فالحوار دائما لغة الاكفاء، الواثقين بأنفسهم الراغبين في تطوير أنفسهم الطامحين إلى توسيع آفاق معرفتهم ، المؤمنين بأنهم لايمتلكون المعرفة المطلقة، أو اليقينية بل المعرفة النسبية التي تعني دائما _التفاعل ، و ثقة المحاور بنفسه لايعني أنه المالك الوحيد للحقيقة.
المفكر العربي جابر عصفور .
أكتب عن حدث بتقديري له أهمية بمكان حول كتابة حدث تاريخي حدث معي ، وانا أشعر بأن هذا الحدث مهم وقد مضى عليه خمسة عقود من الزمن خاصة وإن الاجيال التي تعيش الان قد تكون سمعت به من الآباء او الأجداد، والحدث هو هروب سجناء شيوعيين من سجن الحلة المركزي ، وهم مكبلون بسنوات سجن ثقيلة غير قليلة ، هروبهم إلى الحرية التي هي الفضاء و المتنفس من أجل حياة حرة ، و التحاقهم بحزبهم الذي هو بحاجة لهم كوادر و قيادات مهمة في كل المجالات ، وخاصة بعد ماجرى للحزب الشيوعي العراقي على أثر انقلاب شباط الدموي عام 1963 و خسر الحزب الشيوعي العراقي أنذاك عدد من قياديه و كوادره . كنت في منظمة مدينة الحلة مسؤول عن الخط الطلابي و بتوجيه من الحزب قمت بنقل اربعة من الهاربين من المدينة إلى منطقة قريبة من ريف الحلة (حي نادر ) ومن ثم نقلهم الى الريف في قرية البو شناوة الى الرفيق الكادر الفلاحي كاظم الجاسم، كتبت عن الطريقة التي استخدمتها لنقلهم، وبعد أن عرف بذلك الرفيق عقيل حبش وكان هو أحد المشاركين في حفر النفق انذاك و يروم بكتابة كتابه عن عملية النفق و هروب السجناء و كتابه الموسوم ب( الطريق إلى الحرية ) ، طلب مني أن أكتب له رسالة اشرح له فيها عن موقفنا في منظمة الحلة حول هذا الحدث الذي هز سلطة عبد الرحمن عارف و جهاز الأمن و المخابرات ، و دوري في العملية ، و بعد فترة ليست بالقصيرة كلمني أن صديق عرض عليه أي خدمة يقول قلت له ليس لدي أي طلب سوى لدي كتاب مصفوف وجاهز للطبع فقط ليس لدي مبلغ لإنجاز طبعه ، قال بسيطة نحن نطبعه لك واعطيته النسخة الإلكترونية الجاهزة له على امل ان يقوم بطبعه في مطبعة الرواد المعروفة ، وبعد اسبوع اتصل بي الصديق و قال إن لدى صديق مسؤول عن الإعلام والمطبعة لديه أعتراض، و هو يجب حذف رسالة د . محمدجواد فارس ورسالة الصحفي سمير داود ، وعندما كلمني عقيل، قلت له الكتاب كتابك وانت حر به وفعلا حذفت الرسالتين وتم طبع الكتاب وانا بدوري انشر رسالتي التي حذفت من الكتاب و اتركها برسم القارئ الكريم . وهذا نصها
] الرفيق العزيز عقيل حبش
تحية طيبة
شاكر لك لفسح المجال لي في أن أدلو بدلوي في الحدث التاريخي المهم ، في هروب مجموعة من الشيوعيين من سجن الحلة المركزي ،
د، محمدجواد فارس
