19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

تعبئة جزئية أم نفير عام

تعبئة جزئية أم نفير عام

المؤسسات الإعلامية الغربية و ” ذيولها ” في العالم ومحلليها الإستراتيجيين والسياسيين، أطلقت لنفسها العنان في إطلاق التفسيرات الغريبة لمرسوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “باستدعاء جزئي ” لخدمة الاحتياط، فمنهم من اعتبره ” هزيمة روسية ” ومنهم من وصفه بأنه ناجم عن الخسائر الكبيرة للقوات الروسية في عمليتها العسكرية، او انه مقدمة لاستخدام روسيا الأسلحة النووية.. والخ من التفسيرات التي تفتقر لأبسط مقومات المنطق.
فعلى الرغم من أن مرسوم الرئيس الروسي ، الذي يدعو جزء من احتياط البلاد للخدمة العسكرية ، لم يخف ان بلاده لها الحق الكامل لاستخدام كل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية ضد أي تهديد يمس أراضيها وامنها ومواطنيها ، إلا ان المرسوم كان واضحا في عباراته ، فالدعوة هي إعلان التعبئة الجزئية، وليس (النفير العام ) ، وهي إجراءات عسكرية يعمل بها كل بلدان العالم ، والتي تتعرض لعدوان خارجي ، يهدد أمنها ومستقبلها الوجودي ، وكذلك هو اجراء اضطراري ، تتخذه القيادات العسكرية ، لتأمين احتياجاتها من العدد الكافي من العناصر القتالية التي تساهم بدرجة أساس في حماية ما حققته من مكتسبات خلال العمليات العسكرية ، ودرء الخطر عن القوات الرئيسية التي تقاتل على الأرض .
ويتعلق الأمر بالخطوات الضرورية والعاجلة لحماية سيادة روسيا وأمنها وسلامتها الإقليمية، ودعم رغبة وإرادة مواطنيها في تقرير مستقبلهم، وحول السياسة العدوانية لجزء من النخب الغربية التي تسعى جاهدة، بكل قوتهم للحفاظ على هيمنتهم، ولهذا يحاولون منع أي مراكز تنمية مستقلة ذات سيادة من أجل الاستمرار في فرض إرادتهم بشكل فج على البلدان والشعوب الأخرى، وغرس قيمهم الزائفة.
وما أكده المرسوم هو أن المواطنين الروس الذين شملهم مرسوم ” خدمة الاحتياط ” ، هم فقط أولئك المشمولين بخدمة الاحتياط والبالغ عددهم 300 ألف شخص ، وسيحصلون على الوضع والمدفوعات وجميع الضمانات الاجتماعية للأفراد العسكريين الذين يخدمون بموجب عقد ، وليس كل من بلغ من العمر 18 عاما صعودا ، وكما تستوجب الحالات الطارئة في كل دول العالم ، وفي سياق حل المهام الرئيسية لحماية دونباس ، حررت القوات الروسية مناطق مهمة في خيرسون وزابوروجيه وعدد من المناطق الأخرى من النازيين الجدد أيضًا ، ونتيجة لذلك ، تم تشكيل خط قتالي ممتد يزيد عن ألف كيلومتر ، مع الملاحظة ان روسيا لم تقدم على هذه الخطوة الا بعد سبعة أشهر من بدء العملية العسكرية في أوكرانيا ، وأحكمت السيطرة على عدد من المدن الكبيرة ، والتي باتت بحاجة لتأمينها .
والذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية سيخضعون لتدريب عسكري إضافي ، مع مراعاة تجربة عملية عسكرية خاصة ، قبل إرسالهم إلى الوحدات ، وهذا بالطبع وكما هو معروف يستغرق وقتا لا يقل عن ( 60 ) يوما ، وأصدر الكريملين بهذا الخصوص تعليمات كاملة للحكومة ووزارة الدفاع في أقصر وقت ممكن لتحديد الوضع القانوني للمتطوعين، وكذلك مقاتلي وحدات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ويجب أن تكون مماثلة لتلك الخاصة بالجنود النظاميين في الجيش الروسي، بما في ذلك الدعم المادي والطبي والضمانات الاجتماعية، وينبغي إيلاء اهتمام خاص لتنظيم إمداد تشكيلات المتطوعين ومفارز من ميليشيا الشعب دونباس بالمعدات والمعدات ، بالإضافة الى إجراءات إضافية لتنفيذ أمر دفاع الدولة، ورؤساء مؤسسات الصناعة الدفاعية مسؤولون بشكل مباشر عن حل مهام زيادة إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية ، ونشر قدرات إنتاجية إضافية ، وفي المقابل ، يجب أن تحل الحكومة على الفور جميع المسائل المتعلقة بالمواد والموارد والدعم المالي لمؤسسات الدفاع.

وكشفت الفترة القريبة الماضية ، وبشكل واضح ، تجاوز الغرب في سياسته العدوانية المعادية لروسيا ، من خلال ضخ المزيد من الأسلحة الى كييف ، وساعد نظام كييف في دعوة عصابات جديدة من المرتزقة والقوميين الأجانب ، ووحدات عسكرية مدربة وفقًا لمعايير الناتو وتحت القيادة الفعلية للمستشارين ، وكذلك تجاوز الغرب كل الخطوط ، وبات يُسمع باستمرار تهديدات ضد روسيا وشعبها ، وبعض السياسيين غير المسؤولين في الغرب لا يتحدثون فقط عن خطط لتنظيم توريد أسلحة هجومية بعيدة المدى لأوكرانيا من الأنظمة الصاروخية التي ستسمح بضرب شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى من روسيا ، وقد تم بالفعل تنفيذ مثل هذه الضربات “الإرهابية “، بما في ذلك باستخدام الأسلحة الغربية ، على المناطق الحدودية لمنطقتي بيلغورود وكورسك ، وفي الوقت الفعلي ، باستخدام الأنظمة الحديثة ، الطائرات ، السفن ، الأقمار الصناعية ، الطائرات الاستراتيجية بدون طيار ، حيث يقوم الناتو بالاستطلاع في جميع أنحاء جنوب روسيا.
وأصبح معروفا للجميع ، إن الغرض من ذلك ، هو إضعاف وتقسيم وتدمير روسيا في نهاية المطاف ، ويتفاخر الغرب و بشكل مباشر بأنهم تمكنوا في عام 1991 من تقسيم الاتحاد السوفيتي ، والآن حان الوقت لروسيا نفسها ، والتي برأيهم يجب أن تتفكك إلى العديد من المناطق والمناطق المعادية بشكل مميت ، وهم يخططون لمثل هذه الخطط لفترة طويلة ، وشجعوا عصابات الإرهابيين الدوليين في القوقاز ، وروجوا للبنية التحتية الهجومية للناتو بالقرب من حدودها ، وجعلوا من الخوف من روسيا سلاحهم ، بما في ذلك لعقود من الزمن زرعوا عن قصد الكراهية لروسيا ، وخاصة في أوكرانيا ، التي كانوا يستعدون من أجلها لمصير موطئ قدم مناهض لروسيا ، وتحول الشعب الأوكراني نفسه إلى وقود للمدافع ودفع إلى الحرب مع روسيا ، وأطلق العنان لهذه الحرب ، في عام 2014 ، باستخدام القوات المسلحة ضد السكان المدنيين ، وتنظيم الإبادة الجماعية والحصار والإرهاب ضد الأشخاص الذين رفضوا الاعتراف بالقوة التي نشأت في أوكرانيا نتيجة للانقلاب.
