كثيراً من الرجال عبر التأريخ, مارس السياسية والجهاد, ضد الظلم والحكام المستبدين, منهم من اندثر اسمه, ومنهم من بقي خالداً ذكره, وما يهمنا بهذا المقال, الجهاد الذي قاده المعارضون, لنظام البعث وإجرامه, على يد صدام الذي أوغل بالإجرام, فطال كل الأعمار, فلا فرق بين طفل وكهل, وكان للعُلماء حصة كبيرة.
ولِدَ للسيد محسن الحكيم الطبابائي الحسني, عام 1939 كان اسم المولود السيد محمد باقر, تعلم بداية الأمر عند الكتاتيب, ليدخل بعدها لمدرسة منتدى النشر ألابتدائية, ألتي أسسها الشيخ المُظفر, تركها في الصف الرابع, ليتجه للدراسة الحوزوية في النجف, بعد بلوغه الثانية عشرة من عمره, عُرِفَ بنبوغه العلمي, وقدرته الذهنية والفكرية العالية، فحظي باحترام كبار العلماء والأوساط العلمية، كما نهل في أوائل شبابه, لينال شهادة اجتهادٍ, في علوم الفقه وأصوله وعلوم القرآن.
سياسياً عاصر السيد محمد باقر الحكيم, الحكم الملكي وما يطلق عليه ثورة تموز؛ عام 1958 الذي قام به عدد, من الضباط وهم من أفكار قومية وشيوعية, وما شابه من الصراع ألاجتماعي والسياسي, ولتنامي الحركة الشيوعية, التي لا تلائم بأفكارها, المجتمع العراقي وللحفاظ عليه, من التفسخ الخلقي, فقد أصدر السيد محسن الحكيم, الذي كان حينها, زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف, يوم 12/ شباط/ 1960 ما خلق امتعاضاً, من قبل الحزب الشيوعي, بينما لاقت تلك الفتوى استحسان, المراكز الرأسمالية واستخدمتها في صراعها, مع المعسكر الاشتراكي.
عند أواخر الخمسينات وتحديداً عام 1957, كان السيد محمد باقر الحكيم, وأستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر, عُقِد المؤتمر التأسيسي, لحزب الدعوة الإسلامي, وأخيه السيد محمد مهدي محسن الحكيم, وقد مارسا دوراً كبيراً, في تنمية الحزب ورفده بالأفكار المتجددة, وفي خضم الخلافات السياسية, بعد سقوط النظام الملكي, الذي تلاه سقوط حكم عبد الكريم قاسم؛ وسيطرة حزب البعث عام 1936, ثم انشقاق عبد محمد عارف, وسيطرته على الحكم في تشرين عام 1964؛ كان حزب الدعوة في تنامٍ مستمر, إلى أن حدث انقلابٌ جديد, من قبل صدام حسين وأحمد حسن البكر, في تموز من عام 1968, ليدخل العراق بمرحلة دموية, استهدفت حركة الدعوة الإسلامية, فمنعت الكتب الشيعية ونخص بالذكر, مؤلفات السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
عام 1997 نجحت القوى الإسلامية, بقيادة الإمام الخميني قدس سره, بالقضاء على نظام الملك محمد رضا بهلوي, الذي لم يعترف بثورته, حزب البعث بقيادة صدام حسين, ما جعل النظام البعثي متوجساً, فأعدم السيد محمد باقر الصدر, وأخته الشهيدة المعروفة ببنت الهدى, إضافة لاغتياله العديد من عائلة آل الحكيم؛ وسجن الكثير منهم, وقد بلغ عدد من أعدمهم, أكثر من 62 شهيداً, ما اضطرهم للهجرة, إلى سوريا بادئ الأمر, ثم صوب الجمهورية الإسلامية في إيران, كونها الدولة الوحيدة الآمنة للمعارضة الشيعية, ليبدأ نشاطه في المعارضة المسلحة, عن طريق؛ تأسيسه لفيلق بدر عام 1980, ثم الإعلان عن تشكيل, المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عام 1982, وكان سماحة السيد الحكيم, الناطق الرسمي للمجلس الأعلى, ليصبح رئيساً للمجلس الأعلى عام 1986, , وقد ارعب الجناح العسكري فيلق بدر, برجاله من المجاهدين, نظام البعث ويحرمهم النوم, خوفاً من هجمات مفاجئة, أثناء حرب صدام, ضد الجمهورية الإسلامية, وما قام به المقاتلون, في أهوار العراقي والمحافظات الجنوبية.
