لعلي استطيع القول أن أفضل ما يمكن أن يدرس في مجال تعامل القيادة الدينية مع الواقع في ظل وجود حاكم ظالم يحكم بالنار والحديد، هي الرسالة التي ظهرت بعد سقوط النظام، ونشرها بعضهم لمحاولة تسقيط اليعقوبي بدواعي انه متعاون مع النظام السابق. وهي رسالة موجهة بحسب الظاهر من الشيخ اليعقوبي إلى (عزيز عبد الصمد الراوي) مدير شعبة الدراسات السياسية الخاصة بشؤون المرجعيات. فضمَّت هذه الرسالة بين أسطرها أروع الدروس للتعامل مع الظرف الذي كان يحيط بالحركة الإسلامية وقيادتها. ومن اللطيف ذكره أن أحدهم جاء بهذه الرسالة إلى الشيخ اليعقوبي وطلب منه مليون ونصف دينار عراقي كي لا تنشر وكان يظن انه سيرضخ لهذا الابتزاز، إلا انه قال : أنا أعطيك أموالا لكي تنشرها لأنها تثبت مواقفنا في تلك المدة التي كان فيها الجميع سكوتاً لا ينبسون ببنت شفة.[1]
قبل الدخول في الكلام عن تفاصيل هذه الرسالة لا بد لنا من الحديث عن الظروف التي دعت الشيخ اليعقوبي لإرسال هذه الرسالة. وهي أن الأجهزة الأمنية للنظام الحاكم بدأت باعتقال العديد من تلامذته بحجة إنهم ينشرون الاستفتاءات التي تصدر منه وكذلك المنشورات الصادرة عنه أيضا، ومضايقتهم بشكل واضح، وهم الذين كانوا يمثلون الحلقة الوسطية بينه وبين المجتمع.
تحدث الشيخ اليعقوبي في رسالته هذه عن احترامه للدولة ومؤسساتها، وقد كان دقيقا في تعبيره عندما ميز بين الحكومة والدولة، فالدولة هي مجموعة المؤسسات التي تدير شؤونه ولولا هذه المؤسسات التي تنظم شؤونه لاختلط الحابل بالنابل، بالإضافة إلى الإقليم الذي يعيش عليه هذا الشعب الذي تقام عليه هذه المؤسسات، وهي من الثوابت التي لا تتغير. أما الحكومة فهي مجموعة أشخاص أو أحزاب سياسية هي التي تحكم البلد سياسيا، أو هو النظام السياسي الذي يحكم البلد، وهي متغيرة وليست ثابتة، والثابت فيه حتمية وجوده أما شكله فمتغير، فمثلاً العراق عندما أصبح دولة حديثة كان نظام الحكم فيه ملكيا، ثم انقلب إلى جمهوري وجاءت حكومة جديدة ثم أطيح بهذه الحكومة وجاءت حكومة البعث ثم سقطت وجاءت حكومات غيرها. أما الدولة فمؤسساتها ثابتة لا تغير فيها فولاء هذه المؤسسات ليس للحكومة وإنما هي تعمل مع كل الحكومات المتعاقبة.
ولم نجد أي واحد من المراجع الذين عاشوا في العراق لم يتعامل مع هذه المؤسسات، بدليل انهم إذا احتاجوا إلى أي وثيقة رسمية فإنهم يراجعون المؤسسة المختصة، أو يرسلون شخصاً يمثلهم إلى المؤسسة المعنية لانجازها. وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان. وتوجد استفتاءات صدرت من بعض المراجع في هذا الشأن.
قد يصل الأمر إلى أبعد من ضرورة احترام المؤسسات التي تكوِّن بمجموعها الدولة، بل وجوب الحفاظ على المؤسسات لأنها تساهم في قوة ومنعة المؤمنين، وكلما قويت هذه المؤسسات فإن الإسلام سيظهر بمظهر القوة التي يرهب بها الأعداء.
