفاقدة للحرية والارادة المحرومة من التعبير و المشاركة او كما يطلق عليها مواطنة المواطن المقهور المهمش الذي يعيش الفجوة الطبقية الهائلة ويخضع للتميز المكوناتي لايمكن عدها مواطنة بالمعنى الانساني للكلمة . وبما ان المواطنة تعتبر رابط موضوعي وقانوني يتجسد بالديموقراطية وحقوق الانسان وحاكمية القانون وسيادة المؤسسات الدستورية على قاعدة من الاحترام للحرية و المساواة وتكافوء الفرص والعدالة الاجتماعية .فأن سلوكيات اجهزة تطبيق القانون خاصة واجهزة البيروقراطية الحكومية عامة يجب ان تراعي في سلوكياتها معايير حقوق الانسان .ولعل قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية تعتبر من اكثر القوانيين حساسية تجاة تماسها مع حريات الافراد وكراماتهم .وهنا يبرز دور القضاء كمؤسسة دولة معنية في التعامل مع اجراءات اجهزة الشرطة و التحقيقات ومشرفة على اجراءاتها وتصدر القرارات التحقيقية منها .وهنا تبرز بعض القضايا ذات الجنبة السياسية وياخذ دور السلطة القضائية جانبآ ذي دلالات سياسية تسفر عن طبيعة النظام السياسية ولعل سوح المحاكم شهدت عدة قضايا في هذا الشان لعل من اشهر القضايا التي شهدتها المحاكم العالمية قضايا مثل قضية رافاياك ومقتل الملك هنري الرابع على خلفية احداث دينية وطائفية بين البروتستانت و الكاثوليك وقضية الجاسوسة الحسناء الراقصة ماتاهاري التي هزت اوربا عشية الحرب العظمى الاولى وفي العصر الحديث محاكمة الرئيس الفرنسي جاك شيراك وفي الشرق الاوسط قضية دنشواي في مصر التي كان قاضيها بطرس غالي باشا سنة 1906 وقضية ابراهيم الورداني سنة 1910 بسبب مقتل بطرس غالي رئيس الوزراء ومن القضايا الشهيرة في العراق محاكمات الاستاذ كامل الجادرجي بسبب المقالات و التصريحات التي اطلقها في العهد الملكي حيث كان صاحب الامتياز لجريدة الاهالي ثم صوت الاهالي وهي لسان حال الحزب الوطني الديموقراطي العراقي وقبلها جماعة الاهالي .في المحاكمات و التحقيقات في الانظمة الديموقراطية تبرز اهمية احترام الدستور و القانون و حقوق الانسان حيث تتامن حقوق الدفاع و شرعية الاجراءات التحقيقية واحترامها لحقوق الانسان كمعيار لشرعية الاجراءات وعدالة المحاكمة .,
لعل من القضايا المهمة و التي صدر فيها حكم في القضاء العراقي يمكن عدة من درر الاحكام التي لاتجود بها اروقة المحاكم الا نادرآ هو قرار اصدرتة محكمة بداءة الكرادة بتاريخ 6-3-2012 برئاسة قاضيها السيد سالم روضان الموسوي وقد نشرة في الصفحات 44و45و46و47و48و49 في كتابة القيم المعنون قضاء محكمة البداءة احكام قضائية و افكار قانونية وقد نشر القرار تحت عنوان القسم 4 من الامر 55لسنة 2004 المتعلق بهيئة النزاهة العامة المحرض الصوري ومسؤولية الموظف تجاة المواطن وتتلخص وقائع القضية بدعوى رفعها احد محققي هيئة النزاهة ويطلب فيها اعادة مبلغ مليون و اربعمائة الف دينار ترتبت بذمة المدعى عليهم وهي اموال تعود الى دائرة المدعي (هيئة النزاهة)اعطيت الى المدعى عليهم كمقدمة بقصد ضبطهم متلبسين بالجرم المشهود بأخذ الرشوة وحيث انهم لم يعيدوا المبلغ .علية طلب دعوتهم للمرافعة و الحكم على المدعى عليهم بالزامهم باعادة المبلغ مع احتساب الفائدة القانونية وتحميلهم الرسوم و المصاريف و اتعاب المحاماة انكر المدعى عليهم اخذهم المبلغ و طلبوا رد الدعوى سارت محكمة البداءة في الدعوى وطلبت جلب اضبارة القضية المرقمة 544\ج\2010 من محكمة الجنح والصادر فيها قرار بالادانة في 6\3\2011بحق المدعى عليهم وفق احكام المادة 293 من قانون العقوبات وهذة القضية من خلال نص المادة 293 من قانون العقوبات 111لسنة 1969 تتعلق بالموظف او المكلف بخدمة عندما يصدر رخصة رسمية او تذكرة هوية او انتخاب الخ مع علمة بان من صدرت لة تلك الاوراق الرسمية منتحل اسم كاذب او شخصية كاذبة او صفة كاذبة انتحلت .
