كثيرة هي الأحلام التي تركض وراءها البشريّة لنيلها والظفر بها، وأهمّها الاكتفاء الغذائيّ والمائيّ والدوائيّوالأمن والسلام والإعمار والرفاهية، وأتصوّر أنّ من أكثرها تأثيرا هو السلام الذي بدأت منابعه تجفّ شيئا فشيئا حول العالم.
ونلاحظ حاليّا أنّ العالم يغلي، وهنالك اليوم معارك ضارية بين روسيا وأوكرانيا، ومناوشات واضحة بين أرمينيا وأذربيجان، وبين قيرغيزستان وطاجيكستان، فضلا عن التطاحن في ليبيا وفلسطين وسوريا واليمنوغيرها.
وهذه المؤشّرات تُربك السلام العالميّ، وفي منتصف آب/ أغسطس 2022 حذّرت دراسة لجامعة “روتجرز” الأمريكيّة، مِن موت أكثر مِن خمسة مليارات شخص جوعا إن اندلعت أيّ حرب نوويّة واسعة النطاق بين روسيا وأمريكا، وأنّ نقص الغذاء سيؤدّي لموت 75 في المئة من سكّان العالم جوعا خلال عامين!
ولا ندري كم سيموتون أصلا من جراء تلك الحرب النوويّة؟
والمُخيف أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أعلن الأربعاء، 21/9/2022 “التعبئة الجزئيّة، ولوّح باستخدام أسلحة الدمار الشامل“، فيما أكّد وزير دفاعه سيرغي شويغو، بعده بدقائق، أنّ “كلّ أسلحة جيشنا بما فيها النوويّة ستُستخدم بأوكرانيا”!
وبعدها بأقلّ من ساعة ذكرت شبكة ((CBS التلفزيونيّةالأمريكيّة إقلاع طائرة “يوم القيامة” الأمريكيّة وسط توقّعات مُخيفة لتطوّرات قد تُحرّكها حرب نوويّة، وبعدها بساعات حلّقت طائرة “يوم القيامة” الروسيّة، ودور هذه الطائرة يَكْمُن بإدارة الحرب من الجوّ عندحدوث هجوم نوويّ!
وهذا يعني أنّ العالم يترقّب تلك الحروب النوويّة والغذائيّة الماحيّة، وأنّ البشريّة تدور في أفلاك الحروب والأوبئة والتهديدات المُتبادلة، بعيدا عن حياة السلام الآمنة!
ونحن في العراق لسنا بعيدين عن هذه الحروب والتهديدات ولكنّنا في مرحلة الهدوء الذي يَسْبُق العاصفة.
ومع الاحتفال باليوم العالميّ للسلام في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر يَحلم ملايين العراقيّين ومنذ ثمانينيّات القرن الماضي (الحرب العراقيّة – الإيرانيّة) وحتّى اليوم (مرحلة نتائج الاحتلال الأمريكيّفي العام 2003) بتحقيق سلام مستقرّ وثابت على أسس وطنيّة وإنسانيّة وأمنيّة راسخة، ولكن يبدو أنّ حلمهممن المستحيلات على الأقلّ في المرحلة القريبة!
ومُعضلة العراق الكبرى تتمثّل بأنّ غالبيّة المُتّهمينبالقتل والإرهاب هُم بمراكز سياسيّة وأمنيّة حسّاسة، أو أنّهم جزء من مؤسّسات تقع ضمن دائرة الخطوط الحمراء، والتي هي فوق القانون وبعيدة عن المحاسبة والملاحقة!
وعمليّا يُمكن قياس العمل السياسيّ المُثمر بمدى قدرته على تحقيق سلام دائم، وهذا السلام لا يتحقّق إلا بالعدالة وبحماية حقوق الناس وسط بيئة آمنة، وخالية من أصوات المدافع ورصاصات الاغتيال، وصافية من القوى الشرّيرة الضاربة للقانون!
وهنالك مبدأ مهمّ في ميثاق المفوّضيّة السامية لحقوق الإنسان الأممية يُؤكّد على أنّ” تحقيق العدالة عن جرائم سابقة يُساهم في بناء مستقبل مشترك“، وهذا بالضبط ما يَفْتقر إليه العراق اليوم، حيث إنّ القوانين والعدالة تُطبّق بمزاجيّة مَعْلومة للقاصي والداني!
والسلام العراقيّ المنشود لا يَتحقّق إلا بجملة من الأدوات الفاعلة، وأهمها:
هذه العوامل وغيرها يُمكن أن تُساهم في بَسط أرضيّة صالحة للسلام العراقيّ المنشود!
إنّ وفرة السلاح في الشارع العراقيّ مُعضلة لا يُمكن مُعالجتها بسهولة لأنّها مُمتلكات وأدوات لقوّى سياسيّة ومليشياويّة أقوى من (الدولة) وقادرة على حرق الشارع بأيّ ساعة، وعليه لا يُوجد أيّ ضمان لعدم وقوع (حربأهليّة مليشياويّة) مُستقبلا في ظلّ هذه الحالة غير الصحّيّة!
وهذا التخوّف ذكرته مجلّة فورين بوليسيّ الأمريكيّة يوم 16 أيلول/ سبتمبر2022، وأكّدت أنّ” العراق يقترب من حافّة حرب أهليّة شيعيّة“!
وعليه فإنّ مَنْ يُريد أن يُحافظ على السلام (العراقيّ والإقليميّ) عليه أن يُعيد بناء الدولة وبمؤسّسات خاليّة من المخرّبين والمجرمين والإرهابيّين والفاشلين، وإلا فسيبقى السلام حُلم العراقيّين البعيد المنال!
فهل سينعم العراق بالسلام أم أنّ نار الفوضى ستحرق البلاد وأهلها؟
dr_jasemj67@