كان الفلاح يزرع ارضه بطريقة بدائية ولديه ايمان قوي بربه ويمتلك فطرة سليمه بان هذا الزرع هو ملك الخالق وان الامطار وكل العوامل الطبيعية هي اقدار مكتوبه وارزاق يعيشها الانسان في حياته..
هناك اختلاف كبير بين زراعة الامس وزراعة اليوم لان الفلاح بالأمس كان يحرث الارض بوسائل بدائية وحتى بعد ان تطورت المكننة الزراعية كان الفلاح يبذل جهدا من التعب عندما يبدا بزراعة ارضه وكان المثل المعروف والشائع بين جميع الفلاحين (( للطير وما قسم الله))..
لم يكن يفكر أبداً بالأرباح ولم يفكر في يوم من الايام انه سوف يحصد لأنه يملك الايمان المطلق بان رزقه محدود وليس عليه سوى السعي والعمل. وكل مطلبه ومكسبه هو ما يسد حاجات عائلته من الحبوب سواء كان من محصول الحنطة الذي يقومون بتنظيف قسم منها لتكون خالية من الشوائب والذهاب بها على شكل دفعات الى اقرب ماكنة طحين حتى يؤمن لعائلته مادة الخبز او ما يصنعون منها من المشتقات الغذائية الأخرى مثل البرغل والجريش والحبية والرشدة والتي يقومون بعملها يدويا وفق طرق صناعية بسيطة…وكانت مكائن الطحين هذه لا تتوفر في كل قرية فيقومون بتعبئة الحبوب في اكياس اغلبها منسوج يدويا يسمى(( الخيشة)) ويحملونها على ظهور الحيوانات ويذهبون بها إلى اقرب ماكنة طحين.. كانت الزراعة في ذلك الوقت بدون اسمدة كيمياوية او اي مضاد حيوي اخر.. واضافة الى محصول الحنطة فان الفلاح يخزن ايضا كمية من حبوب الشعير يستخدمها اعلاف للماشية وخاصة في فصل الشتاء عندما تكون مناطق الرعي اصبحت خالية من اي نبات بري.. وكان لون حبوب الشعير اسود وجميعه من نوع واحد ولكن الحنطة فيها انواع عديدة واجودها في ذلك الزمان ((حنطة صابر بيگ او مكسي بيگ)) وبعدها دخلت نوعية اخرى جاءت عن طريق مساعدات الدولة تسمى(( إينيا))…
كانت الشوائب التي ترافق محصول الحنطة والشائعة هي بذور النبات البري الذي يسمى ((الكعوب)) وحبوبه تسمى(( السسي)) والذي انقرض بصورة شبه نهائية في عالم اليوم…
اما الفلاح في يومنا هذا او ما يسمى بالمزارع فقد اصبح شغله الشاغل قيمة الارباح التي يجنيها من هذه الزراعة اضافه الى قيامه بطلب الحصول على قروض زراعية ربوية وهذا بحد ذاته ما يذهب البركة من محصوله واختلفت ايضا وسائل الحراثة الحديثة (( فالخرماشة)) لم يعد لها حاجة والطاشوش اصبح هناك بديل عنه آلة البذارة والوزن للمحصول اصبح بالكيلو غرام والطن بعد ان كان(( بالوزنة والتقار.)).. واصبح النساء في البيوت لا يعنيهن نوع الحنطة فالجميع يخبز من طحين الوجبة الغذائية التي توزعها لهم الدولة واختفت حبوب الشعير مع اختفاء المواشي من الاغنام والماعز والابقار.. وتغير الفلاح من ((كادود)) لزرعه الى تاجر حبوب..
ان الواقع الزراعي في العراق اليوم يرثى لحاله فالزراعة اليوم بحاجة ماسة للاهتمام بها والقروض الزراعية يجب ان تكون بدون فوائد وتعطى للمستحقين فقط وبدون شروط تعجيزية..
وسبحان مغير الاحوال فنبتة الكعوب التي كانت تضر المحاصيل الزراعية اصبحت حبوبها من السسي اغلى شيء موجود في عالم بيع الچرزات ويباع الطن الواحد منه بملايين الدنانير… وهكذا هي حال الدنيا فالفلاح اصبح مزارع وتاجر والسسي اصبح مفردة من مفردات عالم المكسرات الغذائية الضرورية..