26 نوفمبر، 2024 5:49 م
Search
Close this search box.

ماذا وراء إنسحاب السيد مقتدى الصدر؟

ماذا وراء إنسحاب السيد مقتدى الصدر؟

كان في جدول أعمالي، مشروع مقال بعنوان: ” الربت على الأكتاف والدفرات أدوات حماية وتطوير الديمقراطية في العراق”.

فحوى المقال أن البناء الديمقراطي فرض نفسه وتعزز ببطئ وسط مقاومة متنوعة الأشكال ومواقع الإنطلاق وأخطرها من يدعي الإنتماء إلى الديمقراطية ذاتها.  لكن مقاومة الديمقراطية تتهاوى يوماً بعد يوم إذ يقع أصحابها صرعى مناكفة التأريخ واحداً بعد الآخر فهم يسبحون عكس تيار الحياة.

في هذه الأثناء قرأت نبأ إنسحاب السيد مقتدى الصدر من العمل السياسي وتخليه عن التيار الصدري تماماً.

إعتبرتُ الموضوعين مرتبطين مع بعضهما البعض ولا بد من تناولهما تحت عنوان آخر وهو عنوان هذا المقال. إعتبرت أن تبرّؤ السيد مقتدى جعل مَنْ كان السيد يأتمنهم ويستمد منهم أخبار البلاد والعباد ويستمع إلى تقييماتهم ونصحهم – جعلهم صرعى عدم إستقامتهم وعدم أمانتهم وتدني مستوياتهم الفكرية والسياسية والأخلاقية.

من هذا سأتناول الموضوع بشقين:

أولاً: كيف تم تثبيت وتطوير الديمقراطية العراقية؟

ثانياً: لماذا أقدم السيد مقتدى على ما أقدم عليه؟

أولاً: كيف تم تثبيت وتطوير الديمقراطية العراقية؟

هناك حقيقة معروفة في جميع مناحي الحياة وهي أن بعض الناس، كأفراد وكجماعات ومجتمعات، من يتعلم بالطريق السهل، وهناك من يتعلم بالطريق الصعب المحفوف، بحكم الضرورة، بالصعاب والمخاطر والإخفاقات والخسائر كبرت أو صغرت. أصحاب الطريق الصعب، بالطبع، لا يعتبرون بالتجارب ويتعصبون ويكابرون فيكررون الأخطاء ويرتكبون الحماقات ويؤدي سلوكهم إلى تكبيدهم وتكبيد غيرهم خسائر متنوعة يقف ضياع الوقت على رأسها ناهيك عن خسائر مادية ومعنوية فادحة قد تمتد إلى المصلحة الوطنية العليا.

يقع الشعب العراقي، بتقديري، ضمن الفصيل الثاني أي يتعلم بالطريق الصعب.

بعد كل المآسي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي، كان بالإمكان، بعد 2003، الإقتداء بالممارسة العالمية للديمقراطية السائدة وتطبيقها بروح عالية من التعاون والواقعية لبناء مجتمع ديمقراطي متوازن يكون فيه الشعب حكماً وفيصلاً لفض الإختلافات والنزاعات عبر صناديق الإقتراع وبذلك يأخذ كل ذي حق حقه.

لكن هناك من سلك الطريق الأصعب. أراد إعادة عجلة التأريخ إلى الوراء ليعيد إلى العراقيين نظام حكم طغموي(1) لو إنطبقت السماء على الأرض لما قبلوا بعودته ثانية بعد أن شاءت الأقدار وحماقة النظام البعثي الطغموي، وليس حسن تدبير العراقيين، تخليصَهم منه. حتى هذا الرفض للنظام الطغموي، من جانب الأغلبية، جاء نتيجة تراكم خبرات مريرة أثناء مسيرتهم في طريق صعب مكلف جداً جداً.

لو كان أصحاب هذا المسعى لإعادة العجلة إلى الوراء من الصنف الأول، اي الذين يتعلمون بالطريق السهل، لقلِّبوا الأمور ووزنوها جيداً قبل الإقدام على سلوك الطريق الذي سلكوه فعلاً بعد سقوط نظامهم الطغموي، ولسلكوا طريق الإمتثال للمقتضيات الديمقرطية  وأراحوا مجتمعهم وأراحوا أنفسهم.

ما حصل أنهم مارسوا، وما يزالون، أساليب ملتوية وصعبة آذت المجتمع أيما أذىً. مارسوا فرض المحاصصة والتأجيج الطائفي والعنصرية والمقاطعة والفساد والعرقلة والطعن والإتهامات والتسقيط والتخريب والتزوير وشل يد الحكومة والتستر على / والتورط في الإرهاب وحرمان العراق من بيئاته السليمة التشريعية والسياسية والأمنية والتنموية وغيرها وتآمروا مع المحتل ومع شركات النفط الإحتكارية ومع النظم المرتعبة من الديمقراطية العراقية، للتصدي لعدوهم المشترك وهو الحكومة التي إنتخبها الشعب إنتخاباً حراً ديمقراطياً أقضت مضاجعهم.

