خاص: إعداد – سماح عادل
نبحث اليوم عن علاقة الماسونية بالفكر التنويري وما يعرف بالمتنورين
المتنورون..
ويطلق عليهم في اللاتينية اسم (Illuminati) (إلوميناتي) ومفردها “illuminatus” إلوميناتوس، هم جمعية سرية تأسست في 1 مايو 1776 فيما يسمى آنذاك (عصر التنوير). و«المتنورون» اسم يشير إلى عدة مجموعات، سواء التاريخية منها أو الحديثة، سواء كانت حقيقية أو وهمية، فمن الناحية التاريخية فإنه يشير تحديدًا إلى فرقة المتنورين في مدينة إنغولشتات بولاية بافاريا في ألمانيا، وأما في العصور الحديثة فالمتنورين أو إلوميناتي أصبحت كلمة تستخدم للإشارة إلى التآمر أو (تنظيم المؤامرة المزعومة).
تأثرت هذه المنظمة الراديكالية بفلسفة التنوير والعقل وناضلت من أجل حرية التعبير ضد التسلط والتحيز. وكان الهدف الرئيسي سيادة الشعب وإقامة مجتمع عقلاني من خلال التنوير وحسن الأخلاق. ويقال أن عددهم كان حوالي 2000 عضو. لقد تم حظر المتنورين بناءً على طلب من حكومة ولاية بافاريا، وكان الحظر الأول في عام 1784 عندما أُصدر حظر عام ضد كل المنظمات السرية، وفي عام 1785 كان الحظر صريحًا ضد منظمة المتنورين بالذات. وقد ضبطت السلطات البافارية كميات كبيرة من وثائق المنظمة وتم نشرها لاحقًا بمثابة تحذير. عندما تم حظر المتنورين في بافاريا هرب مُؤسّس مُنظّمة المُتنوّرين: آدم وايسهاوبت من البلاد، وقاد المنظمة بعد فراره يوهان كريستوف الذي توفي في عام 1793.
المؤامرة..
في عام 1797 و1798 نشر كتاب لليسوعي الفرنسي “أوغسطين بيرويل” تحت عنوان (مذكرات في تنوير تاريخ اليعقوبيون)، والاسكتلندي “جون روبنسون” الذي قام بنشر كتابه (الأدلة على وجود المؤامرة). كلا الكتابين يزعمان أن المتنورين منظمة موجودة وتعمل بسرية، مع ربطها ببعض الأحداث وبنظرية المؤامرة؛ ومن ضمن تلك الأحداث الثورة الفرنسية التي كانت جزءً من خطة المتنورين لتغيير العالم، واتهمت هذه الكتب المنظمة بالوقوف وراء الحرب العالمية الأولى والثانية، والثالثة، والرأسمالية، والشيوعية والقومية الاشتراكية، والصهيونية، والإيدز، إنشاء الأمم المتحدة، حرب فيتنام، وهجمات 11 سبتمبر وحروب أخرى كثيرة، وكذلك اغتيال جون كينيدي، وإنشاء منظمات سرية أخرى، ونشر الأمراض والفيروسات وما شابه ذلك.
أيضًا يقول ليوبولد إنها تقوم بدور وهمي «للقوة الدافعة وراء العرش»، والتي يزعمون إنها تعني السيطرة على شؤون العالم من خلال الحكومات والشركات، وكل تنوير في نظر المؤسسات الدينية هو تآمر على الله، مع أن التنوير هو تجسيد للحداثة التي بدأت واستمرت مع المتنورين في ولاية بافاريا. يأتي في هذا السياق القول كثيرًا بأن المتنورين هم وراء صناعة وبناء (النظام العالمي الجديد) (New World Order)، الكثيرون يعتقدون بأن المتنورين هم العقول المدبرة وراء الأحداث التي كان من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء مثل هذا النظام العالمي الجديد.
