هي مدائنُ معروفة تجري من تحتي في غلس ليلي عميق . تجيء وتمضي فاسحة لباصرتي مديات مفتوحة . مدن من أضواء عشوائية ومنظمة ، تشقشق في ظلمات ليلية . ومن فوقي ، فوق نافذة الطائرة قمر هزيل ناحل فضيّ كما لو كان قارباً نائياً يكاد يختفي عن النظر . لا غيم يفصل بيني وبين تلك المدائن المهاجرة . ترى كيف شكل السهر والسُهّار والمتع التي يغترفون . وكيف هو لونُ العواطف والحبّ ؟ حتماً لا تنام المدن في السادسة مساء . ونهارُالمدائن الأوروبية يخبو بعد الرابعة عصراً، لكنّ شعلة الحياة تنشغل بمسرات ومتع ليلية تسهر حتى مطلع الصبح ، ولا سيّما أيام العطل . ما زالت المدائن تجري موجاتٍ موجات ، فلا تكاد تختفي واحدة حتى تعن أخرى أشدّ ضياء وتشظياً من سابقتها . وهكذا كنت اطلُّ من عليائي على مخلوقات الليل تخبّ من تحتي آتية ومغادرة . ولا يدري أيّ غيب ما الذي يجري داخل رواق الليل على مسطحات البسيطة من تحتي . قد أغفو حيناً قصيراً لكنّ نهرَالأضواء لا يتوقف عن الجريان . ما أعظمَ سرّ الحياة والكينونة هناك ؛؛ ولو كنتُ احداً من دينامية ذلك الفيض الضوئي لرفعتُ باصرتي عند مرور الطائرة فلا ارى سوى وميض شاحب خافق مقرون بهدير بعيد . ولا شيء الا سواهما . ولا افكّر أن أحداً ثمة يحسب لنا حساباً ويُشغل البال بنا نحن كائنات الأرض التي يجرفنا النهر في احشاء الليل من صقع الى آخر . فلكلّ أحدٍ منا / نحن حيوات الأرض السفلية والسماء العلوية / مشاغل تلهينا وتستغرقُ ساعات يومنا . هناك فوق اليابسة ضجيجٌ وموسيقى وثرثرات تلغو في المقاهي وفي البيوت . واصناف من الطعام والشراب والحوار والسهر البريء والماجن . وهنا في قاع السماء عيون مسترخية ومستغرقة في اللامبالاة والحوار الذاتي والحلم الهلامي العابر . ومن حولها أكداس أضواء النجوم الشاحبة . بعضُها ترفُّ مثل عين تُغمضُ وتفتح . وأخرى وامضة حادة لكنها لا تجرح ُ. والقمرُلم يزل على ميمنتي ما أرقّه وأضمره كما لو كان شفرة ذابلة من فضة . فجأة ًتختفي المدائنُ وجريانُها ويعنّ عتامٌ كثيف ، اذاً ، نحن الآن فوق البحر ويعلن قائدُ الطائرة أننا سنهبط في مطار لارنكا بعد ثلث ساعة .
هكذا كانت رحلةُ المساء خللَ اربع ساعات ونيّف . ابحارٌ فوق المدائن المُهاجرة من تحتنا . ثمّ …. هلت انوارُ المدينة بعيدة ثم قريبة ، وخفّ هديرُ محركات الطائرة . واقتربت الأرضُ منا ، وصرنا فوق بلاطها . وتوقف الخارج ، يتحرّك الركاب ليسحبوا حقائبهم ويغادروا الطائرة …. لم أرَ من لارنكا سوى ممرات مبنى المطار ، ثم أوغلت بنا سيارةُ التاكسي في طريق ليلي طويل الى نيقوسيا ، قرابة خمسين دقيقة كان الليل من حولنا ومن فوقنا ، والطريق هاديءٌ سلسٌ وتجيئنا مدنٌ صغيرة لا نعرف هوياتها ولا اسماءها تكتظ بأنوار المصابيح ثم تختفي فتحضننا الظلمة .. أخيراً نلج نيقوسيا . وها نحن امام بوابة فندق هلتون الواقع على اطراف العاصمة . اذاً ستحتوينا غرفتنا المحجوزة سلفاً ، ونتعشي ونسهر حتى العاشرة ثم نعودُ اليها وننام . صبحاً في التاسعة ولجنا مطعم الفندق وتناولنا فطورنا ، بعدها اقلتنا سيارة التاكسي الى وسط المدينة ، جلنا في بعض شوارعها واسواقها القديمة . الطريقُ بين الفندق ووسط المدينة طويل الا أنّه محفوفٌ بمبان وفيلات واسواق متنوعة في غاية الحداثة والجمال ، تختلف عن مركز المدينة الذي يحتفظ بملمحه القديم ، المكتظ بالمحال التجارية والمطاعم والمقاهي .
