19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

عشرون عاما من التَّيْه العراقيّ!

عشرون عاما من التَّيْه العراقيّ!

عشرون عاما مضت وكأنّها مئات الأعوام منذ أن وقعت الكارثة الكبرى في 19 آذار/ مايس 2003، كارثة بداية غزو العراق واحتلاله!
عشرون عاما مليئة بطعم الموت، وأنين الرعب، وهمسات الخائفين المرعوبين داخل بيوتهم وفي كلّ مكان!
عشرون عاما عجاف قتلوا الإنسان، وخرّبوا الوطن، ونهبوا الأموال، وزرعوا اليأس والقنوط والفوضى!
عشرون عاما خلّفت أكثر من مليون شهيد، وقوافل من المُغيّبين والمعتقلين والأرامل والأيتام والمهجرين واللاجئين!
عشرون عاما ساعاتها أثقل من الجبال، وطعمها أمرّ من الحنظل، ومع هذه المرارة والخوف نتابع الإصرار المدهش على ترديد سمفونيّة الديمقراطيّة وكأنّها ساهمت في نشر السلام والطمأنينة والأمن المجتمعيّ وغيرها من ضروريات الحياة وليس من كمالياتها!
عشرون عاما كانت كافية لتوزيع الظلم، وتهشيم قلوب الأمّهات، وسحق قلوب الحبيبات، وكسر آمال الأطفال، ونحر طموحات الأجيال!
عشرون عاما بأتراحها وهمومها وأنينها وصرخاتها أجهّزت على ما بقي من العراق المخنوق بحصار دوليّ شديد بعد غزو الكويت!
عشرون عاما والحكاية العراقيّة لا أحد يعرف فصولها ولا متى تنتهي وتطوى؟
عشرون عاما قلبت الواقع والعادات والتقاليد، وسمعنا فيها من الحكايات والروايات والمآسي ما لم نقرأ مثلها في كتب التاريخ الحديث والمُندثر!
عشرون عاما طحنت خيرة شباب الوطن، ونهبت زبدة ثروات الأرض، ومحت غالبيّة العلوم والفنون والآداب وكأنّنا في كابوس مرعب ومظلم لا ينجلي!
عشرون عاما صارت الكلمات مشانق، والأقلام رماح مسمومة، والمواقف مقابر، والسكوت سقم وأمراض وضياع!
عشرون عاما ومشاهد وأصوات الصواريخ العابرة للبحار والدبّابات القاصفة للموت شاخصة أمام أبصارنا ومتربّعة على أفكارنا وأحلامنا!
عشرون عاما كُمّمت فيها الأفواه، ومَن ينطق بالحقّ يُسْكته السلاح الكاتم إلى الأبد في غابة متشابكة لا مكان فيها إلا للخراب والموت والإزهاق!
عشرون عاما زرعت الكراهية والغدر والمخدّرات والقنوط بين الناس!
عشرون عاما ازدهرت خلالها المقابر وضيّعت قيمة الحياة، وصار الشباب يتمنّون الموت في بحار اللجوء على البقاء بين أحضان الوطن!
عشرون عاما أعادت فيها واشنطن العراق إلى العصور الوسطى ليس بركوب الخيل والتخلّف التكنلوجيّ وإنّما بزرع الطائفيّة والتفكّك المجتمعيّ!
عشرون عاما نجحت فيها الإدارات الأمريكيّة المُتعاقبة في إدخال العراق بمرحلة الشلل السياسيّ، ومع ذلك هم مصرّون على (صواب) قرارهم باحتلال العراق!
عشرون عاما لم نرَ أيّ مشاريع صحّيّة وخدميّة واضحة، وانحدرت مؤسّسات الدولة لمستويات سحيقة!
عشرون عاما مُلئت بمئات الأسئلة التي لم نجد لها إجابات شافية:
– لماذا احتلّ العراق بكذبة امتلاك السلاح النوويّ!
– ومَن المستفيد من الاحتلال في ظلّ هذا التناحر والتدافع والصراعات الداخليّة؟
– ولماذا هذا الكره للعراق، فهل أرادوا تخليص العالم من وجود الرئيس الأسبق صدام حسين أم أرادوا محوّ العراق ليكون بلا هويّة وبلا كيان وبلا تأثير في واحدة من أهمّ مناطق العالم؟
– ومَنْ سيعوّض الأطفال عن عوائلهم؟
– ومَنْ سيعوّض النساء عن أزواجهم؟
– ومَنْ سيعوّض الأمّهات عن أبنائهم؟
– ومَنْ سيعوّض عموم المواطنين عن الرعب والخوف المستمرّ منذ تسعينيّات القرن الماضي؟
– وهل يمكن لجلسة مجلس الأمن المرتقبة أن تعيد الأمل للعراقيّين، أم أنّ روسيا تريد الانتقام من واشنطن عبر الملفّ العراقيّ ضمن صراعات القوى الكبرى وبالذات بعد الغزو الروسيّ لأوكرانيا؟
بعد عشرين عاما من (التغيير والديمقراطيّة) أو الاحتلال والخراب قالت ممثّلة الأمين العامّ للأمم المتّحدة في العراق جينين بلاسخارت منتصف آذار/ مايس 2023، بأنّ “النظام الذي استحدث في العراق بعد العام 2003 ببساطة لا يُمكن أن يستمرّ، وإذا ترك كما هو، فسوف يأتي بنتائج عكسيّة مرّة أخرى”!
فكيف يمكن تفسير عبارة (لا يُمكن أن يستمرّ)؟
فهل هي دعوة لدعم مظاهرات تشرين الشبابيّة التي لم تتوقّف منذ العام 2019 أم أنّ بلاسخارت تعلم ما لا يعلمه غيرها من إمكانيّة حصول أمر ما في المرحلة القريبة القادمة؟
إنّ احتلال العراق سيبقى من المراحل الفارقة في التاريخ الإنسانيّ تماما مثل الغزو المغوليّ لبغداد والحربين العالميّتين وغيرها من الويلات التي مرّت على الإنسان والأرض.
وأخيرا مَنْ سيُنقذ العراق… فهل سنكون أمام ثورة شعبيّة إنسانيّة سلميّة أم أنّ العراقيّين وصلوا لمرحلة اليأس المعنويّ والمادّيّ وهم يترقّبون قوّة خارجيّة تُعيد ترتيب أوراق بيتهم المُبعثرة؟
التغيير لا يكون بالكلام فقط، وسياسة التعديل بحاجة لتنظير وعمل، والتنظير بلا عمل مجرّد أوهام لا يُمكنها أن تُغيّر الواقع، والعمل بلا تنظير وتخطيط همجيّة سياسيّة لا يُمكنها تغيير الواقع!
نأمل أن نرى العراق، رغم الصعوبات والتعقيدات، زاهيا بالإنسان والعمران، وخاليا من القتلة والمجرمين وسرّاق الوطن والإنسان، ومن تُجّار السلاح والوطنيّة المزيّفة والشعارات الفارغة القائمة على الاستبداد والخداع الإعلاميّ للجماهير!
خلاص العراق لا يكون إلا بحكومة عادلة تجعل الوطن الخيمة الضامنة لسلامتهم وسعادتهم، وبسياسة نشر الوعي بين المواطنين وتنقية الوطن من الخيانات المسلّحة والفكريّة لأنّها من أخطر الآفات الحارقة لخيمة العراق!
فمَنْ سيُساعد العراق وأهله لإيقاف النزيف الدمويّ والفكريّ والنفسيّ والعقليّ والروحيّ المستمرّ؟
dr_jasemj67@