أطلق على المتنورين عدة أسماء منها “Perfectibilists” و (منظمة الفرسان المتنورين) و(متنوري بافاريا). وفي الفترة التي سمح لهم بالعمل انضم إليها الكثير من المثقفين والسياسيين والدوقات، بما في ذلك “فرديناند من برونزويك” والدبلوماسي “كزافييه فون”، والبارون “أدولف فرانز” الذي كان أيضًا الرجل الثاني في المنظمة. يؤمن المتنورون بوجوب الولاء والطاعة لرؤسائهم، وقد كانوا مقسمين إلى ثلاث فئات رئيسية، وكل فئة تضم درجات. وكان لهذه المنظمة فروعًا في معظم بلدان القارة الأوروبية. وقد أغرى فكر المتنورين الكثير من الأدباء مثل: يوهان فولفغانغ فون غوته، ويوهان غوتفريد هيردر، وهناك الكثير من الكتاب أمثال مارك إلنرد، ديفيد آيك، رايان بيرك، لينا مورغان.
سلطة الكاثوليكية..
ولد وايسهاوبت في إنغولشتات في بافاريا، التي كانت المقر الام لليسوعيون. وقد تم إلغاء (جمعية يسوع) في عام 1773، إلا أن عقيدة اليسوعيين كانت لا تزال على قيد الحياة في بافاريا كونها كانت معقل الكاثوليكية.
تأسست الجامعة عام 1472 في إنغولشتات، وقد كانت هيئة أعضاء تدريس الفلسفة واللاهوت تدار من قبل الكلية اليسوعية في الجامعة في 1549، واستمرت على هذا الوضع لأكثر من 200 سنة. وبعد 1773 استمر اليسوعيون في ممارسة السلطة في الجامعة وفي بقية مدارس بافاريا. وقد تم تأسيس معظم الكليات لتكون تحت سيطرة اليسوعيون.
تم تحريم قراءة الأدب والأفكار البروتستانتية وبعض المؤلفات العلمية المتأثرة بالتنوير. وفي منتصف القرن السابع عشر تم فرض الرقابة على كل ما يصطدم مع العقيدة الكنسية من أفكار التنوير.
قام الطلاب بنقل الأفكار المعاصرة العقلانية والعلمية من خلال تواصلهم مع زوار الجامعة، إلا أن هذه الاتصالات في ولاية بافاريا ولدت الشعور بالنقص، لأن الطلاب كانوا يشعرون بالإهانة بسبب الرقابة الكنسية. وكانت النتيجة شعور عام بالانتماء إلى طبقة دنيئة داخل الحياة الفكرية الأوروبية.
وقد أعلن الزوار أن هناك 28000 من الكنائس في المدينة، واعتبر ذلك مبالغة على الرغم من أن اليسوعيون كان لهم تأثيرًا كبيرًا. وقد قيل أن الأوروغواي كانت المكان الوحيد الذي كان لليسوعيون تأثيرًا اجتماعيًا واضحًا فيه أكثر من بافاريا.
في جامعة إنغولشتات نظر مجموعة من الأكاديميين بازدراء إلى النهج اليسوعي للجامعة، وقالوا أن المسيحية مبتذلة، وأنهم في الواقع لا يريدون تدمير المسيحية ولكن يعتقدون أن ولاية بافاريا وحياة سكانها البسيطة يجعلها فريسة سهلة للمحتالين عديمي الضمير، وعلاوة على ذلك، أصروا على أن تدريس اليسوعية أعطى حرية التلاعب للمحتالين.
في 1745 كان ماكسيميليان جوزيف الرئيس الجديد. وباعتباره الأمين والمنسق قام بتعيين البارون يوهان آدم إكستيت الذي أعاد تنظيم التعليم الجامعي لكن مع المزيد من الليبرالية. وقام بإلغاء الرقابة المفروضة على قراءة الأدب وافكار البروتستانتية والأفكار العلمية التي كانت محرمة سابقًا، وأنشأ كليات جديدة مثل كلية القانون وكلية الاقتصاد السياسي. وقد كان من بين الطلاب جورج وايسهاوبت، الذي أصبح أستاذ القانون في الجامعة.
