ما يميز المشهد السياسي في العراق كثرة القادة و غياب مؤسسة القيادة، ردود الأفعال بديلا عن القرارت الاستراتيجية، الفوضى الأمنية لزعزعة الاستقرار النفسي، الحلول المؤجلة و المستحيلات الكثيرة، مقابل عدم التقدم خطوة في الاتجاه الصحيح، انها صورة مؤلمة لحياة تقترب من المآساة، حيث ينتظر العراقي انتهاء ساعات اليوم بسلام ليبدأ رحلة جديدة مع المخاوف و الألغام ، حيث التهديد يرافق المواطن في كل مكان، فلا يعرف صديقه من عدوه بسبب اختلال مفاهيم الحكم و صناعة القرار.
يتعكز العراق على جراحه يوما بعد أخر، و مع ذلك يزداد المسؤول ترفا و قلة أهتمام في تحمل الواجبات، يخاف المواطن من ظله و يتحصن المسؤول في سيارات مصفحة محدودة الحركة بسبب غياب الواجبات، مقابل انفاق مفتوح و مكاسب شعبية غائبة، ليشكل العراق حالة فريدة من نوعها، حيث تخصص أموال الدولة لحماية المسؤولين ، بينما يقتل المواطن بدم بارد بسلاح الدولة و الميليشيات و تجار الحروب من ايران الى أمريكا و روسيا و الصين.
ماذا ينتظر المواطن من حكومة لا تقوى على حل مشاكلها، و من مجلس نواب يزحف على بطنه في النصاب و اتخاذ القرارات و من رجال دين حشروا أنفسهم بالسياسة ليفوزوا بملذات الدنيا و الأخرة، ما يبرر سبب تأخر المشورة و تغيب الفتوى، بينما الشعب في أمس الحاجة للتفريق بين الصحيح و نقيضه، بعد أن تداخلت عليه مستحيلات اللاحكمة.
عراق بلا ميزانية و لا استقرار و سقف مفتوح للعنف و التحديات المصيرية، و غياب مؤلم لفهم معنى القيادة الحقيقية، غير المرتبطة بتشكيلات حزبية أو توصيفات مذهبية، فالدول تخطط لمستقبلها لا تعيش على ماضيها مثلما هو حاصل في العراق، كما أن الادارة علم وفن يغوص في أعماقه العقلاء بحثا عن خارطة طريق مقبولة، بينما أضحى الاجتهاد الشخصي دستورا عراقيا و تصفية الحسابات الحزبية و الشخصية غرفا قانونيا الى أبعد الحدود، فالسلطة تحولت الى معول هدم لما يسمونه ” العراق الديمقراطي الجديد”، علما أن لا جديد في السلوك و لا تسامح في التعامل مع أبناء الوطن.
لقد دخل العراق موسوعات اللامعقول في الدنيا، فلا يكاد يمر قرار الا بتوافق مدفوع الثمن من سيادة العراق و استقراره، ولا يتم الالتفات الى هموم المواطن الا من ثقب باب التخندق المذهبي و العرقي الذي يذبح الشعب ليل نهار، مثلما لم يلح في الأفق متغير جديد، لأن الجماعة يدفعون و يسرقون حتى بطاقة الناخب، و مع ذلك يتحدثون عن مخافة الله، مفارقة تقترب من الجريمة تلك التي تحول هموم الشعب الى مكاسب شخصية!!
لقد تجاوز الشطط الرسمي كل الحدود فاندثرت الاصلاحات بين ركام الخلافات و المزاجيات المعكرة، حيث يطل المسؤول منزعجا و حريصا على الشعب و الوطن، وهو في الخفاء يذبح الأثنين معا، و كأن الغالبية تحولت الى أصحاب عقود مؤقتة في المؤسستين التشريعية و التنفيذية، لذلك يتسابقون على المغانم و يتراخون حد الوهن أمام القرار الصحيح، بسبب كفاءات مهنية غير موجودة أصلا، بعد أن تحولت التزكية الحزبية و النفاق الشخصي الى كفاءة و مهنة و خبرة متراكمة في السيرة الذاتية للمرشحين.
صعب أن يعيش المرء بين فكي الصدمة و عبثية القرار الرسمي ، و يتحول الأمر الى كارثة عندما يجهل المسؤول كيف تدور عجلة الاقتصاد و الاستثمار و سبل احترام العلاقات الدولية، فكل فريق يضيع بين رمال الوعود و ينتظر الانجاز على التل، لذلك تتواصل المعارك في الانبار و يضيع الاستقرار في البصرة و ديالى و صلاح الدين، بينما تحول الخلاف النفطي الى حرب شخصية قومية بين العرب و الأكراد، و كأن عجلة الحياة تدور بالمقلوب لأن المشرفين عليها يكره بعضهم بعضا بسبب أسرار قديمة و عدم القدرة على قول الحقيقة بوضوح، فالادغام تحول بديلا عن الفصاحة و اللغو أصبح قاموسا للحكم بسبب جهل المسؤول لحدود اجتهاده و طبيعة صلاحياته، التي دمرت أكثر مما أصلحت أو عمرت، لذلك حان وقت اعادة أحياء عراقيتنا غير الطائفية!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]