منشور وجد له مساحة على بعض الجدران في الجزء القديم من النجف حمل عنوان “الربيع الحوزوي”، يحرض طلبة العلوم الدينية في حوزات النجف على الاحتجاج على فساد من اسماهم بالحواشي الذين “يضللون المرجع ويقلبون الأمر في عينه”، والذين حولوا حوزة النجف إلى “ملك عضوض، وأوكار للمكر ومساقي للذلة والضيم”، كما عبر المنشور.
الملفت أن المنشور يستعمل كلمة “الربيع” التي تذكّر بالثورات العربية، بل يستحضرها نصاً وهو يستنهض الطلبة ويطالبهم بـ “يقظة كيقظة الشعوب العربية”، ولكنه في الوقت ذاته يحدد سقفاً متواضعاً للغاية لمطالبه. فأقصى ما يطلبه المنشور هو ما اختصره بعبارة: “لعل صوتكم يصل إلى المرجع من وراء أسوار الحواشي والأبناء”!
بالنسبة لي لا أعلم حجم الأشخاص الذين يقفون وراء المنشور، ولكن من الواضح أن مقدار الشجاعة والتحرر الفكري الذي يتمتعون به دون المطلوب كثيراً. نعم قد يرى البعض في صوتهم جرأة محمودة قياساً بالصمت المطبق المخيم على أجواء الحوزات وطلبتها، ولكن حجم الفساد المستشري في الحوزات، وما جرته سياساتها من انحرافات خطيرة جداً على المستوى الديني والاجتماعي، كل ذلك يضع الطلبة أمام مسؤولية كبيرة لا تمثل حركتهم هذه بالنسبة لها سوى التفاتة إلى خارج القفص، في الوقت الذي يتوجب عليهم أن يحطموا جدران القفص ويخرجوا منه تماماً.
والحق إن طلبة الحوزات الذين يشكلون أعداداً كبيرة لا يستهان بها، وينتظرها دور خطير جداً عليهم أن يكفوا عن خداع أنفسهم بأنهم حماة الدين الذين “تفرش لهم الملائكة أجنحتها” كما عبر المنشور، فما هم في الحقيقة سوى أدوات رخيصة، وذليلة كما أشار المنشور الهدف منها نشر فكر المؤسسة الدينية الفاسدة، وإدامة وجودها الشيطاني.
إذن، قياساً بالهدف البائس لمروجي المنشور، يبدو جلياً أن انتظار حركة واعية يطلقها طلبة العلوم الدينية يعلنون من خلالها براءتهم من كل الجرائم الدينية والاجتماعية التي يرتكبها المرجع، الذي استثنوه بقلة حصافتهم، وحواشيه على حد سواء، هذا الإنتظار سيطول للأسف، وسيبقى هؤلاء الطلبة، بسبب قلة وعيهم، شركاء كاملين في الجرائم التي تُرتكب.