ولنا أن نفهم من سيرة الأئمة (عليهم السلام) كيف كان لهم الدور الرئيسي في الحفاظ على الدولة. فقصة عبد الملك بن مروان التي جرت مع ملك الروم عندما أراد أن يسك نقودا فيها هتك لحرمة رسول الله (صلى الله عليه واله)، فكان المنقذ للدولة هو الإمام الباقر (عليه السلام).[2]
فلاحظ كيف ان الإمام (عليه السلام) أنقذ الدولة الإسلامية ولم يكن يلحظ في ذلك مدى انحراف رئيس الحكومة، لان حفظ كيان الدولة من المسؤوليات الضرورية الملقات على عاتق من يشعر بالمسؤولية تجاهها.
وعند سقوط الشاه الذي كان يحكم إيران، لم تتهدم الدولة أي إزالة المؤسسات، بل تم الحفاظ عليها واستقوت بها الحكومة التي حكمت بعده.
ولا أبالغ إذا قلت إن الحالة المتردية التي يعيشها الشعب العراقي بعد سقوط نظام صدام، هي بسبب إسقاط الدولة وليس الحكومة فقط. لأنهم عمدوا إلى أهم المؤسسات التي تشكل الدولة وأزالوها من الوجود، فاحتاج السياسيون بعدها إلى البناء من نقطة الصفر، وهذه العملية أي استرداد مؤسسات الدولة إلى حالتها الطبيعية استلزم التضحية الكبيرة والوقت الطويل والأموال الطائلة. والذي يُعتقد أن هذه العملية التي أرجعت الدولة إلى البدائية مقصودة وليس اعتباطية، والسبب إنهم أرادوا للعراق الجهل والتخلف والانشغال بدوامة اسمها الاتهامات المتبادلة واللهث وراء تحصيل المكاسب من جراء تسابق البُناة الجدد للعراق.
بعد ذلك ينتقل الشيخ اليعقوبي في الجزء الآخر من الرسالة إلى مسألة مهمة أراد أن يغلق بها الباب على المسؤولين عن اعتقال بعض الطلبة. استشهد اليعقوبي بان كتبه لم تطبع إلا بعد أن يطلع عليها المختصون في الحكومة العراقية. ولم يكن هو أول من فعل ذلك بل كل من سبقه كان يأخذ الإجازة من وزارة الإعلام أو الثقافة، كي يمكن تواجدها في الأسواق؛ لان الكتاب الذي لا يحمل رقم إجازة ورقم إيداع في المكتبة الوطنية فانه سيسبب المشاكل الكثير للمتلقي والبائع. لاحظ كل كتب المراجع الذين سبقوه أو الذين عاصروه فإنها تحمل رقم إيداع ورقم إجازة.
بعد هذا الجزء يبدأ الشيخ اليعقوبي بنبرة التهديد وكل عاقل يمكنه ملاحظة هذا التهديد، وفعلا فإنهم فهموا واستوعبوا ما ذكرهم به. وقد ضيق عليهم الخناق بوضعهم بين نارين اما أن يمنعون إصداراته التي تعالج المشاكل الاجتماعية والتي تسير بالمجتمع نحو نجاحه بالجهاد الأكبر وهو الأهم بنظر اليعقوبي وهم يخافون من تنامي الوعي لدى الشباب واندفاعهم نحو الالتزام بالمبادئ والقيم السامية، التي تجعل منهم قنبلة موقوتة يمكن انفجارها بوجه الظلمة في أي لحظة. وبين ورود الاستفتاءات والكتيبات التي تحرض الشباب على رفع السلاح واستخدامه كعلاج للوضع المتردي، من دون المرور بمرحلة الجهاد الأكبر الذي يضمن النجاح في الجهاد الأصغر واعتدال مسيرته بالشكل المطلوب. وقد ذاق أزلام النظام مرارة العيش من جراء غضب الشارع الإسلامي بعد استشهاد الصدر الثاني، فهم يحاولون جاهدين أن لا يثار الشارع ضدهم.
وفعلا أرغمهم الشيخ اليعقوبي على القبول بما رأوه هم أفضل بالنسبة لهم، وهو ترك اليعقوبي يعمل وان كان ليس بالحرية الكاملة.