ثمّ ….. انتقلنا الى الجانب التركي عبر زقاق فيه نقطتا التفتيش الذاهبة الى هناك والعائدة منه . كانت اجراءاتُ الانتقال سهلة ، لكن صورةُ المدينة تغيّرت فجأة ً ، فثمة شارع ضيق على امتداد مئتي متر مهمل ، متداعية جدرانها / وأبوابُ المحال مغلقة يعروها الصدأ والصدوع / يزحم بالنفايات والقطط والكلاب السائبة ، وكانّك لستَ في نيقوسيا الجميلة الباذخة النظافة التي تركناها وراءنا . بل كما لو دخلناً زمناً آخر قبل مئة عام . وكلما ابتعدنا عن نقطة التفتيش ازدادت الدروب قذارة ، براميلُ النفايات طافحة ، والدروب مليئة بالأزبال والقطط والكلاب الجائعة وهي تبحث عن الطعام . أمّا سياراتُ المدينة الواقفة والجارية فقديمة تعود الى سبعينيات القرن الماضي ، وثمة حوالينا مساجدُ تخترق منائرُها السماء ، لكنّ جدرانَها وابوابها مضعضعة ومتهالكة . من بعيد لاحت لنا بوابة ٌواسعة لمبنى عثماني هو خان كبير يعود بناؤه الى عام 1572 م . حين ولجناه فوجئتُ ، بل صدمتُ ، هو شبيه بخان يلتصق بأيام طفولتي في مدينة كركوك . كان صديقي عمر خورشيد يسكن مع عائلته في أحدى الغرف العلوية . فأبوه مسؤولٌ عن الخان . ثمة من حولي عشرات القناطر المقوسة تقف فوق عشرات الأعمدة وخلفها أعداد من الغرف . والطبقة ُ الثانية رديفة الطبقة الأرضية تنطوي على ذات الاطواق المقوسة والأعمدة والغرف . وكأنّها اختُ الطبقة السفلية . والغرفة التي يسكنها عمر وعائلته في الطبقة الثانية هي صنو جميع غرف الخان في الطبقتين .لا أتذكر أن ذلك الخان بحجم خان نيقوسيا ، بل كانت أعتم ، وغرفة أهل عمر كانت معتمة بلا نافذة أو مصدر ضوئي سوى فتحة الباب . الغرفُ تزدحم بساكنين ثابتين مثل عائلة عمر ، وعابرين يجيئون مدينتنا من قرى وأرياف بعيدة يُشغلونها أياماً أو أسابيع . وثمة اسطبلٌ لدوابهم يزودها بالقش والماء .والشعير . لكن الخان النيقوسي الكبير ينطوي على 29 قنطرة مقوّسة في الطبقة السفلية ومثلها في العلوية ، بينما فيه 68 غرفة ذات أبواب صدئة تخذت حوانيت لبيع الملابس والأغراض المستعملة . أغلب الأبواب مغلقة بسبب عطلة يوم الأحد . لكني لمحتُ كومة كتب مركونة أمام باب في أقصي يسار الخان ، الهي ، لقد حظيتُ ببغيتي ، سوف أقتني بعض الكتب العربية . كان فضاءُ الغرفة معتماً يضمّ ثلاثة اشباح : ضيفين وصاحب المكتبة ، مكتظاً بالكتب الموضوعة بشكل عشوائي . سألت الرجل الجالس فوق التخت في الطرف الأقصى باللغة التركية التي اجيدها عن كتب عربية فجاءني جوابه : لن تجد في كلّ مكتبات نيقوسيا كتاباً