ويدفع المسئولون في واشنطن ولندن وبروكسل بكييف مباشرة لنقل العمليات العسكرية إلى الأراضي الروسية ، و لم يعد خافيا ، ويصرحون جهارا نهارا بضرورة هزيمة روسيا بكل الوسائل في ساحة المعركة ، يليها حرمانها من أي سيادة سياسية واقتصادية وثقافية بشكل عام ، بالإضافة الى انه تم إطلاق ابتزاز نووي ، والحديث هنا ، ليس فقط عن قصف محطة الطاقة النووية زابوروجيه ، والذي يشجعه الغرب ، و يهدد بكارثة نووية ، ولكن أيضًا عن تصريحات بعض كبار ممثلي دول الناتو حول إمكانية ومقبولية باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا – الأسلحة النووية ، وخاطب الرئيس الروسي أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالإدلاء بمثل هذه التصريحات حول روسيا ، و” الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أن هبوب الرياح يمكن أن تدور في اتجاههم أيضًا” ، والتشديد على ان لدى روسيا أيضًا وسائل تدمير مختلفة ، وبالنسبة لبعض المكونات هي أكثر حداثة من تلك الموجودة في دول الناتو ، وإذا تعرضت وحدة أراضي روسيا للتهديد ، “فسنستخدم بالتأكيد كل الوسائل المتاحة لنا لحماية روسيا وشعبنا ، إنها ليست خدعة “.
وما كشفه وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو ، لا يدعوا للاستغراب ، فنحن أدرى بشعاب الغرب ” التآمرية ” ، وقياساتهم ومعاييرهم الازدواجية في التعامل مع القضايا التي تضر بمصالحهم ، فهذا هو الغرب ، وبعكسه لن يكون له وجود ، وان خسائر الجيش الأوكراني التي وصلت الى 61207 قتلى و49368 جريحا ، وقتل أكثر من 2000 من المستشارين والمرتزقة الأجانب العاملين مع الجيش الأوكراني ، فهو اليوم يدعم أوكرانيا ب 70 قمرا صناعيا عسكريا و200 قمر صناعي للأغراض المدنية تابعة للغرب ، ويشارك في قيادة الجيش الأوكراني 150 مستشارا عسكريا من “الناتو” ، ليس حبا بأوكرانيا ، بل لأن هناك ” مهرج ” وضع نفسه في خدمتهم للمواجهة مع روسيا بالنيابة عنهم .
واللافت للنظر ، أن هناك مفارقة غير أخلاقية يمارسها الغرب والنظام الاوكراني ، فالغرب الذي يسلح أوكرانيا بأحدث الأسلحة ، هو ذاته يشجع النظام في كييف على قتل مواطنين من المفترض انهم ” أوكران ويعيشون على أرض أوكرانية ” ، وضرب المناطق السكنية في مناطق دونيتسك ولوغانسك الشعبية وزابوروجيه و خيرسون قبل اندلاع الأعمال العدائية ، ويسقط منهم يوميا العديد من المواطنين الأبرياء بين قتيل وجريح ، وقصف المستشفيات والمدارس والتخطيط لهجمات إرهابية ضد المدنيين دون ان يحرك ذلك ” قيد أنملة ” من شعور الغرب ” اللاإنساني ” ، ما أجبر الكثير منهم على أن يصبحوا لاجئين ومغادرة منازلهم ، وأولئك الذين بقوا – حوالي خمسة ملايين شخص – يتعرضون اليوم لنيران المدفعية والصواريخ من مقاتلي النازيين الجدد..
وأمام هذه المعطيات لا يمكن لروسيا الوقوف ” مكتوفة الايدي ” ، الا الاستجابة لرغبة صادقة لأهالي مناطق لوغانسك ودونيتسك و زاروبوجيه و خيرسون في تقرير مصيرهم ، ودعم قرارات برلمانات وكذلك الإدارات العسكرية ، في إجراء استفتاءات حول مستقبل هذه المناطق ، والتي أكدت ان الانضمام إلى روسيا لن يكون احتفالا بالعدالة التاريخية فحسب، بل سيؤمن أيضا أراضيها ، ويفتح فرصا جديدة لإحياء واستعادة السلطة ، وعودتها إلى حياة سلمية كاملة.