ولعل ما حصل مع الشيخ اليعقوبي والموقف الذي وقعت فيه الحكومة العراقية يشابه إلى حد ما، ما مرت به سابقا عندما فسحت المجال للشيوعية أن تنتشر في العراق، إلا أنها أصبحت تمثل خطراً عليها وأرادت الحكومة أن تقمعها لكنها اختارت طريقا يختلف عن طرقها المألوفة. فوقع الاختيار على كتاب (فلسفتنا) لمحمد باقر الصدر لتجهز على الشيوعية، لكن الكتاب الموسوم يضرب النظرية الاشتراكية أيضا وهي النظرية التي يتبناها حزب البعث ( فكان من غير المنطقي أن تسمح السلطة بتداول كتاب (فلسفتنا) بشكله الحالي من دون إجراء تعديلات عليه تنسجم مع طبيعة متبنياتها الفكرية. فبعثت مدير الأمن العام فاضل البراك ليبحث مع السيد الشهيد (رضوان الله عليه) فكرة السماح بطبع كتاب (فلسفتنا) بعد إجراء تعديلات عليه. وكان السيد الشهيد يعلم بالمأزق الذي وقعت السلطة فيه، إلا انه تجاهل ذلك أمام فاضل البراك، واخبره بأنه لا يشعر بضرورة لطبع كتاب (فلسفتنا)، إلا أن فاضل البراك أصر على طبع كتاب (فلسفتنا)، مبرراً ذلك بان الفكر الإلحادي بدأ يتفشى في العراق، ولا بد من مواجهته بكل الوسائل المتاحة. وقد تحدث البراك عن أهمية هذا الموضوع، وعن اهتمام (القيادة) به.
وأحسّ السيد الشهيد (رحمه الله) بان السلطة مصممة على تنفيذ هذه الفكرة، وسواء أقبِل بذلك أم لا فإنها ماضية في عزمها. ولكن هل الأفضل أن يترك السلطة تتصرف بالكتاب كيف تشاء، أو أن يختار بنفسه الجزء الذي سيحذف الذي لا يؤثر كثيرا على ما استهدفه كتاب (فلسفتنا) من حقائق؟.
ووجد أن الخيار الثاني هو الأفضل، وعلى هذا الأساس جرى الحديث مع البراك على المقدار الذي سيحذف من الكتاب، وان الإشراف على طبع الكتاب يجب أن يكون للسيد الشهيد.
ووافق فاضل البراك على هذه الشروط، وطبع الكتاب في مطبعة الميناء في بغداد).[3]
لعل بعضهم تصور أن هذا اعتراف من السلطة بعلمية الصدر! إلا أن الدافع الحقيقي للسلطة هو محاربة العدو بأي سلاح تراه ينفعها ويؤدي الغرض. والصدر لم تمر عليه هذه اللعبة، إلا انه مررها لتقليل الخسارة التي يمكن أن تنتج من اتخاذ الحكومة للخطوة التي اجبروا على اتخاذها.والموقف نفسه هذا واجه الحكومة مع الشيخ اليعقوبي، لكن الفرق في هذه المرة هو أن الشيخ اليعقوبي يمسك بزمام الأمور (من هذا الجانب) وما على الحكومة إلا أن ترضخ له.
في نفس هذا الجزء من الرسالة يثبت للجميع مدى تأثير الشيخ اليعقوبي في الساحة العراقية وكيف أن إصداراته المكتوبة والمسموعة كانت تحتل المرتبة الأولى لدى المجتمع الإسلامي والثقافي، وإنها طغت على كل ما كان موجوداً ـــ إن جاز لنا أن نقول ذلك ــــ علما أن تلك المدة قد خيم فيها الصمت على الجميع.
ومن الغريب أن هذا الدور قد تناساه الكثير ممن كان يشهد بدور الشيخ اليعقوبي في إدارة تلك الفترة وغزارة نتاجاته بعد أن سقط النظام في 2003.
