🌷🌷🌷🌷
يا جسرَ (بغداد) كم مرّتْ بكَ الغُرَبا
لكنْ بقيتَ طوالَ الدَّهرِ منتصِبا
تغفو على النهر .. لم تخضع لأوَّلِهم
ولم تحِد لحظةً مُذْ صِرتَ مُقْتَرَبا
ما بين (كرخٍ) بهِ يهوى أحبَّتُنا
وجهَ (الرُّصافةِ) ؛ كلٌّ ودَّ وانتسبا
فكان من كان يهوى العشقَ في ولهٍ
يمشي عليكَ .. يداوي النفسَ و العَصَبا
من أهلِ (بغدادَ) .. آنَ الخيرِ في زمنٍ
هم يعبرونَ لكي يهدوا لنا الرُّطَبا
وهم يجولونَ مثل النحلِ في شغفٍ
رهنَ العطاء .. وما منهم ضحىً تَعِبا
وكم تجلّى عليكَ البدرُ في أُفُقٍ
في الليلِ .. حتى أزاحَ العتمَ و السُّحُبا
وكم بقيتَ حديدياً بكَ اشتبكتْ
أقسى المعاول ؛ لكنْ شُلَّ مَنْ ضَرَبَا
راحوا جميعاً فلن يبقَوا على بلدٍ
فيهِ البطولاتُ .. كلٌّ طاحَ أو هَرَبا
تزهو بقيتَ على الشَّطَّين مبتهجاً
تستقطبُ الكُردَ و الأتراكَ و العَرَبا
لمّا أتاكَ (مغولُ) السُّحتِ في شَرَهٍ
لمّوا الدنانيرَ و النفطاتِ و الذَّهَبا
لمّا مشيتُ عليكَ اليومَ في أملٍ
أنْ ألتقيكَ ؛ رأيتُ العُجْبَ و العَجَبا
فما وجدتُ برأسِ الجسرِ من عشقوا
وما وجدتُ بنيناً يسندونَ أبَا
ولا وجدتُ على الأمواجِ نورسةً
تُحَلِّقُ الظُّهْرَ .. إلّا أُذعِبَتْ رَهَبا
ولا وجدتُ عيونَ الغيدِ ناظرةً
إلّا بكتكَ .. فجاشَ الجسرُ مُنتَحِبا :
قد ضيَّعوني ؛ فما ذنبي إذا اختلفوا
كيما يهدّونَ جسراً مشفقاً حَدِبا !؟
كم كنتُ لحناً رقيقَ العزفِ أُسمِعُهمْ
حتى أماتوا بيَ الإحساسَ و الطَرَبا
وكان يأتي من الشُّطآنِ في سَحَرٍ
صوتُ الرباباتِ ممهوراً بمن طَرِبا
وكان يسري غناءُ العشقِ مُنسَرِبا
مِنْ لوعةِ القلب منساباً و منسكِبا
ليوقظَ الشَّوقَ في أنياطِ سامعِهِ
فلا ينامُ .. فيأتي الصُّبحُ مُلتَهِبا
فتطلعُ الشَّمسُ بالإشراقِ ضاحكةً
لمّا ترَ الناسَ ذاتَ الناسِ مُذْ غَرُبا ..
أمسُ الأصيلِ على أفقٍ بهِ اجتمعا
العاشقانِ برأسِ الجسرِ و اقترَبا
تفجَّرَ الجسرُ وانهارتْ قوائمُهُ
لكنْ أعادوهُ في بغدادَ مُنتَصِبا
كيما يعودُ لنا ليلٌ يسامِرُنا
و يُرجِعُ الحُبُّ و الأحبابُ ما سُلِبا
وكلَّ مَنْ كانَ فوقَ الجسرِ نُرجِعُهُ
من عادَ بالحُبِّ مشتاقاً و مَنْ ذَهَبا