تفحص الوجوه في قاعه الإنتظار للمسافرين المغادرين الى بغداد وجدها وجوها عراقيه جميله كلها حنين لأرض الوطن.
وكان الجميع يقف بإحترام في طوابير فحص الحقائب وفحص الجوازات وغيرها من الطوابير ..
وجد الجميع يحاول بحرص تنظيف ماخلّفه من نفايات بعد تناول وجبه سريعه في صاله الإنتظار..
ثم لاحظ ان الجميع حريصين على التحدث بصوت منخفض حفاظا على الذوق العام..
ثم دار بينه وبين عراقي اخر في نفس الصاله حوارا لطيفا عن الحريات والحياة الكريمه التي يجب ان يعيشها كل انسان على هذا الكوكب..
وبعد ان صعد الجميع الى الطائره وكانوا كلهم عراقيين وبعد سماع صوت الكابتن وهو يرحب بهم ثم يطلب منهم ازاله حزام الامان وبعد ان غادرت الطائره اجواء لندن.. تحولت الطائره وبقدره قادر.. الى …. كهوة عزاوي..
فقد تم خلع لباس المدنيه والتحضر واستبدلوه بلباس اخر لاعلاقة له باللباس الاول..
الاصوات تتعالى هنا وهناك.. واطفال يركضون وسط الحشد البشري المتكدس في الطائره على ارتفاع الاف الكيلومترات..
الكرزات خرجت من اكياسها لتخلف بقايا نفايات على المقاعد وارضيه الطائره..
الكليجه هي الأخرى وجدت نصيبها في الحضور القوي..
الحوارات اصبحت اكثر حده لدرجه انه لايمكن سماع صوت الكابتن او المضيفه عبر سماعه الطائره..
بعد بضعه ساعات هبطت الطائره على ارض بغداد الحبيبه..
وفي المطار اختفت كل معالم التحضر والمدنيه التي يتمتع بها العراقي..
فالطابور الذي احترمه في لندن ضربه في بغداد بألف طنبوري..
والنفايات التي كان يحرص على القائها في لندن في سلة المهملات اصبح مصيرها في مطار بغداد على الأرض والكراسي وكل مكان..
الحوار الهادئ في لندن تحول الى عراك وسوء فهم من اول كلمتين تم النطق بهما..
في لندن واوروبا وامريكا يتعايش العراقي مع الغير بكل سلاسه وحب واحترام.. يتعايش مع البوذي والسيخي والهندوسي واليهودي ومع عبده النار ومع الملحدين وحتى كفار قريش دون اي مشكله..ويبتسم في وجه الموظفه الهنديه الهندوسيه او السيخيه التي تفحص جواز سفره في ابتسامه عريضه من الاذن للأذن.. فهو انسان متحضر مدني يؤمن بحق الآخرين في اختيار المعتقد..ولا يهمه من الإنسان الا كونه انسان فقط..كما ان العراقي يؤمن في الغرب بحق اخيه العراقي من المكون الآخر في كل شيئ.. فهو كما تقدم انسان متحضر مدني ..
ولكن ياسبحان الله .. بعد ان يطأ العراقي ارض الوطن تختفي كل تلك الصفات في التحضر والمدنيه ليستبدلها بما هو مناقض لها.. فلم يعد الطابور سوى مكانا لأستعراض العضلات ..
ولم تعد النظافه الشخصيه سوى امرا لافائده منه.
ولم يعد احترام الآخر سوى فكره سخيفه..
ففي الغرب يمارس العراقي حق المشاركه في الإنتخابات البلديه والبرلمانيه خصوصا بعد حصوله على جنسيه البلد.. وتجده يحاول جاهدا ان ينتخب الاصلح بين المرشحين.
لايهمه اصل وفصل المرشح.. المهم كفائته وعمله وامانته ونزاهته..
ولكن في العراق الامر مختلف.. فلابد ان ينتخب نفس العراقي المتمدن المتحضر اشخاصا هم الابعد عن كل صفه حسنه.. والدليل السنوات الماضيه ومارافقها من احداث والتي لاتحتاج الى تفسير..
ياسبحان الله العراقي يناقش بكل هدوء في مكان عمله وفي الشارع في وسط لندن واوروبا وامريكا ويأتي بالأدله العقليه والمنطقيه في ابداء حجته..
الا انه نفس العراق المتمدن المتحضر يأتي في العراق فقط بالخرافات والغيبيات وماهو غير ملموس وغير واقعي ولامنطقي في حجته وحواره.
ثم يأتي نفس العراقي وياسبحان الله بحجج غريبه عجيبه في اقصاء اخيه العراقي الذي احترم رأيه ومعتقده في الغرب.. بل وينفي وجوده على ارض العراق وينسبه حتى الى جزر الواق واق رغم انه يعيش على ارض العراق هو واجداده منذ مئات او الاف السنين..
الا ان نفس العراقي المتحضر المتمدن يؤمن ان له الحق ولغيره في ان يكون انكليزيا او سويديا او امريكيا بعد بضعه سنوات على تلك الأرض الجديده حين يحصل على جنسيتها…فمئات او الاف السنين دليل غير كاف على عراقية العراقي.. اما بضعه سنوات في الغرب فكافيه لأعطاء حق المواطنه لأي انسان وفق حقوق الإنسان التي لايعترف بها العراقي المتحضر المتمدن داخل حدود العراق..
العراقي في الخارج يطالب بحقوقه في كل شيئ, ويؤمن ان من انتخبهم انما جائوا لخدمته وعليهم اتمام عملهم على اكمل وجه .. وان لم يرضوا بذلك فهناك طرقا عديده لمحاسبتهم ..
اما في العراق فإن العراقي المتحضر المتمدن يؤمن ان البرلماني او المسؤول الذي من عشيرته او قوميته او مذهبه هو كالملك مصون غير مسؤول.. وهو كالقرآن الكريم لايمسه الا المطهرون..
اما بعد ان مارس العراقي المتمدن في الغرب عراقيته في العراق في ممارسه حوار الطرشان واقصاء الآخر وعدم احترام الطابور وتمتعه في ان يكون انسانا غير متحضرا بالمره .. صعد الى الطائره مره اخرى لتحط به في لندن ليخلع ثوب التخلف ويرتدي ثوب المدنيه والتحضر ليمارس حياته بكل هدوء واحترام وتحضر..