سيق الشعب العراقي لأن يكون أهم مطلبه هو البحث عن عمل مناسب لضمان مستقبله ومستقبل أطفاله. كما اريد له الانشغال بإشباع بطنه والبحث عن الحياة في وطنه وفي عقر داره وأن يصبح ايجاد فرصة عمل الهم الأول والأخير. ليس له أن يكون شيئاً آخر في حين أن في خلجاته خشية كبيرة من الجوع والتشرد.
أرادوا أن يكون الشعب العراقي متعباً ويجري جري الوحوش في البراري بعد أن أغلقت المعامل والمصانع وأصبح ما يقارب 10 الاف معملاً متوقفاً كالأصنام لا يعمل. أراض شاسعة ممتدة من أقصى شمال العراق إلى أقصى جنوبه دون استثمار ودون استغلال الأيدي العاملة ودون انعاش العوائل المحتاجة.
نتيجة لذلك فليس من شك أن يصبح الهم الوحيد للشعب اليوم هو الحصول على التعين في إحدى دوائر الدولة ليتكئ المتعين عليها ويتقاضى راتبه ويؤمن غده براتب تقاعدي بسيط من الممكن أن يعينه على متطلباته الحياتية وشراء الأدوية لما تبقى من عمره وحتى أن يقضي الله أمره ويرتحل إلى العالم الآخر. لا مفر أمام الشباب غير اللجوء إلى طلب التعين بعد أن أغلقت أمامه كل الأبواب. لا مجال للعمل في أي قطاع خاص بعد أن دمرت كل القطاعات وأصبح كل ما نستهلكه مستورداً من خارج البلاد. حتى البصل والثوم وما إلى ذلك من أصغر المواد إلى أكبرها تأتينا مستورداً دون أن نبذل جهداً في انتاجه.
الشلل الذي أصيب به قطاع الصناعة والزراعة في العراق سرح جميع الطاقات الشبابية وحولهم إلى عاطلين وباحثين عن عمل. كفاءات وامكانيات هائلة هدرت بسبب اللاشيء وحكم عليهم بالموت مع وقف التنفيذ وإلى إشعار آخر ودون أن يكون هناك أمل نعيش عليه لا سيما أن أسماعنا سئمت الوعود الكاذبة.
تجويع الشعب وجعله منشغلاً بأمور معيشته ليس أمراً عشوائياً قط، بل هو عمل مدروس ومخطط له بعناية فائقة لكبت جماح الشعب تجاه كل الإخلالات والانتهاكات الحاصلة ونهب الثروات والخيرات. إنها عملية حقن المورفين في جسد الأمة وجعله يعيش حالة الثمالة وعلى عينيه غشاوة. إنها محاولة لجعل المواطن ينصاع للأوامر وأن يتجنب غضب الدولة لكي لا يبقى جائعاً مشرداً.
افشال كل المشاريع الصناعية وعرقلتها أمر يدعو إلى التفكير ألف مرة. فليس من المعقول لبلد لا يتمكن أن ينتج بيضة واحدة وأمام هذا الكم الهائل من الطاقات الشبابية العاطلة وغير المفعلة. ليس من الفطنة أن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي ولا تبادر إلى التغلب على هذه المشكلة الكبيرة والارتقاء بالبلد وتوفير فرص عمل تكون كفيلة بإسعاد الشعب. ليس من مبرر بأن تنشغل الدولة بأمور ليست أهم من مستقبل شبابها وليس من العقل أن تعطل الدولة دور الشباب وتعتمد على المنتوج الأجنبي والأيدي العاملة الأجنبية. ليس من الفطنة أن يركن خريجو الهندسة إلى الجنب ولا تعير الدولة أي أهمية لهم وتتجه إلى جلب الشركات الأجنبية.
أمور لابد أن تؤخذ بنظر الاعتبار ونحن نعيش أزمة خانقة بعد أن عجزت الدولة تماماً عن ايجاد فرص الحياة للشباب. شباب يحملون أحلامهم وطموحاتهم وشهاداتهم العلمية على كفهم وهم جميعاً على كف كفريت يترنح بهم وقد يلقي بهم إلى الهاوية الآن أو بعد حين. عبث منظم نعيش في زمن التكنولوجيا والرفاهية التي تشهدها العالم في كل المجالات. حمل كبير يترنح تحته الجميع في زمن العولمة والانفتاح بعد أن غدت الدنيا قرية صغيرة ليس فيها ما يعيق التطور والتعلم والحصول حظ العمل والانتاج.