أبدأ مقالتي عن لمحة قصيرة قبل النفق وعملية الهروب البطولية التي أقدم عليها الشيوعييون المكبلون بأحكام ثقيلة و متوسطة ، عن لمحة تاريخية سبقت الحدث و هي من الأهمية بمكان طرحها لما ،جرى ، فبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وما جاءت به من مكتسبات لشعبنا العراقي ، و هي كنتاج لنضال الشعب خلال الحكم الملكي المرتبط بسياسة المستعمر البريطاني، ومنها الخروج من حلف بغداد ، و الخروج من عملة الاسترليني و تحرير الدينار العراقي، وتوزيع الأراضي على الفلاحين في قانون الإصلاح الزراعي، قانون حقوق الأسرة و المرأة ، و أقدام العمال إنشاء النقابات العمالية ، و الجمعيات
الفلاحية، وقانون شركة النفط الوطنية رقم 80 ، غيرها من القوانين، مما أثار الامبريالية العالمية ، لذا بدأ الأمريكان التأمر مع الرجعية العربية لاسقاط النظام و المجيئ بحكومة عميلة تنفذ مخططاتهم، وفعلا وجدوا في البعث و القوميين خير من ينفذ ذلك، نتيجة حقدهم على نظام قاسم و الشيوعيين الذين أكتسحوا الشارع ، و تم انقلابهم في الثامن من شباط 1963 ، وقاوم هذا الانقلاب الفاشي الشيوعيين و الديمقراطيين وقسم من حكومة عبد الكريم قاسم ، وجعلوا من العراق مسلخا لكل من وقف ضد أنقلابهم المشبوه ، و نتذكر بيان رقم 13 بابادة الشيوعيين ، وكان قصر النهاية مسلخا لخيرة أبناء العراق الوطنيين من شيوعيين و ديمقراطيين ، أستشهد قادة الحزب و كوادره و منهم الشهداء :سلام عادل السكرتير الأول للجنة المركزية ، جمال الحيدري, محمد صالح العبلي، محمد حسين أبو العيس، حسن عوينة ، عبد الجبار وهبي ، ستار مهدي معروف الخواجة و القائمة تطول ، ولم تكن تسع سجون ومعتقلات العراق بالسجناء واحكامهم الثقيلة التي صدرت من محاكم أمن الدولة، و من السجون التالية مثل :سجن نقرة السلمان ، سجن الحلة المركزي ، الموقف العام وسجن بغداد المركزي ،
جاء انشقاق عزيز الحاج _ حسين جواد الكمر بعد أن لملم الحزب جراحه بعد انقلاب شباط الأسود ، و أعاد تنظيم صفوفه ، واتذكر وأنا كنت في تنظيم مدينة الحلة و متابع للانشقاق من خلال رسائل متبادلة بين تنظيم الحزب في نكرة السلمان وكان يقودها كاظم فرهود و طرح على التنظيم كتابة رسالتين إلى ل. م اللجنة المركزية و ق . م القيادة المركزية ض، وننتظر الجواب لكي يتسنى لنا الانحياز لطرف معين حسب قناعتنا , و لكن رسالة اللجنة المركزية كانت مثقلة بالاتهامات منها عبارة مؤثرة : أن ماجاء برسالتكم إنما هي أفكار بتي برجوا ، وبعد ذلك أعلن عدد كبير من التنظيم موقفهم مع القيادة المركزية، وحسب رأي المتواضع لو كان الحزب موحدا لكان السجناء على رأي واحد ، و لكانت عملية الهروب من السجن منتظمة و بدون أشكالات كما حدثت ، و لكان أكبر عدد من السجناء انطلقوا إلى الحرية ، وضخ إلى الحزب كوادر الخبرة و التجربة الحزبية و توسع التنظيم ، ولكن للأسف حدث العكس .