بطبيعة الحال لم يقف الطرف الآخر مكتوف الأيدي، وهو الذي حمّله الشعب والدستور المسؤولية. سار نحو الأمام شاقاً طريقه عبر مسالك شائكة ومفخخة يقف الموت بين خطوة وأخرى يحصد أرواح عشرات الألاف من الأبرياء، وهو صابر لا ينتقم إلا وفق الدستور قدر المستطاع، وكان عليه أن يناور دون أن يفقد بوصلته رغم تشويش  الفاشلين؛ حتى إتهمه خصومه، جرياً على ديدنهم الخسيس، بأنه ينتفع من سفك الدماء وبعضهم قال إنه يدبر الموت لتخويف الناس فتحتمي به.

لم يبرحوا الطريق الصعب رغم تساقط بعضهم وتساقطت تنظيماتهم وكتلهم على جانبي الطريق، واحداً بعد الآخر، صرعى مجابهة الحياة التي هي أنزه وأقوى وأدهى وألعن من كل محتل وطغموي وطائفي وعنصري وفاسد وفاشل مهما كثر جنده وثقل جيبه وطال لسانه وإمتد أجله: عدنان الدليمي، أياد علاوي، طارق الهاشمي، رافع العيساوي، ظافر العاني، سلمان الجميلي، أحمد العلواني، حيدر الملا  وغيرهم. واليوم تنبذ الجماهير في الأنبار أسامة النجيفي وصالح المطلك وينقلب الحلفاء الأمريكيون على الرفاق “الثوار” الذين تقودهم “داعش” لأن داعش وأخواتها في سوريا والعراق أصبحت خطراً على الداخل الأمريكي حسب تحذيرات وزير الأمن القومي ووكالة الإستخبارات المركزية للإدارة الأمريكية. وهكذا يكسِّر الزجاج بعضه بعضاً وهذا هو منطق الحياة.    

يتقدم الوضع في العراق، ويتعزز موقع الديمقراطية في المجتمع رويداً رويداً ولكن بشق الأنفس، عكس ما يبدو ظاهراً من تدهور للأوضاع العامة. ولكن التطور النسبي سلك نهجاً يدعو إلى الضحك والسخرية.

 كان على إئتلاف دولة القانون وزعيمه أن يناورا ويبتدعا الصيغ المناسبة للتعامل مع تلك الحيتان المميتة التي “تتغدى معك وتتعشى مع الإرهاب” على حد قول الرئيس جلال الطالباني أطال الله عمره وعافاه؛ والتي تتفوه أمامك بأًنعم الكلام وأرقهً وتذهب للتأجيج والتأليب من وراء ظهرك، حسبما لاحظ عن بعض السياسيين العراقيين الخبير في شؤون الشرق الأوسط الأمريكي السيد مايكل روبن (فضائية الحرة –عراق بتأريخ 30/10/2013).

فراح إئتلاف دولة القانون وزعيمه، مكرَهاً،  يربتُ على كتف خصمه ريثما يتثبت من الأرضية التي يقف عليها، وريثما يحصن المكاسب التي إنتزعها إنتزاعاً لصالح الشعب وديمقراطيته، ومن ثم يرفس “شريكه” وخصمه في العملية السياسية نحو الأمام (أي يسدد له دفرة نحو الأمام بالتعبير العراقي) لينقله قسراً إلى مواقع أكثر تقدماً ونفعاً للشعب وديمقراطيته، ثم يعود للربت على الكتف….. وهكذا دواليك.

ثانياً: لماذا أقدم السيد مقتدى على ما أقدم عليه؟

لم تقتصر الحيتان المميتة على الطغمويين بل شملت بعض قيادات التيار الصدري الذين نقرأ ونسمع تصريحاتهم كالنواب بهاء الأعرجي وحاكم الزاملي وجواد الشهيلي وأمير الكناني ومها الدوري. هؤلاء وأمثالهم في التيار الصدري، داخل وخارج مجلس النواب، سقطوا صرعى إفتعالهم المناكفات والإنجرار وراء الطغمويين لتعطيل مسيرة البناء بهدف التسقيط والإنتفاع من وراءه. أذكر في هذا الصدد معارضتهم لقانون البنى التحتية ومحاولة منع الحكومة من المضي في إعلان جولات التراخيص النفطية ومحاولة سحب الثقة من رئيس الوزراء وإتهام السيد نوري المالكي بالطائفية عن غير وجه حق.