بعد أن قدم الشيخ مقدمة طمأنت الجهات الأمنية ومن يقودها، وعرض حجم الخطر الذي يمكن أن تتعرض له الحكومة باستمرارها في الاعتقالات ومحاولة التضييق على العاملين، جاء القرار الذي اتخذه الشيخ اليعقوبي في النهاية وهو على قسمين :
الأول : انه لا يمكنه أن يتخلى عن وظيفته الشرعية في قيادة الأمة والتصدي لكل ظاهرة اجتماعية منحرفة، والإجابة عن كل ما يصل إليه من استفتاء، ولا الثلة الذين نذروا أرواحهم فداءً للدين والمذهب يمكن لهم أن يتقاعسوا عن الوقوف إلى جنبه ونصرته بكل استطاعتهم، وهو إشعار منه إلى الحكومة بأنه يقود مجموعة من رجال الدين والشباب الرسالي همه إنقاذ الأمة من الواقع المأساوي الذي يعيشه تحت سطوة الجبابرة، وهذا يعني بأنه ليس وحده.
الثاني : إن كل من يتحرك في الساحة العراقية ويؤثر فيها فانه من أتباعي وليس غير، حيث قال : ( نعم يوقفها كلام مني إن حصلت القناعة بذلك).
وفي المحصلة النهائية حصل الشيخ اليعقوبي على بعض المكاسب التي يحفظ بها المؤمنين وفي الوقت نفسه الاستمرار في دعم الحركة الإسلامية، مع العلم أنه كان بإمكانه أن يفعل كما فعل غير، يغلق بابه ويترك المجتمع. إلا أن هذه الطريقة في التعامل لا تليق بالقيادة الدينية الحركية.
بعد هذا الكلام الذي تقدم وهو مختصر بشكل واضح، أيصح أن يتهم هذا الشيخ بتعاونه مع النظام البائد كما حاول بعضهم أن يقول ذلك؟.
الحقيقة إن هذه الرسالة تستحق أن تُدرس لكل القادة ليتعلموا كيف يكون التعامل مع الظرف الذي عاشه الشيخ اليعقوبي والشعب العراقي في ظل حاكم جائر.
ولو تتبعنا سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لوجدنا رسائل يكون وقعُها أكثر مما مَرَّ بنا، والهدف منها هو اما الحفاظ على الإمام نفسه من بطش الظالمين، أو الحفاظ على الثلة المؤمنة، أو كليهما معا. وربما لو وقعت بعضها بأيدي من يحقد عليهم لبدأ بالتشنيع عليهم وحاول أن يسقطهم؛ لأن شيعتهم كانوا يظهرون للآخرين من خلال نقاشاتهم ومناظراتهم أن الأئمة يعادون الظلمة ويحاربونهم ولا يقبلون بوجودهم لو ثنيت لهم الوسادة.
ولنقرأ هذه الرسالة التي أرسلها الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى الثائر العلوي يحيى بن عبد الله صاحب الديلم جاء فيها : (أما بعد فإني أحذرك الله ونفسي وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه ، وتكامل نقماته ، وأوصيك و نفسي بتقوى الله فإنها زين الكلام وتثبيت النعم ، أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع وأبي من قبل ، وما سمعت ذلك مني وستكتب شهادتهم ويسألون ولم يدع حرص الدنيا ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم، حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم وذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك وما منعني من مدخلك الذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة ولا قلة بصيرة بحجة ولكن الله تبارك وتعالى خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما ما العترف في بدنك وما الصهلج في الإنسان، ثم اكتب إلي بخبر ذلك وأنا متقدم إليك أحذرك معصية الخليفة و أحثك على بره وطاعته وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان ، فتروح إلى النفس من كل مكان ولا تجده ، حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول الله والسلام على من اتبع الهدى ، إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى .
قال الجعفري : فبلغني أن كتاب موسى بن جعفر عليه السلام وقع في يدي هارون فلما قرأه قال : الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو برئ مما يرمى به )[4].
ومن المقطوع به أن الإمام (عليه السلام) كان عالما بأنها ستقع بيد هارون العباسي. وهي فعلا أدت الغرض الذي كان يبتغيه الإمام منها. لكن السؤال هنا إنها لو وقعت بأيدي شيعة مستوياتهم ضعيفة ولم يدركوا الأبعاد التي كان يرمي لها الإمام، فماذا سيكون ردهم وكيف سيتصرفون؟، استطيع أن اجزم بأنهم سيسيئون الظن بالإمام، ولعل بعضهم سيستخدمها لتسقيطه أمام شيعته.
