كان إنتخاب رئيس جديد لجمهورية العراق مناسبة ليؤكّد فيها الرئيس مسعود بارزاني من خلال رسالة وجهها الى الرأي العام أهمّية منصب رئيس الجمهورية، ودوره في حماية الدستور والسهرعلى تطبيقه، فضلا عن حماية مكاسب العراقيين والكوردستانيين المتحققة خلال السنوات الماضية، ومواجهة التحديات الملحة الآنية والمستقبلية التي تهيء المناخ السياسي الجديد الذي يضع حداً للمعوقات والأزمات والذي يمكن أن يحافظ فيه على مصالح جمهورية العراق الاتحادي الفدرالي وإقليم كوردستان.
ركز الرئيس في رسالته على فشل المحاولات العديدة التي جرت لمصادرة إرادة وحقوق الشعب الكوردستاني، وفرض شخص خارج إجماع الكوردستانيين وإرادتهم، وعدم السماح بتجاهل تلك الإرادة الصلبة، مؤكداً على أن الأهم بالنسبة للكورد من المناصب والمراتب هو ما يتعلّق بـ”بالمبدأ”، الذي نجح في عدم القبول بفرض أي شخص خارج إرادة الشعب الكوردستاني ليصبح رئيساً لجمهورية العراق.
لقد صارح الرئيس بارزاني الرأي العام بشأن ما تفرضه العملية السياسية في المرحلة المقبلة التي ستكون صعبة للغاية، والتي لايمكن تحصينها وحل جميع إشكالاتها إلا بإتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاستباقية، ودراسة أبعاد وأسباب كل مشكلة والتفاصيل المتعلقة بها ومضاعفة الجهود الجدية لرفع العراقيل والإبتعاد عن المواقف الاعلامية الإستهلاكية والمزايدات السياسية التي لا تغير شيئا من المعادلات السياسية.
أما الذي كان لافتاً، فهو خلو الرسالة ولو بالإشارة الى إسم الرئيس السابق للجمهورية الذي توهم أنه يستطيع أن يسير على مناوراته وأخطأ في حساباته وراهن على غير الكوردستانيين في سبيل نيله للموقع قبل أربع سنوات وفي سبيل البقاء فيه للفترة المقبلة، والذي أتكل على توازن لم يعد موجوداً، وعلى عوامل عدّة سمحت له في العام 2018 بتحقيق شبه فوز أو شبه إنتصار لا يمكن إستثماره بعيداً عن البيت الكوردي، أو الدخول في مساومات تخلط بين المسموح والمحظور.
لهذا التجاهل للرئيس الخاسر أسباب منطقية وأخرى واقعية. كما لعدم التطرق الى الرئيس المنتخب، أهمّية خاصة في عالم السياسة المليء بالتعقيدات، وفي إختلاف حسابات البيدر مع الحقل، وفي تغيير ما هو غير مشروع، والتصميم على إعادة ما هو مسروق، والتأجيل في التطرق الى الرئيس المنتخب في أقل تقدير الى بعد مئة يوم من تاريخ إستلامه لمفاتيح قصر السلام.
وأخيراً يمكن التأكيد على أن الرئيس الخاسر لم يتوقع الصدمة التي جاءته، ولم يعرف ان العراقيين عموما والكورد بشكل خاص تيقنوا من أنه لم يرس أسس الديقراطية ولم يفهم معانيها وما زال بعيداً عن التقرب من مقوماتها وتقاليدها، بل لم يحترم القانون والاقوال والوعود واللياقة وحسن التصرف. ورفض التسليم بالأمر الواقع أو حتى مراعاة ذلك الشىء الذي يسمى (بروتوكول)، وضرب عرض الحائط كل القيم والأعراف الديمقراطية التي صدع بها رؤوسنا طوال السنوات السابقة. وأن ما لم يفهمه على وجه التحديد قوة الذين تحداهم ومكانتهم .