 أعتقد أن مسألة الغش والخداع الذي مارسه بعض قياديي التيار الصدري في مسألة التصويت على الفقرة (38) من قانون التقاعد الموحد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. ولم تكن هي الأساسية والحاسمة في قرار السيد مقتدى.

تركز  دور هذه المسألة في أن السيد مقتدى قد أحسّ بأن هؤلاء الذين وضع ثقته بهم وبأمانتهم هم ليسوا موضع ثقة ولا يتصفون بالصدق والأمانة. وهنا، بتقديري، راجع السيد مقتدى مجمل مسيرته في قيادة التيار وراجع المواقف التي إتخذها والتصريحات التي أطلقها فوجد نفسه أنه كان مخدوعاً، وتحت تأثير هذا الخداع إقترف أخطاء فادحة أضرت بالشعب العراقي ووفرت للمخطئ الطغموي والمجرم الإرهابي والفاشل والطائفي والمتصيد بالماء العكر القناعة بصحة مواقفهم المعوجة. بتقديري، إن السيد قد إنتفض من الأعماق لهول ما ترتب على مواقفه ومواقف تياره من أخطاء أطالت معاناة العراقيين وسفك دمائهم، وهو، أي السيد، طيب القلب والأخلاق والأعراق ولكنه شاب قليل الخبرة فإعتمد على رفاقه ووثق بهم وللأسف لم يكونوا أهلاً لتلك الثقة فإنتفض إنتفاضة لا رجعة فيها كما أتوقع.

ليس على السيد مقتدى أن يذهب بعيداً، فلو ألقى نظرة سريعة على من آذاه إعتزاله، لوجدهم سياسيين يعرف جيداً أنهم غير حريصين على الشعب والوطن والمواطنة والديمقراطية بل إنهم مخربون متآمرون متناغمون مع الإرهاب والإرهابيين. على رأس هؤلاء كانت قيادة كتلة “متحدون” وأسامة النجيفي وأياد علاوي وحيدر الملا.

ربما كانت لدى السيد معلومات خطيرة عن بعض من وثق بهم حتى أتت قضية التصويت على قانون التقاعد الموحد لتثبت له صحة المعلومات وعززت شكوكه.

من أين أتت الثقة لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية عام 2008 لتعلن للبعثيين العراقيين الهاربين خارج العراق من أن “الشيعة قد إنشقوا إلى غير رجعة” فما عليكم إلا العودة ومواجهتهم في الإنتخابات القادمة في نهاية عام 2009  وتنزلون بهم الهزيمة حسب التقرير الذي نشرته صحيفة إسكندنافية في حينه وترجمته صحيفة “صوت العراق” الإلكترونية؟ 

لم يكن هذا من باب التحليل من جانب وكالة الإستخبارات بل كان من باب من يمتلك معلومات داخلية مؤكدة. ربما وضع السيد مقتدى اليد على مصدر الوكالة في داخل التيار الذي يقوده.

وربما فطن السيد مقتدى إلى مقالي التحليلي(2) الذي نشرته قبل سنتين تقريباً حول إحتمال تزوير إنتخابات 7/3/2010 لصالح الصدريين دون علمهم من أجل الإستفادة من مناكفاتهم المتوقعة مع إئتلاف دولة القانون. كتبتُ في نهاية المقال ما يلي:

[سادساً: إذا وضعنا كل هذه الأحداث أمامنا وسألنا أنفسنا السؤال التالي:

–        مع كل هذا الإدراك بما يحمله الصدريون من طاقة كامنة لمناكفة  إئتلاف دولة القانون ومحاولة سحب البساط من تحت أقدامه،

–        ومع توفر المبررات من وجهة نظر الأمريكيين والأمم المتحدة والسعوديين والطغمويين، وكانوا مصرين على تزوير الإنتخابات،

–        فلماذا نستبعد ألا يخطر ببالهم تزوير الإنتخابات بإتجاهين: لصالح إئتلاف العراقية والصدريين؟

خاتمـــــــة:

هذا ليس طعناً بالصدريين. لقد سبق وقلتُ إنهم لا علم لهم بالتزوير الذي جرى لصالحهم على أغلب الظن. إنه تنبيه لهم للتيقظ إلى ما حيك ويُحاك ليس لإئتلاف دولة القانون وحسب بل لجميع أطراف التحالف الوطني وبضمنهم الصدريون؛ فحذارِ حذارِ. ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي”  بمفرداته :  “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181   

(2): رابط المقال هو:

http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=107304

أحدث المقالات