في هذه الأيام التي يحيي فيها الحزب الشيوعي العراقي ومعه كل القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية والعلمانية واليسارية الذكرى الثمانين لتأسيسه ، من الأهمية والضرورة الحديث والتأكيد على دوره النضالي والثقافي والتعبوي في معارك الكفاح ، السياسية والعمالية والطبقية ، التي تخوضها الجماهير الشعبية العراقية الكادحة والمسحوقة في الظروف الصعبة والقاسية ، دفاعاً عن حقوقها ومصالحها ومطالبها العادلة ، وفي سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، والتوقف مع صحافته الثورية “طريق الشعب ” و”الثقافة الجديدة” ، التي أدت وما زالت تؤدي دوراً ثقافياً وفكرياً وسياسياً نوعياٌ هاماً في تعبئة الناس وجماهير الشعب وحمل همومها والدفاع عنها ، ورفع راية التغيير والإصلاح وتأصيل أفكار التحرر والتقدم والتنوير .
فـ “طريق الشعب” الباقية وصاحبة التاريخ العريق انطلقت وبدأت بالصدور في ظروف بالغة حين كان النضال سرياً وبالغ الثمن ، وليس مثل أيامنا هذه ، وكان اسمها في البداية “نضال الشعب” . ولأنها نفعت الناس مكثت في الأرض ، ولا تزال تواصل الصدور ، رغم الإمكانيات المتواضعة وشح الموارد المالية ، وتؤدي رسالتها ودورها التنويري والتحريضي التعبوي في تعميق وحدة الشعب العراقي بكل مركباته وفئاته ، وفي مواجهة الفتن الطائفية والمذهبية والإرهاب التكفيري والتحديات السياسية الراهنة ، والتصدي لمشاريع التقسيم والتجزئة في المنطقة ، والدفاع عن مستقبل شعب العراق وخلاصه من موبقات ومخلفات الاحتلال الأمريكي .
أما مجلة “الثقافة الجديدة” فهي أعرق مجلة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر ، وظلت حاملة مشعل التنوير العلمي والثقافي ، وقد أطفأت شمعتها الستين في أواخر العام المنصرم . إنها إشعاع تنويري وشعلة متوقدة للفكر التأصيلي التقدمي وللثقافة الجديدة ، ثقافة العقلانية والالتزام والتقدم والتغيير والثورة على القديم . وخلال دربها الشاق الطويل واجهت الكثير من المصاعب والعراقيل والاغلاقات المتعددة والاحتجاب القسري ، نتيجة القمع الثقافي والفكري الذي عانت منه العراق ، وقلة الدعم المالي والاقتصادي .
تعرفت على مجلة “الثقافة الجديدة” قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيف من خلال صحافة الحزب الشيوعي في إسرائيل (الاتحاد ، الجديد ، الغد) ، حيث كانت تعيد نشر بعضاً من مقالاتها على صفحاتها ، مع الإشارة إلى ذلك ، و كانت تستعرض بعض أعدادها في زاوية “إصدارات” ، التي كانت تصل إلى أيدي هيئة تحريرها عن طريق رفاق الحزب الشيوعي العراقي ، الذين كانوا يدرسون في جامعات الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية سابقاً . وكم كانت نشوتي وفرحتي عظيمة عندما نجحت وتمكنت من الحصول على بعض أعدادها من احد الرفاق الذي كان يتلقى العلم في جامعة كييف ، بعد ان عاد على أرض الوطن .
صدرت “الثقافة الجديدة ” في مرحلة استثنائية حساسة من تاريخ العراق ، كان فيها الوعي والصراع الفكري والسياسي والوطني مشتعلاً ومتصاعداً ، فحملت صفة المنبر الثقافي التأسيسي لكتاب اليسار العراقي والنخب المثقفة الواعية والأقلام الملتزمة الرصينة ، وشكلت ظاهرة ثقافية وفكرية مستنيرة متجددة ومتفاعلة مع العالم ، عبر تبنيها الفكر العلمي والثقافة التقدمية الجماهيرية ، ونشر الأدب الإبداعي الملتصق بقضايا الشعب والناس والمعبر عن نبض الشارع ، والمرتبط بحركة الحياة وأحلام الفقراء وتطلعات جمهور العمال والكادحين والمسحوقين .
وكدورية تنويرية حافظت “الثقافة الجديدة” على هويتها الفكرية وصانت شعارها الدائم “فكر علمي ، ثقافة تقدمية” ، وأدت دوراً تنويرياً بارزاً في نشر الفكر التقدمي الحر ، بما تضمنته من دراسات وبحوث ونصوص أدبية راقية ومتابعات نقدية ومعالجات علمية أصيلة . وكانت بيتاً دافئاً احتضن الأقلام العراقية ، التي أخذت على عاتقها نشر الكلمات المضيئة وتحدي قهر الحاكم ، والظلمات الحالكة المسافرة مع رياح الماضي القاتم . وبقيت طوال الوقت منبراً حراً من منابر الحوار والسجال الحضاري الهادف والبنّاء بين ثقافات الشعوب وبين الكتاب والمثقفين والمفكرين والمبدعين العراقيين ، وذلك بطرح محاور جدية وحيوية لديمومة وصيرورة الثقافة الإنسانية والديمقراطية التقدمية والمدنية العراقية والعربية .
إن “الثقافة الجديدة ” هي عصب ووريد حيوي ، وشريان رئيسي ومركزي في جسد الحياة الثقافية والفكرية في العراق بلاد الرافدين ، والمجتمع العراقي بحاجة ماسة لهذا الصوت المبشر بالغد المشرق ، والمدافع عن قيم ومثل الديمقراطية والإنسانية ، ولهذا المنبر المنفتح الذي ينشر ثقافة التسامح والحوار ، ويركز على مدنية المجتمع وحقوق العاملين وحقوق المرأة ومساواتها ، وضمان مشاركة كل المكونات المجتمعية في بلورة القرار السياسي .
غني عن القول في النهاية ، أن “الثقافة الجديدة” هي أحد الروافد والمنابر المهمة لتعميق وتأصيل الفكر الديمقراطي التقدمي الواعي ، ولها إسهام وشأن كبير في حركة التنوير والتثوير والتعبئة الجماهيرية ، وفي إذكاء الوعي السياسي والأيديولوجي والثقافي والاجتماعي ، والدفاع عن القيم الإبداعية الجمالية التي ترتقي بوعي الإنسان العراقي وذوقه الجمالي وحسه الفني .
فألف قبلة على جبين “الثقافة الجديدة ” في عامها المتجدد ، وتحية للعاملين والقائمين عليها ، وتحية فلسطينية صميمية لـ “طريق الشعب” ، مع التهنئة الصادقة للحزب الشيوعي العراقي بذكراه الثمانين ، وكل التقدير والإجلال لأعضائه الأحرار الميامين ، وتمنياتي ببقاء هذه الصحافة الثورية الإشعاعية واستمرارها على طريق الحرية والمستقبل . وقدما نحو تحقيق الانتصار على قوى الشر والبغي والعدوان ، والخلاص من قيود القهر والظلم والاستبداد والاضطهاد والاستقلال .