يتكرر الحديث دوماً عن صراع الأجيال، بين هيمنة القديم وتمرد الجديد، والذي يحضر بشكل مؤثر في الساحات السياسية والاكاديمية والمجتمعية وحتى العائلية.
وينظر دوماَ لهذا الموضوع على أنه من عوامل تعويق التنمية، وتحديات النهضة المرجوة، وهناك بعض الصواب في ذلك دون شك، ولكن الذي اجده ان المسألة مرتبطة بشكل او بآخر بمنظورنا لها، ومدى تحقق التوازن ـ مع استحضار حسن الظن بتلك الدعوات دون شك ــ في التعامل معها، وبالشكل الذي ينميها ولا يجعلها حجرة عثرة بوجه الدول أو الكيانات او المجتمعات.
ان (انصاف) الجيل الجديد لا يعني على الإطلاق (محو) الجيل القديم أو احتكار الحياة والمستقبل له، فالتطور الذي تشهده البشرية دوماً وتتمتع به الاجيال اللاحقة لا ينفي مهمة وموضع الاجيال السابقة، ولا سيما وان الأخيرة هي التي تحملت مسؤولية البناء، وذلك التعاقب في الاجيال أمر فطري وسنة كونية أوجدها الله عز وجل ولا يمكن لأحد نكرانها او اغفالها.
وممارسة سلوك المحو المذكور والذي تمتلئ به على الدوام نفوس بعض أبناء الجيل الجديد ممزوجاً بالشموخ والزهو، فيه تكرار لخطيئة الإغفال والاهمال التي قد تمارس من قبل بعض أبناء الجيل القديم للمتغيرات على مستوى الفرد والمجتمع، مثلما انها تمثل حرمان طوعي من حكمة الشيوخ وتجاربهم الغنية في العمل والحكم وغيرها، مثلما ان في ذلك التوجه ظلم لكل الجهود التي بذلت سابقاً وكان فيها خير دون شك، وقتل لتلك الخبرات والسجل الضخم من المنجزات عن سابق إصرار وترصّد.
كما لا ننسى القول أن التقييم المطلوب لا يتعلق بجيل دون آخر، فالإزاحة الواجبة تكون للنموذج الفاشل والفاسد أياً كان جيله وعمره ومستواه.
ان الدول، والعلاقات العائلية والمجتمعية تدوم بالتكامل لا بالصراع، وشكل الحياة التي نعيش لن تتحقق بجيل جديد متسلح بتطور يصل حدوداً مخيفة، ولكنه يفتقر إلى الرؤية البعيدة والتأني والتدقيق والنظر إلى مآلات الأمور لا ظواهرها فقط، مثلما ان الحياة ستشيخ حتماً وتصل حدود الهرم ثم الموت السريري إذا بقيت النظريات والوسائل عتيقة يعلوها الغبار، وحركتها بطيئة ولا تسير إلا على عكازتين لتقاوم الموت والانهيار.