عربياً . فمذ دخلت قبرص في الاتحاد الأوربي اختفى الكتاب العربي . لكنْ قد تجد مجلة أو اثنتين عربيتين في احدى المكتبات . فلا تتعب نفسك في السؤال . قطع الرجلُ كلّ خيوط الأمل والتفاؤل لديّ ، وغادرتُ رائحة العتمة والكتب القديمة الى وسط الخان المحفوف بالأعمدة والأطواق المقوّسة والبيبان ، في الوسط صرح بناء صغير في اعلاه قبة وفي منتصفه باب بُنيّ مغلق يُرتقى اليه عبر درجين حجريين من الميمنة والميسرة . التقطنا صوراً الى جانبه ، واصرّ أبني على ان التقط له صورة امام بابه العلوي في فسحة يلتقي عندها الدرجان . جُلتُ وسط الخان أعاينُ الأبواب والأعمدة والأقواس التي تقف عليها . كان حجرُ حيطان الخان أصفر أو خردلياً . وثمة حوالينا سوّاح ٌ يلتقطون صوراً . لكن لا أحد مثلي يشعر بالسعد . غشيَنا التعبُ ، وغشيْنا مبنى زجاج تُخذَ مقهى . شربنا قهوة واحتسينا ماء . وصادقنا طفلاً يُساعد اهله في جمع الأقداح والصحون الفارغة . وتبرّعَ ان يدلنا على الجامع الكبير وحمام السوق . وللخان بابان متقابلان ، فخرجنا من الباب الآخر . ولم نكد نمضي قرابة مئة متر حتى عنّ على يسار الدرب خانٌ مُماثل ، لكن اصغر حجماً يعمّه الخرابُ ، فوهاتُ الغرف مُتهالكة حالكة بلا أبواب ، وساحته مليئة بالأنقاض والشوك والكلاب والقطط ، يخترمها بين آن ٍوآخرَ سربٌ من الأطفال الفقراء يطاردُ بعضُهم بعضاً . وعلى مبعدة مئة متر جامعٌ اغتصبَ كنسية وشيّد مكانه ما غيّر معلمه الكنسي . وصار البرجُ منارته . تذكّرتُ ايا صوفيا الكنيسة القديمة التي تحوّلت الى جامع وسط أستنبول . ولج عيالي الى باحته واكتفيتُ أنا واقفاً امام البوابة . قال بنيامين مرشدنا الصغير : سأدلكم على القرآن الكبير الذي أهداه اوردغان هذا الجامع . بيد أنهم وجدوا صعوبة في نزع احذيتهم ، وكانت تُقام فيه ابانئذ صلاةُ الظهر .وجال بنا الفتى خللَ الدروب الفقيرة والمتهالكة الأبنية . لكني أحسبُ أن عمق المدينة التي فيها الأسواقُ والمحالُ التجارية ودوائر الدولة لا يمكن أن تكون على شاكلة الواقع المزري الذي يسود هذه المنطقة . سئمنا الوضع ، فليس ثمة معلمٌ يمكن أن نرتاح فيه ، ولا وجدنا مكاناً نتغدى فيه ، لذلك عدنا راجعين الى الضفة القبرصية . وسط المزابل وقطعان الكلاب والقطط الجائعة . كانت اجراءاتُ العودة سهلة . وما أن تترك الخط الفاصل بين الجانب التركي تجاه الجانب القبرصي حتى يتغيّر المشهد والزمن والناس . واستغربتُ : لم لا تنتقلُ القططُ والكلاب من هناك الى هنا ؟ سؤال لم استطع الاجابة عنه .