لقد قام البارون يوهان بتحرير التعليم، وإلغاء الرقابة الكنسية، وكانت لديه رؤية لتحويل الجامعة إلى مدرسة مرموقة لتكون منارة للتعليم في أوروبا في دراسة السياسة والقانون والاقتصاد. وأصبحت سمعة الجامعة تعني الكثير لطلاب الجامعات الأخرى، وكان الكثير من الطلاب يرغب في الالتحاق بكليات بافاريا. ولأن ماكسيميليان جوزيف لم يكن مستعدا لكسر الإيمان الكاثوليكي قام بإعادة هيكل السلطة الدينية داخل النظام المدرسي قبل وفاته في العام 1777. وتقديراً لعصر التنوير تم تأسيس أكاديمية ميونيخ في عام 1759.
تأسيس منظمة المتنورين..
تأسست منظمة المتنورين في 1 مايو 1776 على يد (آدم وايسهاوبت) الذي ولد في 1738 وتوفي في 1830, وهو أستاذ القانون الكنسي والفلسفة العملية في جامعة إنغولشتات في (بافاريا العليا) عند حظره لحركة المسيحيين اليسوعيين، وقد أسس منظمة المتنورين على أنها منظمة تعنى بتحسين مهارات التفكير والتعلم وذلك وفق نظريات وأفكار معينه مبنية على الحكمة وحرية التفكير و (تنوير العقل) بنقله من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. وقد كانت الحركة في بدايتها تتألف من المفكرين الأحرار وهم الامتداد الطبيعي لحركة التنوير التي سادت في بافاريا، ولقد كان للمتنورين دور رئيسي في أحداث الثورة الفرنسية كما كان لبعض الفلاسفة والماسونية الحرة.
قام آدم وايسهاوبت باختيار (بومة منيرفا) كرمز للمتنورين، وهي آلهة الحكمة لدى الرومان. ثم قام بإنشاء محفل الشرق العظيم Lodge of the Grand Orient، وهي محافل ذات طابع ماسوني، لتكون مقر قيادة المنظمة، وبما أن اليسوعيين ذوي نفوذ آنذاك، استغل وايسهاوبت ذلك النفوذ كونه قسًا فقام بحظر حركة المسيحيين اليسوعيين لإنشاء منظمته وأيضا بسبب حماسه الشديد لأفكار عصر التنوير. وبالرغم من أنه كان قساً، إلا أنه ارتد عن المسيحية.
ألقى آدم وايسهاوبت خطابًا على المتنورين الجدد وقال فيه:
«كل من يريد أن يقدم الحرية العالمية بنشر الوعي العام: ولكن ليس مجرد كلمة وعي، إنها نظرية المعرفة المجردة والتأمل، والمعرفة النظرية، وتفجير طاقة العقل، ولكن لا شيء لإصلاح القلب”. –خطاب آدم وايسهاوبت لتوجيه المتنورين الجدد.(1782)»
الفكر التنويري..
لقد تمت صياغة أفكار المتنورين بواسطة وايسهاوبت. وقد تم توثيق هذه الإيديولوجية في كتب وايسهاوبت التي ظهرت بعد إلغاء شرعية المنظمة، وكذلك الوثائق الداخلية التي أتيح للجمهور الاطلاع عليها من قبل حكومة ولاية بافاريا. وتتميز الوثائق انها تظهر حقيقة أن المنظمة متطورة ومتقدمة أكثر من أي وقت سابق، وليست مجرد عرض منهجي للفكر.
نظم وايسهاوبت ترتيب هرمي مع استخدام مكثف للرموز. واطلق اسم (اريوبغيتر) “Areopagitter” على كل عضو من أعضاء إدارة المنظمة ويتم اختيار أعضاء الإدارة بواسطة وايسهاوبت. أعضاء الإدارة هم فقط الذين يعرفون من هو قائد المنظمة (وايسهاوبت)، وهم الذين يمكنهم الاطلاع على أنظمة وأسرار المنظمة كاملةً. اسم الإدارة Areopagittenes مأخوذ من حضارات قديمة مثل اليونان القديمة وروما ومصر والصين. وكان لدى وايسهاوبت اسمًا مستعارًا للإدارة وهو «سبارتاكوس» “Spartacus”. باستثناء الاسم الرسمي فرانز زواك «الدانوب» “The Danube”. لم يكن هناك أعضاء من طبقات المجتمع العليا في إدارة المنظمة حتى عام 1780.
