كهرمانة كانت رمزاً شامخاً في بلادي، تصب الزيت على هامات اللصوص، وهي تعتلي تلك الجرار البرونزية، ما فتيء الناس تطوف حول مقامها، ليلا ونهاراً وعلى مدار السنين، عارفين بفضلها، ممتنين لها، فهي رمز النزاهة والحكمة، والإقتدار على كشف اللصوص وحبسهم والقصاص منهم!
هكذا تعلقت قلوبنا بكهرمانة، فرسمتها أحلامنا أملاً نرجسياً يتسامى على هامات المفسدين والسارقين. فلسنا بحاجة الى الشرطة والجيش والسلاح لمقارعة السراق، وانما نحتاج الى أطيب وأرق خلق الله، لكي تدفع عنا شرورهم!
كنا نظن أن كهرمانة قد أحكمت على زمام اللصوص، وهي تحمل بوتقة الزيت الحارق لتصبه على رؤوسهم، فلم تكن مورداً للشك يوماً ما! ولم يكن أحدا يعلم بأنها هي من كانت تسرق أحلامنا، وتخبيء سرقاتها في تلك الجرار، وتسقيها بذلك الماء الهادر من آنيتها.
منذ أن كنت صغيراً، كنت أقول لأبي الذي ما فتيء يعيد لي قصة (كهرمانة والأربعين حرامي)؛ كنت أقول له : كهرمانة تصب الماء الدافيء لا الزيت الحار، أظن أنها كاذبة، خائنة.
هكذا مرت السنين وكبرنا، وأزددنا وعياً، فعلمنا أن كهرمانة بالفعل كانت خائنة، وعميلة للصوص، وتلك جرارها الأربعون فارغة، وما تصبه بها ماء دافيء وليس زيت!
لا أدري لماذا كان يساورني الشك منذ ذلك الحين؟! واليوم أصبح الشك واقعاً معاشا.
خديعة كهرمانة تمثلت في عدد اللصوص، فلم يكونوا أربعين لصاً، وإنما كانوا (169)، كما أنهم لم يكونوا يسرقون منزلها، وإنما يسرقون قوت الشعب!
أؤلئك اللصوص صوتوا على قانون تقاعدهم المسيس!
كهرمانة كانت متسترة عليهم، كما قد أوهمت الشعب بمكان تواجدهم، فلم يكونوا في داخل الجرار وإنما كانوا على رأس صناعة القرار!
هكذا خانت كهرمانة الأمانة مع لصوصها البرلمانيين! فلا بد من محاكمتها، والقصاص منها لخديعتها!
نحن وبإسم الشعب العراقي المظلوم، نطالب أمانة بغداد، بأن تعيد انشاء ساحة كهرمانة، بتصميم جديد يتضمن (169) جرة، وتزويد الساحة بمضخات مياه تكفي لتغطية ذلك العدد من الجرار!
ليكن أولئك اللصوص عبرة لكل من تسول له نفسه سرقة الشعب، وسوف تتحدث عنهم الأجيال، مادام صرح كهرمانة شامخ في قلب بغداد.