الذهب الأسود:
في تقارير متعددة متشابهة ومقالات ذكر أنه في عام 1944، وعندما بدى انتصار الحلفاء واضحا، اجتمعت 44 دولة في ولاية نيوهامشر لتناقش موضوع العملة لضبطها. ونلاحظ من هذه الجملة أهمية العملة واستقرارها بعد الاضطرابات خصوصا وأن الدول كانت تعوم عملاتها الى عملات أخرى كما يحصل اليوم، واتفق على نظام يسمى (بريتون وودز) حيث أنشئ صندوق النقد الدولي لتحديد السيولة للعملات وقرنت بالدولار الذي قرن بالذهب حينها، فأصبح الذهب هو المعيار عمليا للنقد وكانت أوقية الذهب تساوي 35 دولار، وأعطيت ميزة تغيير سعر القيمة هذا لموازنة المدفوعات وصندوق النقد الدولي.
في عام 1971 فكت الإدارة الأميركية ارتباط الدولار بالذهب فلم يعد الدولار مقوما بالذهب، لكنه استمد قوته من الطلب لكونه العملة التي يتم التبادل التجاري الدولي، وبالذات النفط (الذهب الأسود)، الذي لا تكتفي منه الدول الصناعية ذاتيا. ولو رأينا واقعنا اليوم، وبعد كشف الغطاء الذي حدث في الحرب على أوكرانيا، سنجد أن العولمة أضعفت الدول العظمى الغربية بالذات وذلك لأنها لم تقم صناعاتها كاملة وإنما أجزاء تصنع حول العالم، ومنها دول تعتبر منافسة قد تتحول إلى عدو يوما ما كالصين وحتى تايوان إن دخلت في حياض الصين، وروسيا اليوم وسيطرتها على الطاقة وخاصة الغاز الذي تتدفأ به وتطبخ وتصنع أوربا.
الدولار اكتسب معظم قوته من خلال نفط الخليج الذي يباع بالدولار وتوافق العالم على هذا فاصبح الدولار مطلوبا وبالتالي فيعتبر نفط الخليج داعما لقوة الدولار الذي يعرف قيمة حتى عملات الخليج من خلال صندوق النقد الدولي ، على الرغم من أن صرف الريال السعودي والإماراتي والقطري وعموم عملات بلدان الخليج متقارب بالنسبة للدولار إلا أن أي من عملات الخليج لم تتخذ عملة تجارة عالمية وهو امر ممكن؛ وأثناء كتابتي للمقال، كنت أدقق ما توارد عندي من أفكار، فوجدت أن هنالك من تناول موضوع العملة الخليجية وتوحيدها بشكل أكاديمي وفي عدد من المقالات والبحوث الاختصاصية، بيد أنى اليوم أكرر ما كتبته في عدد من المقالات حول (عملة نفط الموحدة) والتي لا تقول بتوحيد عملة مجلس التعاون الخليجي فحسب بل ربطها بالنفط وجعلها عملة التبادل التجاري مع المنطقة ككل والعالم، ومنطقتنا مستهلكة للمنتجات ولكنها تنتج الذهب الأسود.
الدولار بغير الذهب:
الدولار بغير الذهب ورقة خضراء تعتمد في قوتها أساسا على التبادل التجاري والنفط بالذات، وهذه قوة خليجية في الأساس، لا بد أن تستثمرها دول مجلس التعاون الخليجي، والا فكلفة ورقة عملة 100 دولار الحقيقي هو 9 سنت في العملة القديمة و13 سنت في العملة الجديدة، أي 0,13% من قيمتها الورقية والمدعومة من النفط أو ما يمكن كتابتها 0,0013 كرقم، وبإمكاننا معرفة العوائد الناتجة من الفرق بالكلفة والقيمة التي وضعتها التعاملات التجارية فيها والتي تستحقها عمليا دول الخليج.
الوضع الدولي والتموضع لدول الخليج في النظام العالمي الجديد مهم جدا ولا بد إن يحسب الموقف المتخلي عن دول الخليج لولا ظهور أهميته بالنسبة للطاقة بعد حرب أوكرانيا الحالية، لهذا فلا بد أن يُحفّز المفكرون والمفكرون الاقتصاديون أيضا لبناء استراتيجية واضحة لدول مجلس التعاون التي هي ما نقوله دائما الدول الأكثر تأهيلا إن رمم المجلس وأعيد أحياؤه كنواة لاتحاد (عربي) واسع اقتصادي وسياسي لاحقا وبنيت توافقات مصيرية بين أعضائه لان قوتهم تستند إلى اقتصادهم ومدى إمكانية الحفاظ على استقرارهم لذا فهم بحاجة إلى
أذرع وعلاقات استراتيجية مع دول المنطقة كتركيا مثلا لكونها دولة صناعية وتمثل ربطا غير مباشر بالناتو مما يوفر حماية قوية ذاتية تقريبا وهذا يحتاج إلى إعادة نظر وإعادة تنظيم ضرورية في دول مجلس التعاون إن أرادت هذه الدول أن تكون لها كلمة نافدة وذات نفوذ في النظام العالمي القادم والذي سيمر بفوضى أصلا تحتاج تكاتف لهذه الدول مع بعضها وإسناد وديمومة موارد قوتها.
واستقلال اقتصادي متمثل بالعملة أولا للبحث عن موضع لإحداث التوازنات وكسب الحلفاء بطريق ذكية وليس بالاستقطاب لاحد أقطاب الفوضى القادمة بقيادة راسها مجلس التعاون الخليجي.
أن ما مطلوب فعلا هو تغيير كبير وإعادة رسم المسارات بكل الفقرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعلاقات ونوعها وكيفية التماهي مع الأحداث للخروج بأقل الخسائر مع أكبر أرباح ممكنة في التصدر للقرار العالمي الذي تستحقه المنطقة ممثلة بمنظومة لها هيكلية ولكن تحتاج إلى تفعيل حقيقي.
الكلام لن يتقبله الجميع:
اعلم إني أتكلم خارج السياقات وما بنيت عليه السياسات وخارج القناعات وتصور أن هذا العمل يحمل من الخطورة والمعاناة؛ نحو من سيتركك تفعل أو من سيسكت، بيد أن واقع الحال من يدفع دول النفط باتجاه عملة يدعمها النفط وتحرك التجارة بشكل مضمون القيمة.
لكن هذا نوع من المخاوف التي يولدها الخيال تماما كما ولد هذا المقال الخيال، لكن بين الخيال والخيال ظرف مواتي حاكم وتخطيط محكم لان المسالة مصيرية ووجودية أن كان قرار وجودك كنظام ودولة بيد غيرك ويساوم عليه القوي ولا تعلم إن كان يضعك في الخسائر والأرباح، وامتلاك المصير ليس سهلا في هذه الظروف ولكنه ليس مستحيلا أن أُحسن التخطيط وأعيد النظر بالسياسات الداخلية والخارجية وتمهد لإصلاحات تعطي الديمومة للنظم ويصبح السؤال ما الذي سنقدمه للعالم من جديد الابتكارات.