لم يمضي عامان على وقف الحرب, مع إيران حتى قام نظام البعث, بغزوٍ لدولة الكويت, تسبب بتحشيدٍ دولي, لطرد الجيش العراقي بمجزرة, ليس لها مثيل في تأريخ الحروب, أدت لتقويض القوة المسلحة العراقية, لتدخل قوى المعارضة, متمثلة بفيلق بدر ومن يساندهم, في المحافظات الجنوبية, ليسيطر على محافظات البصرة والناصرية والسماوة والعمارة, والكوت والنجف وكربلاء والحلة, حتى باتت العاصمة بغداد, مهددة بالسقوط بيد المعارضة, ما جعل صدام يوافق على, كل ما أمْلَتْهُ عليه, قيادة الجيوش المتحالفة والجاب الكويتي, شريطة أن يبقى بالحكم, ويتم إجهاض الانتفاضة الشعبانية.
هاجر عَدَدٌ كبيرٌ من العراقيين, خوفاً من بطش صدام وجلاوزته, بمساعدة قوات التحالف, إلى المملكة العربية السعودية, التي فتحت, معسكراً كبيراً في رفحاء بحماية دولية, ونُظمت عملية هجرة لبعض الدول الأوربية, لتبدأ المعارضة بمرحلة جديدة, في لملمة الجراح, والإعداد لإسقاط النظام البعثي, بالتعاون مع قوى المعارضة في الخارج, فعقدت الندوات والاجتماعات, من أجل التوصل للهدف المنشود, وهو الخلاص من النظام الطاغوتي, الجاثم على صدور العراقيين.
خلال أعوام الهجرة, أذاق المجاهدون في جنوب العراق الأمرين, لنظام البعث وجلاوزته, من خلال الهجمات المباغتة, في الأهوار وبعض المدن العراقية, واغتيال بعضاً من القيادات البعثية, حتى أن صدام ذكَر اسم زعيم المقاومة, السيد محمد باقر الحكيم شخصياً, ولم يذكر أياً من قيادات المعارضة الأخرى؛ ما يثبت قوة وصلابة, المقاومة العراقية بقيادة, سماحة السيد محمد باقر الحكيم, إلى أن تم اجتياح العراق, من قبل قوات التحالف الدولي, وأسقط نظام صدام عام 2003.
ثلاثة وعشرون عاماً قضاها, السيد الحكيم مع بعضاً من آل الحكيم, ومن تبعه من المجاهدين, ليعود إلى أرض الوطن, كي يضمد الجراح التي خلفها, نظام الطاغية صدام, ويبدأ ببناء العراقٍ الجديد, جامعاً لكل مكوناته, تحت لواء الحرية بعد, أن استعبده البعثيون المجرمون, فدخل من الجنوب الأبي البصرة الفيحاء, فالناصرية والسماوة مروراً بالديوانية, ليستقر في المدينة التي, ولد فيها النجف الأشرف, ليكحل ناظريه بذلك الاستقبال الشعبي, الذي لم يستقبلُ قائداً من المعارضة بمثلها.
بدأ السيد محمد باقر الحكيم, بشرح مشروع بناء دولة, العراق الحديثة من خلال, الخطب التي ألقاها في المحافظات, وخطب صلاة الجمعة, والتي كانت تتضمن, أن يختار الشعب الحكومة التي يريدها, والتأكيد على وحدة العراق, وبناء علاقات متوازنة, مع دول المنطقة, مبنية على الاحترام والمصالح المشتركة.
كان الشعب العراقي يتطلع, لبناء تلك الدولة, بعد معاناة دامت لأكثر, من 35 عاماً, فقد فيها حريته وكرامته, إلا أن تلك الرؤية, تم القضاء عليها, من خلال عمل إجراميٍ شنيع, فقد قلمت قوى الشر, في يوم الجمعة الأول من رجب 1424, المصادف 29/ آب/ 2003, ليسدل الستار على مشروع شهيد المحراب الخالد.
فسلامٌ على شهيد المحراب خالد الذِكر, يوم استشهد ويومَ يُبعث حياً.