الهروب إلى الحرية من سجن الحلة المركزي
على الرغم من الانشقاق في الحزب عمل الرفاق على انجاز مشروعهم في أكمال النفق مع ان العمل في إنجازه لم يكن سهلا ، ولكن الارادة كانت هي الأقوى، علما أن السجناء الشيوعيين من الضباط ، كانوا قد قدموا مقترحا إلى رئيس الجمهورية كان انذاك عبد الرحمن محمد عارف قد استلم الأمور بعد مقتل أخيه عبد السلام محمد عارف ، و إلى مديرية السجون العامة يطالبونهم بالمشاركة في حرب حزيران للدفاع عن الأمة العربية ضد العدوان الصهيوني في الخامس من حزيران عام 1967 ، وكان مطلبهم ينص بالعودة إلى السجن بعد نهاية الحرب ، ولكن النظام العارفي رفض ذلك ولم يوافق على طلبهم جملة و تفصيلا ، وفي شهر أكتوبر نفذت عملية الهروب ، وكان ذلك في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا ، و إقامة الاتحاد السوفيتي .
وقمت انا في اليوم الأول الأول من الشهر و هو موعد مواجهة السجناء ، بزيارة و التقيت بالرفاق من الحلة و هم كل من محسن حسين حمادي الحسن و قد هرب مع السجناء، ولكن لم يذكر اسمه في قائمة الهاربين ، و محسن ناجي البصبوص ، و كذلك عبد القادر اسماعيل البستاني رئيس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي العراقي ( أتحاد الشعب ) وكنت قد تعرفت عليه في مركز شرطة الحلة وهو ذاهب إلى المحكمة ، ولم تكن هناك دلائل تشير على إن عملا جبار سوف يحدث ، و عندما حدث الهروب لم نكون نحن الشيوعيون مبلغون في هذا اليوم لكي نتخذ الإجراءات اللازمة لإسكان الرفاق ممن هم ليسوا من سكنة الحلة ، وايوائهم لكي لا يقعوا بيد الشرطة التي استنفرت كل قواتها ، وانا كنت اتمشى في شارع المكتبات وشاهدت سيارات الشرطة تتجه إلى باب المشهد، حيث سجن الحلة، فعرفت أن السجناء قد هربوا ، وبدوري بلغت مسؤول تنظيم المدينة الرفيق محمد علي خوجة نعمة ( حمودي ) على ما شاهدته من استنفار ، وكذلك الخط الطلابي الذي كنت مسؤوله المباشر لغرض إيواء الهاربين ، وبعد يومين كلفني الرفيق محمد علي ، برفيقين من المحسوبين على القيادة المركزية التقى بهم و تحدث معهم حول الانقسام و تبعاته وتأثيره على وحدة الحزب ، وقال لي : أن تذهب و تأخذ عقالين لهم من والدك ، والدي كاسب صاحب مقهى صغير في سوق اسطة جابر القديم في الحلة ، وهما موجودين في منزل الشهيد شهيد محمد سعيد خوجة نعمة ، وقد وصلا إلى البيت و كان المطر يهطل انذاك ، ومن حسن الصدف أن البيت المعروف لدى الرفاق في الحلة وذلك مرتبط بحادث استشهاد الرفيق شهيد محمد سعيد خوجة نعمة على يد عصابة الحرس القومي في الحلة في مركز الشرطة ، وكانت لجنة الحرس القومي مؤلفة من (وهاب كريم رمضان , عزيز الحسيني ، حبيب الأسود، ناجي الدليمي ، وانور عبد الهادي القاتل ).
