بلا شك لا تختلفون معنا على ما تجرعناه نحن الكورد من الم خلال العقود الطويلة على ايدي حكام النظم الاستبدادية التي حكمت العراق على اسس شوفينية وعنصرية مقيتة ، والتي لم تدفع ضريبتها الا نحن الكورد ، وكانت أثمانها باهظة جدا ، وتحملنا ما تمخضت عنها من دموع ودماء ، وانتم بحكم قربكم من مسلسل الاحداث كنتم شاهدا من أكبر شواهدها على حجم المظلومية التي اصابتنا ، فيما كان الآخرون يصفقون لأمجاد العروبة بل ويصطفون مع طغاة تلك العهود ، أملا بالحصول على فتات موائدهم ، وكانوا فرحين بها وكأنها نعمة نزلت من السماء ، ونحن كنا في حينها لا نملك سوى سلاحا تقليديا لا نستخدمه الا في حالة الدفاع عن وجودنا ، وندفع به الشر عن اهلنا ، لأننا قوم لم نورث أبدا حب الفتوحات والغزوات واستباحة الدماء وتدمير الحقول والبساتين ومن ثم حرقها ، كما تعودت عليها أقوام وشعوبا وقبائل ، واحترفوها مهنة للسلب والنهب تحت مسميات عدة ، وانتم أعلم بتفاصيلها ، وهذا يعني اننا عكس كل الاقوام في اشاعة المحبة والسلام ، بل ونسعى باستمرار الى نبذ كل اشكال العنف ، ولا نلجأ اليه الا من اراد لنا الهلاك ، وبأسنا في حينه شديد …
سيادة الرئيس .. اليوم حين نقارن وضعنا القومي والوطني وقدرتنا السياسية والفكرية مع تلك الحقب الزمنية الغابرة، نجد أنفسنا في مقدمة كل الذين أرادوا لنا الفناء ، نتفوق عليهم بإصرارنا في بناء الحياة العصرية على اسس حضارية متمدنة ، والعملية النهضوية التي تقودونها في كوردستان منذ دورتين متتاليين قد ألهبت حماسنا نحو المزيد من التكاتف ورص الصفوف لأن ما اكتسبناه بإرادتنا القومية والوطنية لم تكن عملية سهلة بشهادتكم وبشهادة كل من عاش تفاصيلها ، وكل ما نكتسبه وننتزعه فهو حق مشروع ، ، خصوصا في وقت والاغلبية من شعوب العالم وبرلماناتها اعترفت بجريمة الابادة البشرية التي لحقت بنا ، وادركت أخيرا بصواب قضيتنا ، وأحقيتنا على النهوض والتطلع الى المستقبل اسوة بشعوب الارض قاطبة الذي حرمنا منه ، بسبب العقليات السياسية والسلطوية الشوفينية المتخلفة التي فرضت نفسها علينا بقوة السلاح ، وهي الان تحاول ان تعيد من عقارب الساعة الى الوراء لتفعل من جديد ما فعلتها خلال اربعة من العقود ، بل وتتمنى ان تمسك الامور لوحدها ليخضعنا من جديد تحت شعاراتها المزيفة ، وتحرمنا من (( شرب)) ماء دجلتهم والفرات…!!
سيادة الرئيس… الخلافات ليست بجديدة في عالم السياسة ، وما يتميز بها خلافات الاقليم مع حكومة المركز هي مسالة لا تحتاج منا ان نشير الى اسبابها لكي لا نعود الى اثارة تداعياتها ، والتي تركت بحكم أسبابها أكثر من سؤال ، بل وخلقت حالة غير صحية في كيفية توظيف قدراتنا السياسية في حسم تلك الخلافات التي بقيت الى الآن تدور في حلقة مفرغة مما سببت في ان تواصل حكومة السيد المالكي من تشديد ضغوطاتها المالية على الاقليم ، وتهديداتها المتكررة بقطع الميزانية المقدمة للإقليم ، وكان ذلك سببا في خلق مشكلة عدم صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين مما أثر سلبا على حركة السوق الكوردستانية وعلى الحالة المعيشية عموما ، وهذا يعني ان سيادتكم مطالبون بالخروج من دائرة الصمت حول تأخير صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين ، وهل من المعقول ان تعجز وزارة المالية من الايفاء بواجباتها …؟؟ هل من الانصاف ان تبرر الوزارة هذه الظاهرة المتكررة باللوم على الحكومة المركزية ..؟؟ فيما تقول المالية الاتحادية بانها صرفت مستحقات الاقليم لشهري كانون الثاني وشباط لهذا العام ، وهذا يعني بان الخلل والتقصير لا تتحمل وزرها الا حكومة الاقليم والدوائر ذات الشأن بهذه المسالة التي اذا ما استمرت على هذا المنوال ستؤثر سلبا على نمط الحياة الطبيعية في كوردستان….