لدى قراءة ماجاء في ديباجة الحكم وقراءة الاسباب القانونية التي استند فيها الى رد الدعوى نجد في الاسباب فلسفة حقيقية وتعتبر الاسباب روح اي قرار تصدره المحاكم وهي واجبة بموجب المادة 159 من قانون المرافعات الفقرة 1 يجب ان تكون الاحكام مشتملة على الاسباب التي بنيت عليها وان تستند الى احد اسباب الحكم المبينة في القانون و الفقره 2 على المحكمة ان تذكر في حكمها الاوجة التي حملتها على قبول اورد الادعاءات و الدفوع التي اوردها الخصوم والمواد القانونية التي استندت اليها واذا اغفلت المحكمة ذالك كان الحكم موجبا للنقض بموجب المادة 203 في فقراتها 1و 3و5 كخطاء يوجب النقض عند الطعن تميزآ
ففي اسباب القرار اورد القاضي ان المحقق كان قد نظم عدد من المحاضر بتاريخ 6\6\2010حول ورود الاخبار وافادة المخبر السري دون علم وموافقة قاضي التحقيق المختص وكذالك مما ورد في القرار ان المحكمة اطلعت على مطالعة شعبة العمليات الخاصة .ومحضر الانتقال يشرح فية انتقال مجموعة الى مكان تواجد المتهم بغرض الاتفاق معة على تزوير وثيقة دراسية وتسليمة مبلغ 1000دولار صرف من المال الخاص لمحقق الهيئة بعد اخذ موافقة رئيس الهيئة الشفوية ولم تجد المحكمة اي موافقة او قرار من قاضي التحقيق يتعلق بالاذن بالتعامل بالكيفية اعلاة . كما ان المحقق نظم عدد من المحاضر حول ورود الاخبار وافادة المخبر السري دون علم وموافقة قاضي التحقيق .كما اطلعت المحكمة على مطالعة الى رئيس هيئة النزاهة ويطلب فيها صرف المبالغ التي استعملت في عملية الضبط من قبل المحقق م واطلعت على مستندات صرف ومما جاء في القرار انة ومن خلال التحقيقات لم يؤيد مايشير الى استلام المدعى عليهم المبلغ المذكور .وان كل ماقدم لايعدوا ان يكون اصطناع الدليل من شخص لنفسة . ولا تعد من المحررات الرسمية التي ينطبق عليها مفهوم المادة 21 من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1079 وهذة المحاضر لايمكن عدها من باب الدليل المادة 213 الاصولية لأنها لم تكن مغطاة بقرارات قضائية حينها لذا تجد محكمة البداءة ان لها الحق ووفق سلطتها التقديرية باهدار تلك المحاضر وان لا تعتد بها لانعدام قيمتها القانونية .. كماان المحاضر التي ينظمها عضو الضبط القضائي هي التي تتم بعد وقوع الفعل الجرمي وليس في مرحلة التخطيط كما ان التنصت على المدعى عليهم دون موافقة القضاء يعد خرق لحق الانسان في الخصوصية التي اقرتها المادة 44 من الدستور مما لايرتب اي اثر تجاة المواطن
وتجد المحكمة ان تصرف المدعي بواسطة موظفية لم يكن سعي الى الضبط بالجرم المشهود وانما يدخل ضمن المساهمة الجنائية لانة دفع الجاني الى ارتكاب الفعل وحصل الفعل بناء على ذالك الدفع و التحريض وهذا يندرج ضمن منطوق الفقرة 1من المادة 48من قانون العقوبات 111لسنة 1969 .وان كان القائم بفعل التحريض موظف حكومي او مخول بسلطة او من اعضاء الضبط القضائي وهذا يعتبر فاعل معنوي او محرض صوري و التحرض الصوري الذي تقوم بة السلطات العامة بغية ضبط جريمة يراد لها من قبل السلطة ان تقع بغية ضبطها يعد وسيلة غير مشروعة لان التحريض خلق الفكرة في ذهن الجاني وتمت بناء على هذا التصور وان مهمة السلطة كشف اللثام عن الجريمة ومرتكبيها لا ان تهدر كرامة المواطن بحملة على ارتكاب جريمة وبما يعدم الاستقرار الاجتماعي و الامني وحيث ان الهيئة بمحققيها اسهمت في خلق الجريمة فتكون مسؤوليتها متحققة تجاة تبديد الاموال العامة دون مراعاة القواعد القانونية في تنفيذ واجباتها ..واعتبرت ان كل ماتقدم على فرض صحتة لا يعدوا ان يكون تصرفا شخصيا لايستند الى نص قانوني او قرار قضائي ويكون التصرف فاقد الشرعية .