خرجت من المنزل صباحا مع حسابي لتبديل جهازي الشرطة و الأمن، على دراجتي الهوائية , وهناك أعطيتهم العقالين و قلت لهم سوف أوصلكما وا حدا تلو الآخر، و فعلا الأول كان رجلا كبير السن و كان مدير خزينة الموصل قبل أحداث الموصل و مؤامرة الشواف (أبو عصام) فعلا اوصلته إلى العنوان المتفق عليه وهو في حي نادر بالقرب من معمل النسيج ، بيت الرفيق جبار وناس والدته المناضلة شمسة رحبت بنا و في نفس اليوم تبعته بالثاني وهو أيضا من أهالي الموصل ولكن للأسف لم أعرف أسميهما، ومن بيت العمة شمسة أوصلهما المراسل الى قرية البو شناوة إلى الرفيق المسؤول في القرية كاظم الجاسم (أبو قيود ) ،
وبعد عدة أيام قال لي الرفيق (حمودي ) محمد علي خوجة نعمة، هناك اثنان في قرية عنانة عثروا عليهما رفاق الحزب و أنهما في بيت الرفيق سامي عبد الرزاق الجبوري و عليك إخراجهما من المدينة إلى العنوان السابق ، وفعلا ذهبت مساء إلى الكراج ثم دخلت البيت و كان معي الرفيق سامي ملا إبراهيم و لبسا دشاديش ، واتذكر أن سامي كان يمازحهم و بيده المسدس ، قلت لسامي أحضر تنكر الماء من الكراج ، و أركبتهما جنب السائق وانا قرب الباب المكسور ، وانطلقنا واوقفت التنكر على بعد مسافة من نقطة تفتيش أمنية و ذهبت بهم سيرا على الأقدام إلى منزل العمة شمسة ، و هنا أنتهت مهمتي بأيصال الرفاق إلى العنوان ، وهما من مدينة البصرة، و للصدفة كنت معتقل في شرطة الحلة وطلبوا مني براءة من الحزب ولكني صمدت وبقيت على العهد شيوعيا ، كنت في إحدى غرف المركز و إذا بالشرطي الخفر أبو حسن يفتح الباب لشاب، وهذا الشاب ترك الرفاق وجاء متجها نحوي للسلام و انا سلمت عليه ، قال لي ( شنو انت ما عرفتني ) قلت له لا صغرا و أثار التعذيب بجسمي ومنهك ، قال انت الذي هربتني و رفيقي من بيت الرفيق في التنكر ( سيارة نقل المياه من الكراج )، تذكرته وقلت له لماذا تكتبون عنا اننا اعتقلناكم و نريد تسليمكم، قال لا لقد قدمتم لنا الكثير و لا يمكن نسيانكم ، وهكذا كنا جنود أوفياء للشعب و الوطن و مبادئ الاممية البروليتارية .
و لكن للأسف فلقد شاب عملية الهروب اللغط والتشويه من قبل البعض من أمثال جاسم المطير ، و كاظم حبيب ، و محمدعلي محي الدين كما جاء في كتاب أضواء على عملية الهروب من سجن الحلة و فيه تشويه للحقيقة، و اليوم اتضح معدنهم و موقفهم من الاحتلال و العملية السياسية .
و هنا أريد أن أذكر حادثة مع المدعو جاسم المطير ففي عام 1997كان شعبنا يعاني الأمرين من سياسة السلطة الجائرة و كذلك الحصار القاتل الذي شمل الغذاء و الدواء و حليب الأطفال، وجهت دعوى لشخصيات شيوعيية و وطنية من قبل حكومة معمر القذافي حول سبل مساعدة شعب العراق في ظل الحصار ، و كان الوفد يضم باقر إبراهيم، و عدنان عباس، و خالد السلام ، وعلي الشيخ حسين الساعدي وزوجته ، و كاتب السطور محمد جواد فارس، وفعلا قدمنا لهم مقترحات لإرسال أدوية، قدمت لهم قائمة بالأدوية التي نحتاجها كوني طبيب و الرفاق الآخرين قدموا اقتراحات مجدية في هذا المضمار ، وتفاجأنا إن أثنين يكيلون لنا الاتهامات الظالمة و هما جاسم المطير ، و باقر صولاغ في جريدة المجلس الإسلامي، اننا عملاء للنظام و مكلفين من قبله ، أي وقاحة و قلة ذوق ، انهم يريدون تشديد الحصار الجائر على شعب العراق، لكي يتسنى لهم الحصول على السلطة كما حدث في احتلال العراق، أن شعب العراق سوف ينهض من كبوته في أقامة نظام وطني حقيقي .
د. محمدجواد فارس
في ذكرى أنتفاضة تشرين عام 2019
وهذه هي الرسالة التي حذفت من الكتاب .
طبيب و كاتب