18 ديسمبر، 2024 9:03 م

في ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر: من تنكر لحقوق امته؟

في ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر: من تنكر لحقوق امته؟

انها لمصادفة عجيبة ان تلتقي دورة الفلك بدبيب الحياة الانسانيةاقبالاً وتراجعا على الارض، ليصنعا من ايلول شهر الاحزان في تاريخالحركة الناصرية وزعيمها. ففيه مزقت وديست اعلام اول وحدة عربيةحقيقية في تاريخ العرب الحديث، وكانت من صنع والهام جمال عبدالناصر. وفيه خفقت اعلام الثورة اليمنية على قمم الجبال الموحشةالشاهقة، مستنيرة بوهج البطل، ثم ما لبثت ان لاذت به دفاعاً عن املهافي صنع الحياة الجديدة هناك. ثم فيه ايضا مات جمال عبد الناصرمرهقا محزونا، وهو يحاول وقف نزف الجرح الاردنيالفلسطينيالذي كان اولاً واخيراً جرحاً عميقاً في نفسه المثخنة بالجروح.

في الثامن والعشرين من ايلول عام 1970، صمت القلب الكبير، قلبجمال عبد الناصر، منذ 52 عاماً رحل عن عالمنا، وان ظل شامخاً بماحققه من انجازات وما رسخه من مبادئ حملت طموحات الشعبالعربي من المحيط الى الخليج في بناء قوة ذاتية عربية قادرة علىتحقيق وبناء كيان عربي قوي مستقل متحرر وغير منحاز يتحدثالعرب من خلاله مع العالم ويتفاعلون خارج صيغ التبعية وعقدالنقص، وقادر على كسر الخلل في ميزان القوى مع اسرائيل ومواجهةكوابح الآخر/ المختلف. كيان قادر على رد العدوانات واستردادالحقوق، وقبل كل ذلك، هو كيان لكل ابنائه بدون تمييز طائفي اومذهبي او عنصري كيان عربي وحسب.

بعد52 عاماً، نتذكر جمال عبد الناصر، والشعوب تتذكر رجالها فيالمحن والشدائد. نتذكر جمال عبد الناصر الذي قال فيه كثيرونالكثير، قائد عربي حمل طموحات الجماهير العربية من الماء الى آبارالنفط، ابنها البار، عاش لاجلها ومعها، وكل ما فعله كان في سبيلها،وقد يكون اخطأ احيانا، ولكن من يعمل يخطئ، ثم انه كان يعترفبخطئه ويعمل على تفادي الخطأ بالجهد الجاد من اجل مصلحةالشعب العليا. ولانه كذلك، فقد كان عربي النزوع والاتجاه والعمل. ولاريب انه آمن بحقيقة انتساب شعب مصر الى امته العربية، وان قوتهفي ذلك، فأسهم بكل مواقفه ومسالكه في اضاءة هذه الحقيقة، وفضحتفاهة ما حاول القطريون والانتهازيون واصحاب المصالح الخاصةنسبته الى شعب مصر العظيم من سمات غريبة عليه.

ولان ابن هذه الامة العربية، وعى منذ البداية، ألا حياة لامة في غيروحدتها، وان هذه الوحدة القادرة على ضرب الاستعمار واعوانهومصالحه، فكان حرباً عليه، وحربا من اجل مصير الامة الموحد،وحريتها، ووجودها وارادتها.

آمن بأن خبراتها وقدراتها وجهودها ملك ابنائها، فلا استغلال ولااستثمار. ومن هنا كان ايمانه بالمساواة الاجتماعية دين حياة. أيقن،ان امته العربية، ذات شخصية وصفات مستمرة عبر التاريخ قد تحاولالاحداث والمحن ان تطمسها، ولكنها ما تلبث ان تتآلف من جديد كلماظن انها عفى عليها الزمن، فعمل بكل طاقاته على الاعتداء بهديها،تساعده مواقف مشهودة، مثل حرب السويس، ومواجهة الاستعمار،والتصدي الحقيقي لكل خطر يتهدد الامة.

بل لقد كان عبد الناصر بجرأته وايمانه ورجولته، صمام امان يرهبالاستعمارالآخر الكولونياليويخيف المتآمر، فلا يجرؤ على المغامرةفي التآمر. ترى لو كان عبد الناصر على قيد الحياة، أكان من هومحسوب على امتنا العربية يجرؤن على دعم هذا الآخر الكولونياليحليف اسرائيل و في عدواناتها على امتنا وعروبتنا؟!

لو كان عبد الناصر، آكانت كامب ديفيد، ام جرؤ ملك من هنا او رئيسمن هناك على التفاوض علناً او سراً مع اسرائيل؟ أكان هذا الآخرالمختلف يجرؤ على اجتياح واحتلال العراق؟

هذه الصورة الانطباعية حول شخصيته، التي اكدتها الكتابات التيظهرت فيما بعد، هي الصورة نفسها التي رأته فيها الجماهير، فكانتسبباً للالتفاف الجارف حوله، ألتفاف لا يمكن ان تصطنعه كل ماكيناتالدعاية في العالم ولا كل اموال النفط، التفاف شارك فيه كل عربيعلى الرغم من وجود كل الحدود والسدود الجغرافية والسياسيةوالادارية

لكن حين يكون الموضوع المتداول الآن في الاوساط السياسية العربيةذا علاقة صميمية بالراهن العربي وتداعياته واسقاطاته ونكراتهلماذا اذن يتم نبش قبر جمال عبد الناصر لتحميله مسؤولية الوضعالعربي الراهن؟