اشار القرار الى ان محقق المفوضية المعنية بالنزاهة ابدلت التسمية بموجب قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 من مفوضية الى هيئة .اشار القرار الى ان صلاحيات محققي النزاهة لا تعدوا ان تكون صلاحيات محققي المحكمة من العاملين في مجلس القضاء الاعلى وها واضح من القسم 4المتعلق بالصلاحيات و الواجبات بفقراتة 1و4و5 من القسم 4 من امر سلطة الائتلاف الموئقتة 55لسنة 2004 الذي كان يطبق وقت حصول الواقعة محل القرار فالفقرة 1 من القسم 4 اشارت الزمت المفوظية ان تعرض على قاضي التحقيق بواسطة محقق من الدرجة الاولى اعمال فساد تمت في الماضي حتى 17تموز 1968 اما الفرة 4 من القسم 4 الزمت قاضي التحقيق .ان يتعامل مع طلب محقق النزاهة بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع طلبات محقق المحكمة التابع الى مجلس القضاء الاعلى .وهذا التوجة استمر من المشرع حتى اليوم بعد صدور قانون هيئة النزاهة و الكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2011معدلا بالقانون رقم 30لسنة 2019 حيث المادة 11اولا للهيئة صلاحية التحقيق باي قضية فساد بواسطة احد محققيها تحت اشراف قاضي التحقيق , وكذالك المادة 12للهيئة استخدام وسائل التقدم العلمي وجمع الادلة واستدعاء المعنيين للتحقيق بشكل مباشر بعد صدور قرار من قاضي التحقيق .ان هذا التوجة يجد اساسة في المادة 51\ا الاصولية حيث يتولى التحقيق قاضي التحقيق و المحققون تحت اشراف قاضي التحقيق .ان كل ماتقدم يجد لة اساس دستوري حيث نصت المادة 37\ب- من الدستور النافذ . حيث عدم جواز توقيف احد او التحقيق معة الا بموجب قرار قضائي . ولا يمكن وصف ماحدث بانة جريمة مشهودة لان الجريمة المشهودة اذا شوهدت حال ارتكابها او عقب ارتكابها ببرهة يسيرة او اذ تبع المجنى علية مرتكبها اثر وقوعها او تبعة الجمهور مع الصياح او اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها حامل الات اواسلحة او امتعة يستدل منها انة فاعل او شريك او اذا وجدت اثار او علامات تدل على ذالك .وهذة الحال اي الجريمة المشهودة غير متحققة لاننا امام مساهمة جنائية قامت بها مؤسسة الدولة بدفع مواطن الى ارتكاب الجريمة وهذا ما اشار لة القاضي سالم روضان في قرارة عبر ذكر نظرية المحرض الصوري كما اوردها الاستاذ مصطفى العوجي القانون العام المسؤولية الجزائية حيث ساهمت مؤسسة الدولة في خلق فكرة الجريمة ,,,.وفي القانون العراقي قانون العقوبات رقم 111لسنة 1969 فان الفكرة تبدوا واضحة لدى قراءة المادتين 47 و 48 من قانون العقوبات حيث المسؤولية تقع على عاتق هيئة النزاهه اعتبرت المادة 48 شريكا في الجريمة بموجب الفقر 1من حرض فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وهذا واضح حيث حرضت الهيئة على وقوع الجريمة اما الفقرة 2 من المادة 48 من قانون العقوبات من اتفق مع غيرة فوقعت بناء على هذا الاتفاق وذالك متحقق حيث موظفي الهيئة هم من قاموا بالاتفاق مع المتهم على التزوير وهم من قدموا لة المال ان الهيئة باعتقادي كانت فاعل اساسي بموجب المادة 47 الفقرة 2 يعد فاعلا من ساهم في ارتكاب الجريمة اذا كانت تتكون من جملة افعال فقام عندا اثناء ارتكابها بعمل من الاعمال المكونة لها و الواقع ان الهيئة على فرض صحة الواقعة نفذت الجريمة مع المتهم فقامت بافعال الركن المادي مع المتهم وتميزت علية بدور المحرض على ارتكاب الجريمة .ان مسألة مراعاة النصوص القانونية في اجراءات التحقيق و احترام حقوق الانسان فيها مسألة بالغة الحساسية شديدة الاهمية وتبدوا اهميتها اشد في بلاد الشرق الاوسط و العراق خصوصا لما لنا من تاريخ يتمثل بانتهاكات شديدة لحقوق الانسان و عدم العدالة في الاجراءات الادارية او التحقيقية و انعدام المساواة و ان القيام بالتنصت وان كان فعلا يناقض الدستور فأنة شكل بشكل او اخر عامل تذكير بالممارسات القديمة في الانظمة الدكتاتورية و يجب ان لايستخدم الا في اضيق الحدود ولفترة وجيزة للغاية وبعد امر قاضي تحقيق يتقيد باجراءات القانون ويحترم كرامة الانسان وحقوقة وهذة الاجراءات تتناقض مع فكرة الدولة القانونية التي تعتبر اساس بناء الدولة في الفكر اللبرالي الانساني الديموقراطي الحديث ..
حيث ان الدول في النظم الديموقراطية تاخذ بمبداء دولة القانون او المشروعية الذي يعني خضوع الدولة بمؤسساتها وهيئاتها و افرادها جميعىآ للقانون وان تحترم الادارة في تصرفاتها احكام القانون والا عدت اجراءاتها وقراراتها باطلة .وان تتقيد بمبداء تدرج القواعد القانونية اي ان تنسجم التشريعات الادنى مع الاعلى ..وهذا مانريدة للعراق العزيز وسائر دول المنطقة بما يلحقنا بدول الانسانية الحرة المتقدمة .