ولهذا نعتقد ان قطع الطريق امام محاولات حكومة المركز لنزع ثقة ابناء كوردستان بحكومتكم الموقرة بهذا النوع من الاجراءات غير القانونية ، هو رص الصفوف ونبذ الخلافات ، و الاسراع بتشكيل الحكومة التي طالت من انتظارنا لها ، وعدم السماح بتأجيج الصراعات السياسية من خلال فوضى التصريحات بشأن خلافاتنا الداخلية للوقوف بوجه المخططات الرامية للنيل من تجربتنا الناهضة التي تحظى بتقدير والاهتمام الدولي والاقليمي ،
الاجتهادات السياسية و الفكرية المختلفة حول عدد من القضايا لا تشكل حتى من حيث طرحها عقبة امام توحيد الرؤى والمفاهيم السياسية بين الاحزاب الكوردستانية ، والذي يحاول البعض بفتح ابواب التوتر والانفعالات السياسية في كوردستان لتكون منفذا لخلق العديد من الازمات وتعكير الاجواء التي لا تصب في مصلحتنا نحن الكورد في هذا الوقت بالذات حيث الانظار متجهة صوب الانتخابات البرلمانية العامة والمزمع اجراءها في نيسان القادم ، والتي تتطلب ان يكون استعداداتنا لها بمستوى طموحاتنا القومية والوطنية…
وبهذا الخصوص اعتقد ان السيد نوري المالكي يدرك ان سياستنا القومية والوطنية مبنية على اسس الاستحقاقات المشروعة ، وان مخاوفه من هذه السياسة هو ان نتركه وحيدا في حلبة صراعه
الدائر مع الأطراف المناوئة له ولسياسته القائمة على فرض الشروط والوصايا على شركائه في العملية السياسية ، دون ان يدرك بان سياستنا تلك هي ليست بمعزل عن ارادتنا الكوردية عموما رغم الخطابات والاجتهادات السياسية و الحزبية التي تختلف مع بعضها ، ولكنها تلتقي في النهاية عند نقطة واحدة ، وهو حق تقرير المصير الذي يسعى الجميع لتحقيقه وفق منظوره السياسي والفكري …
ولهذا نجد ان الاهداف الخفية وراء خلق الازمات في كوردستان هي اكبر من تجريد الكورد من استحقاقاته القومية والوطنية خصوصا تلك التي يتعلق بالنفط والتنقيب عنها في كوردستان أو فيما يتعلق بمسالة الموازنة والميزانية المقدمة للإقليم ، والتي تحاول حكومة المركز عن تسيسها لأغراض دعائية ، ودون ان تدرك ان تمرير هذا القانون ليس بالأمر الهين اذا لم يصادق البرلمان عليها ،لان زمن فرض الارادات السياسية قد ولى بلا رجعة , والتي اقولها بأسف شديد ان تهديدات المبطنة للسيد المالكي لها اكثر من مغزى و لم يخرج من المألوف الذي كان سائدا في فترة النظام السابق ، وفي ظل قراءتنا السياسية نجد كل الاحزاب العربية متفقة فيما بينها على هذا المبدأ ، واذا ما حالف الحظ لكل حزب من تلك الاحزاب ان يشكل الحكومة فان مواقفه لا يخرج من هذا الاطار ، لسبب بسيط جدا هو انهم لا يزالون يتمسكون بعقلية الماضي السحيق التي تنظر للكورد الى الآن من منظار ضيق ، وتنقصها المفهومية حق الشعوب في تقرير مصيرها على اسس العدالة والمساواة ، بل وأكثر من هذا انهم لا يتأملون لنا خيرا حتى في عقر دارنا ، ولو تتكرمون بقراءة ما يكتبها كتاب شوفينيون بحق تجربتنا الناهضة في كوردستان لوقفتم على حجم مخاوفهم من أن نتحول الى دولة ذات سيادة وطنية كاملة وحدود دولية لها خطوطها على الخارطة الدولية ولكن كل ذلك لا يعني ان الوقوف بوجه الحكومة المركزية سيزيد من صلابة موقفنا خصوصا ولا يزال الاقليم يعتمد على الميزانية السنوية المقدمة في تيسير العملية الادارية والخدمية ، ولهذا اعتقد ان المطاولة على الحوار بشان تلك الخلافات ينبغي ان تكون على اسس مبدئية ثابتة التي تخص مصالحنا الوطنية والقومية ، مع الآخذ بعين الاعتبار اننا لا زلنا جزءا من العراق وما لنا من حقوق لابد أن نكتسبه وفق القانون والدستور ….
صفوة القول سيادة الرئيس … لنفوت الفرصة امام كل المحاولات الرامية لإضعافنا بالأزمات المفتعلة التي تفرض نفسها على كوردستان بين الحين والاخر ، ولا نسمح لأحد ان يدفعنا باتجاه ارتكاب الاخطاء السياسية التي تضعف من موقفنا الوطني امام الراي العام ، لكي تستمر حالة الرقي والازدهار التي ترسخ الثقة بحتمية النهوض على اسس المدنية المعاصرة….
عاشت كوردستان / ولكم منا تحية وسلام