بصورة او بأخرىبرأيي الشخصييتحمل عبد الناصر مسؤوليةجزء مما وصلنا اليه. فكثيراً ما وقع في أخطأ ، وكثيراً ما خانتهالوسائل والاساليب. ولا سيما عندما ازدوجت وسائل الاتصال بينهوبين الجماهير المحيطه به التي كانت  تصل اليه بقلوبها، في حين كانهو كحكم ودولة يصل اليها بالاجهزة وبالمباحث والعيون والتقاريرلكن على الرغم من ذلك، فانه كان ينطلق من قناعة سيطرت على كلخطوة من خطواته في تلك الفترة، سواء التي اصاب فيها او أخطأ،وهي القناعة بأنه في غياب قوة ذاتية عربية لا يمكن الحصول على حلسلمي يحمل في طياته الحد الادنى من العدل والشرف. ففي الوقتالذي كان يرحب بالمساعي الدبلوماسية كان يبني قوة التصدي.

في حين نشهد ان السمة الرئيسية للجهد العربي الرسمي ذي التوجهالتسووي في هذه المرحلة ينصب على نصب الحروب والمجازر والفتنوالمؤامرات، لأي مكمن قوة في جسد هذه الامة باعتباره عقبة في طريقالتسوية والخنوع.

فاذا كان هناك مشروع للسلام متعارض مع ارادة الامة لا تعمل مايلزم لتغييره بما يتفق مع تلك الارادة ينصب الجهد على تغيير ارادةالامة لتتلائم مع ذلك المشروع. وشتان بين من يجعل التعاون والاتفاقوالتفاوض غطاء لتوفير مستلزمات القتال وبين من يجعل القتالداخل الوطن وسيلة لتوفير مستلزمات الاتفاق والتفاوض.

جمال عبد الناصر، غاب منذ 52 عاماً، فما الذي حال اذن بينالواقعيين والعمليين من الذين يرون ما لا تراه الجماهير، وبين ترجمةواقعيتهم وحصافتهم على الارض حتى نرى ما الذي امكن انجازهوتحقيقه؟

جمال عبد الناصر لم يغب منذ   52 عاماً فقط، بل تم تغييب سياستهومبادئه واساليب عمله، وحل محلها نقيضها الواقعي!!

جمال عبد الناصر، توقف عن التدخل في الشؤون العربية بعد هزيمةحزيران حتى على الصعيد الاعلامي. فما هو شكل العلاقات العربيةالعربية بعد كل هذه الاعوام؟ بل ما هو شكل العرب، وما هيانجازاتهم، وما هي قدرتهم على توفير الحد الادنى من شروط العملالمشترك؟

هل كان على عبد الناصر لينال صفات الحكمة المطلقة والنجابةوالذكاء والحصانة ان يدير ظهره  لحقوق امته؟

هل كان عليه ان ينكر واقع الحظر الجاثم على حدود بلاده الشرقية؟

هل كان عليه ان يتجاهل جغرافية مصر وتاريخها منذ ما قبل وبعدالاسلام؟

ألم يكن الحظر عبر التاريخ على مصر شرقي الجغرافية؟

وهل هناك خطر على دولة اكبر من وجود كيان مصطنع على حدودها؟

غريب أمر نبش قبر عبد الناصر كلما اراد احدهم تبرير اتصالاتهبالآخر العدواني ودعواته لتطبيع علاقاته معه في وقت يقول كلاصحاب المبادرات تجاه هذا الآخر المختلف بأنهم اقدموا على عملسيتركون الحكم عليه للتاريخ البعيد مع اصرارهم على تاريخية مافعلوا. وحين يجيء الامر عند عبد الناصر يصير مشاعاً مسموعاًتقييمه ومحاكمته.

هذه المقابلة المناسباتية ليست دفاعا عن عبد الناصر، فمكانته عندابناء امته ليس بحاجة الى اثبات، والذين خرجوا في يوم جنازته علىامتداد ارض العرب، كانوا يؤكدون على تمسكهم بالحلم الوطنيوالقومي الذي اثبت عبد الناصر بممارسته، انه قابل للتحقيق علىارض الواقع.

هؤلاء الذين خرجوا يوم جنازته وقبلها يومي (9) و (10) حزيران عام1967، لم يكونوا مغيبين ولا مخدرين. فلم نسمع في تاريخنا الحديثعن امة باكملها مخدرة او مغيبة او مظللة؟

القضية الآن في راهننا العربي ليس ان نذم الرجل او نمدحه ، القضيةهي ما تحقق بعد 52 عاماً من غيابه؟

ما الذي حصل في وطننا العربي خلال هذه السنوات الطويلة منذايلول 1970، وحتى هذه اللحظة؟

ومع مرور هذه الذكرى، الذكرى 52 لرحيل عبد الناصر، وفيما تبلغالعدوانات حرباً وقتلاً وتأمراً ضد كل مكامن القوة في الجسدالعربي اقصى مداه، تحضيراً لجولة جديدة من تقديم فروض الخنوعوالاستسلام، يؤلمنا ان نجد حولنا من يتذكر عبد الناصر ليتخذ منمسيرته فتوى للفعل الشنيع القادم.

ان كل من حسب ان غياب رجل كعبد الناصر يعني غياب امة، موغلفي الجريمة، فالامة التي انجبت ناصر لا بد ان تنتفض من ركامالمحن والمؤامرات لتملأ بوجودها ساحة النضال من اجل قضاياهاالكبرى، وان لنا في عراقنا العزيز الآية. فشعبنا المجاهد الذيتضافرت على التآمر عليه كل قوى الشر عربية وغير عربية، اثبت انهقادر على صنع المعجزات بارادته وصموده وقدرته على الحياة.

[email protected]

[email protected]