العلاقة مع الماسونية..
كان وايسهاوبت في البداية يعتبر الماسونية مجرد نادي يمارس فيه القليل من الطقوس الفكرية. بالإضافة إلى ذلك، أن الأعضاء في كثير من الأحيان لم يكن بينهم أشخاص سياسيين وكانت بعيدة عن السياسة. بدأ وايسهاوبت في نهاية المطاف بتغيير آرائه بعد اقتناعه باقتراحات «فرانز زواك» الذي بدوره اقترح تحالف منظمة المتنورين والماسونية. وقد اقنع فرانز وايسهاوبت بأن المحافل الماسونية تعتبر مكانًا جيدًا لتجنيد أعضاء جدد، ومن ثم جعل (المتنورين) أصحاب الدرجات العالية. يقصد فرانز (السيطرة على قيادات الماسونية ليكون المتنورين هم قيادات الماسونية العليا وبالتالي يكون الملتحقون الجدد بالنوادي الماسونية قد التحقوا بالمتنورين تحت اسم الماسونية، لكن تبقى درجات المتنورين هي الأعلى وهي المتحكمة في كامل النظام، دون أن يعلم الجدد أي شيء عن درجات المتنورين حتى يصل إلى درجة عالية في الماسونية، وقد يتأهل بعدها ليكون من المتنورين بحسب مكانته واخلاصه).
في عام 1777 أصبح وايسهاوبت عضوا في محفل “Theodor zum boy Rath” في ميونيخ. وقد كان يعرف هذا المحفل بتقيده الصارم بالأنظمة وقد كان التقيد الصارم هو الاتجاه السائد في الماسونية الألمانية بشكل عام. تأسس المحفل على يد الماركيز فون كونستانزا في عام 1773. وفي رسالة غير مؤرخة، كتبها وايسهاوبت قبل 12 فبراير 1777, كتب فيها ما يلي: «سأذهب إلى ميونيخ قبل الكرنفال، وسنلتقي في اوردن فريمورير الشهير (F ∴ ∴ M).. عملنا يسير بطريقة جيدة، (ولقد تعلمنا كيفية بناء علاقات جديدة (وبسرية) وسوف نقوم بذلك لنصبح (أقوى من الآخرين)». وفي منتصف 1779 كان المحفل قد أصبح تحت هيمنة أعضاء المنظمة، وأصبح من الناحية العملية جزءً من المتنورين.
قبل عام 1780 لم يكن هناك إقبال على الالتحاق بالمنظمة، وبسبب قلة تجنيد أعضاء جدد قام بعض أعضاء إدارة المنظمة باتهام وايسهاوبت بالسيطرة المطلقة والاستبدادية. في تموز 1780، البارون أدولف فون فرانز، وهو مؤلف معروف في الحياة الفكرية الألمانية، أصبح عضوًا في المنظمة. وقد كان مهتمًا بالجمعيات السرية، كان غامضًا وذو تقاليد سرية غير معروفة إلا لفئات قليلة، جعلت منه عضوًا في العديد من المحافل الماسونية وجمعيات سرية أخرى قبل أن ينضم إلى المتنورين. وبالتالي بعد انضمامه إلى المنظمة تشكل لدى المتنورين شبكة واسعة من الاتصالات بالمحافل الماسونية والمجتمعات الفكرية في جميع أنحاء ألمانيا. وقد كان ماهرًا في التنظيم والإدارة، لذلك بادر في طلب الإدارة من وايسهاوبت وبدأ بعدها في تجنيد أعداد كبيرة، وقام بتحويل المتنورين إلى (أعلى درجات) داخل الماسونية. وقد قام أدولف فرانز بإخماد الصراعات الداخلية في إدارة المنظمة من خلال إجراء تعديلات على الهيكل التنظيمي. بعدها لم يعد وايسهاوبت الحاكم الوحيد للمنظمة، وتمت إعادة توزيع الإدارة بين أعضاء المنظمة، وتم استخدام لقب جديد وهو «محافظ».