صرنا ثانية وسط الضجيج ، هنا قلب نيقوسيا منه تمتدُّ شرايايينه عبر ازقة تزحم بمحال التسوق، والناسُ اشكالٌ والوان جاءوا من آسيا وافريقيا والقارتين الأمريكيتين . وتُسمعُ لغاتٌ لم نسمع بها . ووجوهٌ غريبة لا نراها في بلادنا . واينما حملتك قدماك في هذا الدرب وذاك ترَ أزقة طفولتك ابواباً ونوافذ وشرفات تشقشق بشناشيلها زاهية الألوان . سواء ضاق الدربُ أم توسّع . ابوابٌ زرقاء عريضة وضيّقة ، خضراء وبنية . من خشب ومن حديد . على ميمنتك وميسرتك ومن فوقك يُعرّشُ الزهرُ والشجر المورق . البلاطُ نظيف والوانُ البضاعة تُغري السائح على التبضع . والمقاهي الصغيرة مكتظة ، بصعوبة تستطيعُ أن تجد مكاناً تجلسُ فيه لتشرب فنجان الشاي أو القهوة . واللغة انكليزية ويونانية في الحوار وفي المعاملة . وفيما كنتُ اتقدم عائلتي بخطوات استوقفتني امرأة بصحبتها مصور تلفاز . لم أكن مستعداً على مثل هذه المقابلة . الا أنها رمتني بوابل اسئلة باللغة الانكليزية . وانا نسيتها من زمان بسبب اهمالها : لماذا تزور قبرص ، ما الذي اعجبك فيها ، ااطلعتَ على تراثها وثقافتها ..و… لكني استغرب كونها لم تسألني أبداً عن الجانب التركي كي اقارن بين نمطي الحياة هناك وهنا . وستبقى نيقوسيا في ذاكرتي ذلك الألق المقرون بالحداثة العمرانية والنظام الحضاري وقيم التراث التي لا تزال على حالها وسط المدينة وفي ارجاء اخرى ما استطعتُ الوصول اليها . عدنا الى الفندق في الثانية ظهراً . لكنّنا في اليومين التايين ذهبنا بعيداً عن مركز المدينة ، وابتلعتنا / المولات / الكبيرة نجول في محلاتها ونرتاح في مقاهييها ابّان التعب . لكني للأسف لم أجد في المكتبات كتاباً عربياً ولا صحيفة . سوى مجلة الشاهد .ثم غادرنا العاصمة الى مدينة ليماسول على البحر المتوسط . فلو كانت لديّ عينا زرقاء اليمامة لتمكنتُ من رؤية المرافيْ العربية في لبنان وسوريا . والمسافة بين فندقنا / الياس بيج / ووسط المدينة طويلة ، الا أن الطريق نظيف سلس محفوف بمبان حداثية واسواق تلبّي حاجات الناس . وما أن تركنا سيارة التاكسي حتى استغرقنا السوق . دربٌ يسلمك الى سواه . اعجبني طرز الأبنية ، تصورتُ نفسي في أزقة كركوك القديمة مع فارق النظام والنظافة . فوهاتُ الأبواب ضيّقة وواسعة تعلوها قنطرة مقوّسة . والبابُ من خشب قديم غليظ مكتظ بنقوش ومسامير عريضة . في منتصفه العلوي مقبض أشبه بيد من النحاس الاصفر . كما أن الأبواب زاهية الألوان . والشناشيل أنيقة ضيقة وواسعة تزدان بالورد والشجر .ويمضي بك الدربُ من زقاق الى سواه لكنه بالغ النظافة برغم ايقاعه التراثي . على ميمنتنا صرحٌ تركي عملاق أشبه بقلعة ، وثمة سوّاحٌ يلجونه ويخرجون منه ، محيط بسياج . سرنا جواره ودرنا حوله . وما بين السياج الخارجي والمبنى ضريحٌ كبير تُحيط به من كل جوانبه احجارٌ ضخمة وانصاف وارباع اعمدة ، وأرحية حجر ضخمة كانت تدورُ داخل احواض صخرية تحرّكها بغالٌ تجري حولها ، وقد رأيتُ مثلها ابان طفولتي في كركوك ، فجارُنا الجاووش / والي / كانت لديه رحى حجرية عملاقة يتوسطها عمود خشب مغروس في منتصه تتصل برقبة بغل قوي يقوم بتحريكها ، وتقف مثل عجلة كبيرة فتفرش الحنطة داخل الحوض الدائري تدوسها رحى الحجر الضخمة والثقيلة جداً . .
