إن الإحاطة التي قدمتها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت والتي تضمنت بالمختصر: (أن النظام الحاكم يعمل ضد الشعب وأشخاص هذا النظام جميعهم فاسدين).
لا تفسر هذه الإحاطة إلا كونها التهرب من المسؤولية أمام المجتمع داخل العراق وخارجه لان هذا “النظام السياسي” والطبقة الحاكمة كافة جاؤا بإرادة قوات المارينز الأمريكية وبريطانيا والتحالف الدولي وتم إقراره في مؤتمر لندن وبموافقة مجلس الأمن الذي تكحلت عينان بلاسخارت أمامه. بيد أن أمريكا نفسها من سمحت للتدخلات الإقليمية في العراق وتحويله الى مصدر مالي لملئ جيوبهم وساحة حرب وكالة وتصفية الحسابات بعد إسقاط البعث المجرم.
لذا المجتمع داخل العراق ليس لديه إرادة في وجود هذا النظام وأشخاصه كافة وإنما وجوده واستمراره بقوة السلاح والاستحواذ على المال العام, وأعلنت جماهير العراق بعدة مناسبات رفضها لهذا النظام في مظاهرات ٢٠٠٥ و ٢٠١١ واخرها انتفاضة تشرين في ٢٠١٩ اضافة الى السخط الجماهيري الواسع, ناهيك عن المقاطعة الشاملة في الانتخابات التي وصلت الى اكثر من ٨٠٪.
إن النزاع الحاصل داخل هذا “النظام” هو صراع جاء نتيجة ضربات الجماهير له ونتيجة الصراعات الدولية, وفوق كل هذا تصرح بلاسخارت: (يجب الإسراع في تشكيل الحكومة)!.
نعم ربما تريد بلاسخارت حكومة ترعى مصالح أحد المحورين: أمريكا وحلفائها أو الروسي-الصيني وحلفائهم أو التقاسم فيما بينهم, بينما الجماهير في العراق لا يهمها شخصية رئيس الوزراء بقدر ما يشغل اهتمامها برنامج هذا الرئيس وحكومته وامكانية قيامه بتوفير اجواء الحرية والامان والانتعاش الاقتصادي، في حين تتطلع هذه الجماهير الى نظام سياسي يقضي على السلاح المنفلت لا نظام سياسي يختبئ خلفه، تريد الجماهير التي اعطت الدماء قانون يعتبر ان الانسان واحد غير مجزأ وليس قانون ودستور طائفي وقومي، تريد خلق نظام اقتصادي يتمكن من توزيع عادل للثروة… الخ.
لذا ما انتجه “النظام السياسي” الحالي في العراق من ٢٠ عام عبارة عن قتل وفساد وتدمير للاقتصاد والتعليم والثقافة وسحق للحريات بمختلف اشكالها، ومن غير الممكن ان نصدق باي مرشح لرئاسة الوزراء يظهر من هذه الدائرة المنقسمة الى محورين هما: السعودية ومن خلفها أمريكا وحلفائها او ايران ومن خلفها روسيا والصين اضافة الى القصف التركي من اجل فرض تدخله السياسي للحصول على المصالح الاقتصادية. حيث ان المحورين متفقان على سلب الحقوق الاقتصادية للشعب وهذا ما جسده الواقع، لكنهم مختلفان في فرض الارادة والنفوذ لاخذ رئاسة الوزراء.
وعليه لابد للجماهير من تأسيس حكومة مؤقتة خارج اطار هذا “النظام” وكافة أشخاصه ومن باطن الجماهير، تعمل على حماية الحريات السياسية والمدنية والاعلامية، وتحارب السلاح المنفلت ليكون داخل اطار الدولة، ومحاسبة ممن تورط بقتل وتعذيب المتظاهرين والزج بهم في محاكم علنية، اضافة الى تعديل رواتب اعضاء الحكومة بقدر يتساوى مع موظف مميز، وتفعيل قانون المساواة في المجتمع دون تمييز قومي أو طائفي أو جنسي…الخ.
نحن في السياسة لا نفكر بعاطفة ورومانسية وسذاجة كي نصدق كلمات بلاسخارت التي ظاهرها معنا أو ننتظر حلاً من المجتمع الدولي مسبب الدمار أو نريد الاصلاح من داخل هذا النظام منتهي الصلاحية منذ تأسيسه.