حلم حلما واخبر به قائلا :
انه رأى في عالم الاحلام رجلين يسطع النور منهما ويرتديان ملابس خضراء من الحرير وقد راحا يحدثانه واخبراه بأنه عند الفجر سيكون عندهما وحين سألهم عن نفسيهما اخبراه بأنهما النبي الكريم محمد (ص) والامام علي (ع).
تفرس محمد بوجهه مليا وكان احمد طريح الفراش في المستشفى اثر اصابته بحروق بالغة الخطورة وقد مضى على اصابته ثلاثة ايام هي ايام الخطر التي حددها الاطباء وراح يتساءل مع نفسه وفي قلبه الم عظيم زاده الخو ف والتوجس نتيجة الحلم الذي اخبره .
رفع محمد يديه للدعاء بينما استسلم أحمد لسنة من النوم سكنت بعض الشيء من روع اخيه وراح يتأمل جسم اخيه الذي حولته النار الى تفحم وقروح واورام ضاع فيها وتلاشي ذلك الجمال الذي كان لثلاثة ايام خلين مشرقا ومتألقا ….
هاتان اليدان هما اليوم سوداوان كأنهما عيدان حطب اخمد ت عنهما النيران هما هما اللتان كانتا قبل ثلاثة ايام تقومان بأروع الاعمال في عمل مضن وشاق من اجل كسب لقمة الحلال الخبز الطيب والكسب الطيب للأسرة والاولاد …………..
اهو القدر الذي جعله عاملا في هذه الشركة ليلقى حتفه اثر قيامه بتنظيف المخزن الذي تكدست فيه الآلات المطلوبة للعمل .
تساءل محمد مع نفسه ولكنه نفى ان يكون هذا هو السبب فليس لهذا الامر من صلة بما وقع لأخيه اذ لم تكن هي المرة الاولى التي يقوم بها بالتنظيف وسط تلك الآلات .
هتف لنفسه ان المخزن في الطابق الارضي (السرداب) وقد تم تنظيفه بمادة البنزين قبل يومين وكان أحمد نفسه هو من قام بالتنظيف فماذا حدث…؟
لاشك ان التنظيف بمادة البنزين هو السبب إذ تجمعت الغازات في ذلك الحيز تحت الارض ولم تأخذ الوقت الكافي للنفاذ الى الخارج باعتبار مادة البنزين مادة طيارة تنتشر لأبعاد مختلفة وكان أحمد يعرف هذا …اذن كيف اقدم على هذا الامر.. ؟
وهتف مع نفسه من جديد:
انه القدر …حقا اذا جاء القدر عمي البصر لم تقال تلك الكلمات عن فراغ.
وحين سئل محمد عن سبب الحريق اخبروه بأن أحمد اراد تشغيل الة التنظيف فخرجت منها شرارة احدثت ذلك الحريق الهائل فأسرع أحمد بالخروج صاعدا السلالم الى الطابق الاول ولكنه اصطدم في اعلى السلم بأحد الصناديق الموضوعة فسقط الى اسفل السلم من جديد وقد تناوشته النار لكنه كر صاعدا واستقبله صديقه ومزق عنه ملابسه المحترقة وحمله الى كومة من التراب مرغه فيها ليتم اطفاء النيران ومن ثم حضرت الاسعاف وحمل الى المستشفى وادخل هذه الردهة التي لا يدخلها الا من كانت حالته على درجة بالغة الخطرة وربما انتهت بالموت.
شعر محمد بنصل سكين حاد يخترق قلبه وتعاظمت هواجسه سيما وان درجة خطورة الحرق بلغت 80% فهل هناك من بارقة أمل ……………؟
مسح دموعا انهمرت على خديه وهتف بصوت حزين …………..يا الله…..
ايقظه من ذلك الهاجس صوت ضحكة طويلة ضحكها اخيه احمد الذي كان مستسلما لسنة من نوم بعد اخذ العلاج والحقن .
قام محمد من مجلسه وتفرس في وجه اخيه الذي غطت اللفافات جانب منه فإذا اخيه ينظر اليه ويبتسم ثم يهتف متمتما:
لا تفزع يا أخي الزم الهدوء والسكينة فقد رأيت مكاني الذي سأصير اليه انه جميل جميل جدا بل رائع الجمال ..
ترقرقت عينا الاخ بالدموع بينما واصل أحمد حديثه:
لقد جاؤوني هذه المرة واروني مكاني وقيل لي انك عند الفجر ستصير الينا واضاف بعد لحظة :
حتى ابي الذي رحل منذ سنين كان معهم .
…عجز محمد عن الصبر وعن تحمل سماع هذه الكلمات لكن أحمد لم ينه حديثه اذ واصل القول:
لقد رأيت ابي أجل يا أخي محمد …رأيت ابي الراحل وهو يستعجلني الوفود اليه.
اجهش محمد بالبكاء فما من صبر يستطيع ليكتم بكاءه ان اخيه ينعى نفسه اليه فكيف بالصبر كيف …؟
حين سمع احمد صوت بكاء اخيه ونشيجه وجه اليه سؤاله :
هل يبكيك ان اكون سعيدا قرير العين ….؟
لا….لا …ستكون بخير لا تفكر بهذه الصورة …ستكون بخير وستتعافى لم يعد عليك من بأس.
كان يعلم حين قال هذه الكلمات انها ليست الحقيقة فالحقيقة غاية في الخطر وغاية في الالم.
مضت فترة من الصمت كان يسمع وجيب قلبه ونفسه منقبضة فما عاد من يقين الموت القريب شك فناجى ربه بعبارة الدعاء :
( اللهم لا تحملنا ما طاقة لنا به )(اللهم انا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه)انك سميع مجيب وانت ارحم الراحمين وخير المسؤولين.
نظر الى اخيه فاذا هو يرفع يده الى فمه ويرشف كمن يشرب من كأس فسأله مستفسرا بنبرة حزينة :
ما هذا يا أخي ….؟
اجابه انني شربت الكأس التي قدمها لي نبي الرحمة ……..!!!!!!!!!!!!!!!
ثم ما لبث ان مديده بأصابع مضمومة كمثل ضمة الاصابع على كأس وهتف خذ …واستطرد موضحا هذه هي الكأس .
مد محمد يده وتناول من يد اخيه حزمة من الفراغ فما كانت اليد تحمل كأسا لكن الكأس كان في روح وفكر أحمد الذي انتقل الى رحمة ربه فجر ذلك اليوم الكئيب .
مضى الى ربه الرحمن الرحيم .
مضى شهيد لقمة العيش الحلال فهو لآخر لحظة من حياته ما ادخر وسعا من اجل كسب الرزق الحلال وتوفير احتياجات الاسرة ويشهد الجميع انه كان مخلصا في اداء العمل ووافاه الاجل وهو في ساحة العمل كادحا فهو عند ربه محتسب شهيد كما اخبر عن ذلك ابي عبد الله عليه السلام قال:
(الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)