18 ديسمبر، 2024 10:17 م

الله في الشرق الاوسط -4-

الله في الشرق الاوسط -4-

لغاية يومنا هذا، ما تزال بعض المجتمعات الشرقية، لاسيما مجتمعات الشرق الأوسط التي تسود فيها ديانة واحدة، تربط مسألة وجود (الله) بموقف بعض الأفراد فيها من مسألة (الدين).

في عموم مجتمعات الشرق الأوسط يتم إجتماعياً إتهام الفرد فيها بكونه كافراً لا يؤمن بوجود الله حالما يُعلن ذلك الفرد بأنه يرى أنّ (الدين) هو إبتكار بشري حصِل نتيجة حاجة مجتمعات بدائية قبل آلاف السنين الى نظام إداري يُنظّم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية فيها بعد ظهور العملة المالية لأول مرة في التاريخ البشر، ويستند الإتهام المجتمعي لذلك الفرد وفقاً لإعتبار أنّ (الدين) هو مجموعة أحكام إلهية لا تَقبل المناقشة والتشكيك مُطْلقاً حتى لو كانت مجموعة الأحكام الدينية تلك لمْ تعُد تتناسب مع أسس الفهم الحديث لـ (العدل) و (حقوق الإنسان)، وهكذا فأن عموم أفراد معظم مجتعمات الشرق الأوسط ترى في عدم قناعة أيّ فرد فيها بالإحكام والقصص الخيالية الواردة في الكتب الدينية ما يدل على أنّ ذلك الفرد هو إنسان لا يعتقد بوجود الله، وأنه إنسان شاذ وقد يقوم بكل الأعمال والأخلاق السيئة مِن قتلٍ وسرقةٍ وكذبٍ وإعتداءٍ على الآخرين طالما هو لا يخاف من عقاب (الله) الذي لا يؤمن بوجوده!

عموم مجتمعات الشرق الأوسط ما تزال لا تتفهم إن العقل البشري ومنذ عشرات العقود إبتكر في مجتمعات شرقية عديدة وفي معظم المجتمعات الغربية أنظمة جديدة متتالية في تسمياتها وتنوّعها وتطوّرها لغرض إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وفقاً لقوانين لا صلة لها مطلقاً بمعتقد الإنسان حول الدين أو حول الله، حيث يَخضع جميع أفراد هذه المجتمعات الى مجموعة قوانين غير جامدة يتم تطويرها بإستمرار لكي تكون متناسبة مع المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية ومع الفهم المتطوّر للحرية والمساواة وحقوق الإنسان.

يرى أغلب المُثقفين في العالم أنّ سبب أستمرار ربط موضوع (الدين) بمسألة وجود (الله) في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط لغاية يومنا هذا يرجع الى بعض أو كل العوامل الآتية:

أولاً:

الرغبة الدائمة واللامحدودة لأغلب رجال الدين لزيادة نفوذهم وأموالهم القادمة من إدارة وتشغيل أماكن ومؤسسات العبادة، حيث غالباً ما يقوم الأغنياء الشرقيون بتسديد الأموال لدى تلك الموؤسسات الدينية بدافع من المصلحة الذاتية المشروعة لعقولهم البشرية بهدف الحصول على المزيد من الغِنى والصحة والتوفيق بعد تسديد المبالغ المالية التي تُقررها الأحكام الدينية الإلهية (حسب إعتقادهم)، وكذا يقوم الفقراء أيضاً بِتسديد الأموال والتبرعات في تلك الأماكن الدينية لكي يلتمسون من الله الرحمة بهم وتحسين أمورهم المالية والصحية والإجتماعية، في حين يدّعي رجال الدين قيامهم بتوزيع تلك الأموال المُتجمِعة لديهم على الفقراء والمحتاجين وعلى أدامة دُور وأماكن وموؤسسات العبادة.

يسعى أغلب رجال الدين في مجتمعات الشرق الأوسط الى إستغلال الحالة الطبيعية العامة السائدة عند كل إنسان في تمنّي وجود (الله) وليقوموا بتحشيد عموم الناس ضد كل مَنْ لا يعتقد بصحة (الدين)، عن طريق الترويج الدائم لثقافة مجتمعية تُفيد بأنّ الذي لا يعتقد بصحة (الدين) هو إنسان لا يؤمن ولا يعتقد بوجود (الله)، وأنه إنسان شاذ ويمكن تَوقُع كل أخلاق السوء منه نظراً لأنه لا يخاف من حساب وعقاب الله!

ثانياً:

الثقافة والأصول الدينية التي يتم توارثها من جيل الى آخر إجتماعياً تُساهم في تهيئة البيئة المناسبة والمجال الواسع للأمكانيات والقدرات الماديّة المؤثرة لأغلب رجال الدين ومؤسساتهم الدينية لمعاداة وتحجيم أيّ إدراكٍ أو نشاطٍ مجتمعي مُضاد يُنادي بأنظمة وقوانين وأحكام جديدة وغير دينية متماشية مع ما حققه العقل البشري فعلياً من تطوّر في مجال إدارة شؤون الحياة في مجتمعات أخرى شرقية وغربية، وهكذا يستمر حال التخلف في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط، كما يستمر حرمان الأنسان الشرقي من حقوقه في حرية الفكر والتعبير وحريته في نمط حياته الجنسية الخاصة.
ثالثا:

في حال قيام أي مجتمع بأدارة نفسه بأنظمة قانونية حديثة متطوّرة تُؤمِّن العدل والمساواة وتُوفر العمل والمعيشة الكريمة والسكن والرعاية الصحية للجميع في ظلّ حرية المُعتقد وحرية التفكير والتعبير فأن ذلك يؤدي طبيعياً الى قلة حاجة الأغلبية من الناس الى الذهاب الى دُور ومؤسسات العبادة لطلب الرحمة والمساعدة من رجال الدين وموؤسساتهم، وهذا يؤدي بالنتيجة الى إنحسار نفوذ أغلب رجال الدين وإنحسار مواردهم، وهذا ما لا يُريدونه ولا يتمنونه رغم أنهم كرجال دين يتظاهرون بالعكس تماماً حيث أنهم دائماً ما يُعلنون رغبتهم وعملهم لكي يحصل كل إنسان على ظروف الحياة الكريمة، وهكذا يكون إستمرار حالة التخلف ومصادرة حقوق الإنسان في أيّ مجتمع هو الهدف الحقيقي الغير مُعلن لأغلب مُمتهني مهنة (رجل دين) أينما كانوا، مُنوّهين الى :

دوام وجود نسبة محدودة جداً من بسطاء المجتمعات مِمّن قد يُؤمِنون فعلاً بكل تفاصيل (الدين) لكنهم خارج إتّجاه دائرة رجال الدين في تمنّي إستمرار حالة التخلف والعوز ومصادرة حقوق الإنسان في مجتمعاتهم، ومثل هؤلاء القلة من الأفراد تراهم لا يتقبلون أيّ مَنافع أو مبالغ مقابل إيمانهم وإعتقادهم الديني، كما أنّ مثل هؤلاء القلة من الأفراد لا يُؤثرون سلباً أو أيجاباً في مجتمعاتهم في المجال الديني، بل يمكن إعتبارهم أحياناً مِن ضحايا أصحاب المهن الدينية.

يتبع ..
أعلاه هو الجزء الاول من المقال الثاني من كتاب ( أحترم جداً هذا الدين )!

كاتب ومؤلف عراقي – مستقل سياسيا وفكريا