الصخورُ والأعمدة والأحجار مرمية بعشوائية مخجلة . والى جوار السياج شارع نظيف على ميسرته مطاعم ومقاه . تركنا الصرح العثماني وراءنا وغشينا مقهى نرتاح فيه ونفرغ سوائل بطوننا. ارتحنا فيه ساعة ونزفنا تعبنا ، ثم اعادتنا سيارة التاكسي الى الفندق . كان السائقُ نصف مجنون ، ساق بسرعة ، وطلب يوريين ، وحين وصلنا الفندق طلب 24 يورو …
وأمضينا ثلاثة أيام أخرى نرتاد المولات الكبيرة والأسواق . كنا متفرّجين وحسب ، فالأسعارُعالية جداً ، لذلك تبضعنا قليلاً ، هدايا للأقرباء والأصدقاء . وبرغم كثرة الأمكنة السياحية فلم نزر أيّ معلم ، فقد غشينا مرض خفيف جعلنا نُمضي جلّ وقتنا في الفندق وعلى الساحل الرملي نسترخي فوق مقاعد خشب نستمتع بضوء الشمس التي نفتقدها في ستوكهولم . في اليوم الثامن عدنا مساء . وتكررَ المشهدُ ذاته . سماءٌ صافية ، ونهر المدائن يمخر من تحتنا ، مدينة تستقبلُ أخرى وتُغادر ليجيء غيرُها . جرينا فوق عشرات المدن الليلية . في منتصف الليل كنا على ارض ستوكهولم ، فما اروع واطيب من ملاذ ،، وفي الواحدة والنصف صباحاً فتحنا باب شقتنا وامتلأت صدورنا برائحتها التي لا مثيل لها في أيّ صقع .
…………….
الصبحُ وما تلاهُ
بروح جماعية ينتشرون داخل المطعم ، السفرةُ مفتوحة على فطور الصبح ألواناً فألواناً ، وتغترفُ الملاقطُ والملاعقُ ما شاءت الرغبةُ ، أنا جلستُ اتطلعُ في الوجوه ، ابني وأمّه ذهبا يجلبان فطوراً لثلاثتنا .مرّت الى جواري بسمة ُالعاملة فملأتْ كوبي بالقهوة .قبالتي فتاتان اوروبيتان مستغرقتان في تناول الفطور .وعلى ميسرتي زوجان يحتسيان القهوة ويتحدثان بهمس ناعم . وخلفي ضحكٌ وصراخٌ نسائيان ، لا أعرف أشكالهن ولا عددهن ، لكن صخبَهن رجرج فراغ القاعة الفسيح .العاملون والعاملات في رواح واياب ، ياخذون الصحون الفارغة ويعودون بأخرى مليئة لكبار السن .كلُّ شيء في متناول الرغبة ، خذ كلّ ما تشتهي .. انتهينا من الطعام ، واحتسينا بقية قهوتنا ومضينا الى غرفتنا . التقط ابني لي صورتين في الشرفة المطلةعلى المدينة بعمائرها وشوارعها وغاباتها وجبالها المحيطة بها .ثمة ريح محملة بالبرد تجيء من الحديقة وحوض السباحة الأزرق الذي جرينا الى جواره قبل ولوج المطعم .وتمتعنا بمرأى النخلتين ، من أمد بعيد لم احظ بالوقوف جوار نخلة . ذكّرتني الصورة بأيامنا الماضيات يوم كانت لنا نخلة في بيتنا البصري واخرى في بيتنا البغدادي ، لكنْ حين حملت كلّ نخلة تمراً أخذتنا الغربة . بعيني رأيت عذوقهما الصفر والحمر .
لم نخرج بعد الى المدينة ،نيقوسيا ما زالت حلماً يرفُّ فوق رموشي ، سالجُ شرايينها دروباً وأزقة وأسواقاً .وانتقلُ الى الجانب التركي اقارن بين الوضعين . لكنّ همي يتمحورُ الآن حول مكتبة فيها كتب عربية . الا أنّه كان سراباً هلاماً ظلّ محض امنية مخنوقة فيّ ….