صدر الكتاب الاول في هذه السلسلة من الاصدارت حول التراث الادبي الروسي عام 1931 في الاتحاد السوفيتي , ولا زالت اصدارات هذه السلسلة مستمرة لحد الان في روسيا الاتحادية ( ونحن في عام 2022 ) , دون تحديد موعد مسبق لتاريخ اصدار الكتاب اللاحق , وقد بلغ مجموع عناوين الكتب التي صدرت منذ عام 1931 والى الوقت الحاضر اكثر من مئة عنوان , وبعض تلك الكتب تقع بعدة أجزاء , ولهذا , فان عدد الكتب الاجمالي لهذه السلسلة قد بلغ حوالي مئتي كتاب ( والتي تحوّلت طبعا الى مصادر مهمة وضرورية جدا ولا يمكن الاستغناء عنها بتاتا في مسيرة البحث العلمي حول الادب الروسي واعلامه ) . يشرف على اعداد هذه السلسلة واصدارها معهد غوركي للادب العالمي , والمعهد المذكور هو مؤسسة علميّة مكرّسة لشؤون البحث في العلوم الانسانية , والمؤسسة هذه تابعة لاكاديمية العلوم السوفيتية ( زمن الاتحاد السوفيتي ) و الروسية حاليا , وتقوم دار نشر ( ناووكا )(العلم ) الروسية المعروفة بطبع هذه السلسلة من الكتب ونشرها وتوزيعها داخل روسيا وبعض الدول الاوربية الاخرى ايضا , وقد أخذت بعض دور النشر الروسية للقطاع الخاص في الفترة الاخيرة باعادة طبع مختارات من تلك الكتب , خصوصا تلك التي صدرت قبل سنوات بعيدة , ونفذت نهائيا من الاسواق , ولازال طلب القراء عليها قائما .
تقع كل هذه الاصدارات في حدود مئات الصفحات من القطع الكبير عموما , و تحتوي عادة على دراسات معمّقة يكتبها متخصصون واكاديميون , وتكون مليئة بالصورالمتنوعة والوثائق الخاصة ( والتي تنشر لاول مرة في كثير من الاحيان بالاساس ) حول ذلك الكاتب الروسي , الذي تختاره هيئة التحرير , كي يكون موضوعا لذلك العدد من تلك السلسلة, وتحاول هذه السلسلة ان تتميّز في اصداراتها عن دور النشر الاخرى , فقد نشرت كتبا لا نظير لها فعلا في المكتبة الروسيّة , فمثلا , اصدرت كتابا في جزئين عن تورغينيف بعنوان – ( من الارشيف الباريسي ) , وهو ارشيف واسع وغنيّ جدا بالوثائق الادبية, اذ ان تورغينيف كان طوال حياته يتنقل بين روسيا وفرنسا , وله علاقات واسعة جدا مع الادباء الفرنسيين المعروفين آنذاك , و من المعروف , ان تورغينيف قد توفي في باريس وجلبوا جثمانه الى روسيا لدفنه في وطنه , و اصدرت كتابا آخر عن تورغينيف ايضا بعنوان ( مواد جديدة ) , او , بعنوان – دستويفسكي ( وثائق جديدة ) , وكتابا آخر عن دستويفسكي بعنوان – ( دستويفسكي المجهول ) ويتضمّن دفاتره ومذكراته , او , الجديد عن ماياكوفسكي ( والذي صدر عام 1958 , اي بعد حوالي ثلاثين سنة من انتحاره ) , او , لينين و لوناتشارسكي ( مراسلات , محاضرات , وثائق ), وهي مواد مهمة جدا في تاريخ الادب الروسي الحديث وتتضمن وقائع مهمة للادب والفكر الروسي وللتاريخ الروسي في القرن العشرين ايضا , وكذلك اصدرت هذه السلسلة كتابا عن الشاعر بلوك يقع بخمسة اجزاء باكملها , و عن اليكسي تولستوي بخمسة أجزاء ايضا , بل ويوجد بين هذه الاصدارات كتاب طريف جدا و متميّز فعلا بعنوان – الثقافة الروسية وفرنسا ( و بثلاثة أجزاء ! ) , وهو مصدر فريد في المكتبة الروسية حول هذا الموضوع , وكتاب آخر ( في نفس المواصفات ) بعنوان – الارتباطات الادبية الروسية – الانكليزية , وهناك طبعا امثلة كثيرة اخرى عن هذه التنوّع المدهش من الاصدارات حول التراث الادبي الروسي لا يمكن حتى الاشارة اليها في هذا العرض السريع لكتب هذه السلسلة , ولكني – ختاما – اريد ان اتوقف قليلا عند كتاب قريب لي روحيّا ( ان صح التعبير ) ضمن هذه السلسلة , وهو بعنوان – ( تشيخوف ) , هذا الكتاب الذي صدر بمناسبة الذكرى المئوية الاولى لميلاد تشيخوف . الكتاب المذكور عزيز جدا بالنسبة لي شخصيا , لانه ( ساعدني !!!) بقبولي في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس في ستينيات القرن الماضي , وقد سبق لي ان كتبت في مقالاتي عن ذلك تفصيلا , واعود هنا للتذكير بذلك , اذ ان ذلك الحدث يرتبط بالذات بسلسلة هذه الكتب , وموجز هذه ( المساعدة !) يكمن , في ان مشرفتي العلمية المرحومة البروفيسورة صوفي لافيت سألتني في المقابلة الاولى معها ( المقابلة الحاسمة في قبولي من عدمه ) عدة اسئلة عن تشيخوف , وكنت اجاوب قدر معلوماتي آنذاك , وعندها سألتني – هل اطلعت على البحث العلمي بعنوان ( تشيخوف في فرنسا ) , اجبتها رأسا – نعم , وهو منشور في الكتاب عن تشيخوف , الذي صدر ضمن سلسلة ( التراث الادبي ) , فطلبت منّي الحديث عن مضمون البحث , فقلت لها , انه بحث جميل يتناول تاريخ ترجمات تشيخوف الى الفرنسية وكيف اصبح واحدا من اشهر الادباء الروس في فرنسا , وقلت لها , ان الباحث ارفق بحثة بصور وثائقية كثيرة عن الكتب الفرنسية حول تشيخوف والعروض لمسرحياته على المسارح الفرنسية , فسألتني , ومن هو هذا الباحث , فقلت لها , اسم فرنسي لا اذكره , فقهقت البروفيسورة لافيت وقالت – انه أنا . اصابني احراج هائل , وبدأت بالاعتذار وانا ( اتلعثم !) , فقالت لي وهي تبتسم – لقد كانت اجابتك حقيقية , وهكذا وافقت في نهاية المقابلة على قبولي , وكانت لحظة من اللحظات التي لا يمكن للانسان ان ينساها في مسيرة حياته , وقد تذكرت كل ذلك وانا اكتب هذه السطور عن سلسلة كتب التراث الادبي , هذه السلسلة المهمة جدا في تاريخ الادب الروسي , والتي قدّمها لنا – مشكورا – معهد غوركي للادب العالمي , التابع لاكاديمية العلوم الروسية .