كما إن الإمام الهادي (عليه السلام) كتب إلى المتوكل بعد أن سعى به عبد الله بن محمد الذي كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول عليه السلام، وكان يقصده بالأذى، وبلغ أبا الحسن سعايته به، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد ويكذبه فيما سعى به.[5]
وهذا موقف آخر من مواقف الأئمة (عليهم السلام) ودرس جديد في سياسة الأمة التي تستحق أن تدرس. وبعد هذا أيصح أن يؤاخذ من أراد أن يحفظ دماء المسلمين ويسير بالحركة الإسلامية نحو بر النجاة؟.
ومن الموارد التي ينبغي ملاحظتها في هذه الرسالة أنه رفض أي دعم من قبل الحكومة التي ربما تجعله سبباً لاستغلال المرجعية.
* من كتاب تاريخ الحركة الاسلامية
[1] ـ حدثني بذلك الشيخ اليعقوبي. عبد الهادي الزيدي.
[2] ـ (ذكر الدميري الشافعي في حياة الحيوان في ترجمة عبد الملك بن مروان قصة جرت بينه وبين ملك الروم وفيه أن الملك هدده في كتابه اليه وكان فيه ولآمرن بنقش الدنانير والدراهم فإنك تعلم انه لا ينقش شئ منها الا ما ينقش في بلادي ولم تكن الدراهم والدنانير نقشت في الإسلام فينقش عليها شتم نبيك إلى أن قال فلما قرء عبد الملك الكتاب صعب عليه الامر وغلظ وضاقت به الأرض وقال أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام لأني جنيت على رسول الله صلى الله عليه وآله من شتم هذا الكافر ما يبقى غابر الدهر ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب إذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم ودراهمهم فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به فقال له روح بن زنباغ انك لتعلم المخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه فقال ويحك من فقال عليك بالباقر من اهل بيت النبي صلى الله عليه وآله قال صدقت ولكنه ارتج على الرأي فيه فكتب إلى عامله بالمدينة ان اشخص إلى محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام مكرما ومتعه بمئة ألف درهم لجهازه وبثلاث مئة ألف درهم لنفقته وأرح عليه في جهازه وجهاز من يخرج معه من أصحابه وحبس الرسول قبله إلى موافاة محمد بن علي عليهما السلام فلما وافاه أخبر الخبر فقال له محمد عليه السلام لا يعظم هذا عليك فإنه ليس بشئ من جهتين إحديهما ان الله عز وجل لم يكن ليطلق ما يهدد به صاحب الروم في رسول الله صلى الله عليه وآله والأخرى وجود الحيلة فقال وما هي قال عليه السلام تدعو هذه الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير وتجعل النقش فيها سورة التوحيد وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما في وجه الدرهم والدينار والاخر في الوجه الثاني وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي يضرب فيها تلك الدراهم والدنانير وتعمد إلى وزن ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل وعشرة منها وزن ستة مثاقيل وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل فتكون أوزانها جميعا أحدا وعشرين مثقالا فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل وتصب صنجات من قوارير لا يستحيل إلى زيادة ولا نقصان فتضرب الدراهم على وزن عشرة والدنانير على وزن سبعة مثاقيل وكانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسروية التي يقال لها اليوم بغلية لان رأس البغل ضربها لعمر بسكة كسروية في الإسلام مكتوب عليها صورة الملك وتحت الكرسي مكتوب بالفارسية ( نوش خور ) ( اي كل هنيئا ) وكان وزن الدرهم منها قبل الإسلام مثقالا والدراهم التي كان وزن العشرة منها ستة مثاقيل هي السمرية الخفاف ونقشها نقش فارس وأمره محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ان يكتب السكك في جميع بلدان الإسلام وان يتقدم إلى الناس في التعامل بها وان يتهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكة من الدراهم والدنانير وغيرها وان تبطل وترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكك الإسلامية ففعل عبد الملك ذلك إلى آخر ما قال).مستدرك الوسائل ، الميرزا النوري، ج7، ص 84 ـــ 86.
[3] ـ الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام الحصار، محمد رضا النعماني، ص 74.
[4]ـ الكافي ، ج 1، ص 367.
[5] ـ الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 309.