27 ديسمبر، 2024 3:04 ص

غموض مواقف المرجعية يربك حركة الامة ويفقدها الرؤية الصحيحة – 2

غموض مواقف المرجعية يربك حركة الامة ويفقدها الرؤية الصحيحة – 2

تحدثنا في الحلقة السابقة عن موقع المرجعية في حياة الامة واهمية الادوار التي تؤديها ومنها المواقف التي لا بد ان تكون حاضرة تجاه مختلف الاحداث التي تعاصرها وكيف تكون هذه المواقف مثمرة وبناءة من خلال مجموعة اسس يجب ان ترتكز عليها تلك المواقف.
في هذه الحلقة سأتحدث عن اثار غموض مواقف المرجعية واسباب ذلك الغموض، فأقول: ان هذا الغموض في تلك المواقف يؤدي الى مجموعة من الأثار السيئة التي تعود بالخسران على حركة الامة ومسيرتها ومنها

1-      اضطراب الرؤية الدينية لابناء الامة لان موقف المرجعية كما ذكرنا يمثل موقف الدين والشريعة بحسب السياق المفترض، فاذا كان موقف المرجعية غامضا ً فسوف تكون رؤية الشريعة غير واضحة عند عوام الناس وتتعدد افهامهم وتكثر تأويلاتهم مما قد يؤدي الى اتخاذهم مواقف بعيدة عن روح الشريعة الغراء ظنا ً منهم انها تمثل المواقف الصحيحة وهو احد اشكال الانحراف في الفكر والسلوك.
2-      ضعف ارتباط الامة بالدين والعلماء فالناس تتوجه الى العلماء لاخذ المواقف منهم في كل حدث فاذا كانت مواقف المرجعية غامضة وغير ملبية للحاجة فان الناس ستعزف عن الدين وقد تظن بأنه لا يناسب الحياة الحاضرة لعدم تقديم علماءه الرؤى والمواقف التي تسهم في حل مشاكلهم وكذلك ستضعف رابطتهم بالعلماء وقد يؤدي ذلك الحال الى انفصال تلك الرابطة والذي يمثل خسارة كبيرة.
3-      اخذ المواقف من جهات اخرى غير العلماء، فالناس بطبيعتها تبحث عن المواقف عند صناع الرأي وابرزهم العلماء فاذا لم يلبوا تلك الحاجة فان الناس ستبحث عن المواقف عند جهات اخرى لا تؤتمن على الدين ولا على مصالح الناس خصوصا ً ان اعداء الدين والحق جندوا كل ما عندهم في وقتنا الحاضر لحرف مسيرة الامة عن الطريق المستقيم وتسييرها بالاتجاه الذي يخدم مصالحهم ولذلك فهم لا ينفكون عن ابداء المواقف وبوسائل شتى لصناعة رؤى معينة تحفيز الناس وتدفعهم لاتخاذ مواقف تصب في صالحهم، ومن ذلك ندرك خطورة اتخاذ منهج السكوت من قبل العلماء والتزام سياسية ضعف وغموض المواقف.
4-      تشتت مواقف الامة وتوجهاتها، فحينما يكون موقف قمة الهرم وهي المرجعية الدينية غامضا ً فستبدأ التأويلات والتفسيرات والتبريرات والتي تؤدي بدورها الى الجدل والصراع والتعصب والفرقة وغيرها من الافات التي تضعف كيان الامة وتزعزع صفوفها وتشغلها بامور جانبية وكان يمكن ان يحسم كل ذلك بموقف واضح وصريح للمرجعية وهذا المعنى اوردته السيدة الزهراء (ع) في قولها ((وجعل امامتنا امانا ً من الفرقة وطاعتنا نظاما ً للملة)) اي ان القيادة الدينية سواء تمثلت بالامامة او المرجعية النائبة هي التي تحفظ وحدة الامة وصيانة افرادها من التفرقة وهذا لا يتم الا من خلال الادوار التي تؤديها ومنها دور بيان المواقف.
          ولعل سائل يسأل عن سبب غموض مواقف المرجعية وعدم ممارستها لذلك الدور الايجابي في حياة الامة، والجواب ان السبب بحسب فهمي قد يعود الى احد امرين اساسيين او كليهما:
1-      انزواء بعض العلماء وابتعادهم عن مسرح الحياة وانكفاءهم على العمل الحوزوي التقليدي  كالدرس وكتابة الرسائل العملية والاستخارة وصلاة الجماعة واضرابها من الامور وهي وان كانت اعمالا ً  جليلة الا ان المشكلة في الاقتصار عليها دون ممارسة ذلك الدور الواسع المناط بالعلماء، وهذا الانزواء يقعدهم عن ممارسة اصدار تلك المواقف وهو ناتج اما عن عدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق العلماء او من الفهم غير الصحيح لتلك المسؤولية او من الميل الى الدعة والراحة وعدم تحميل النفس المشقة والجهد وكلها امور غير مقبولة لو عرضناها على مفاهيم الدين الاسلامي وقيمه الرسالية، واذا تنزلنا وفرضنا قبول هذه الحالة من عموم العلماء فهي غير مقبولة من العالم المتصدي لمقام المرجعية والذي ترجع اليه الامة في تقليدها. 
2-      الخوف من ردة فعل بعض الشرائح التي قد تعارض المواقف التي تصدر عن المرجعية كالطغاة الذين يشنون حملات العداء والقتل المادي والمعنوي على المرجعية نتيجة مواقفها ضد الظلم والفساد او غير الاسلاميين الذين يواجهون المواقف التي تحد من انتشار افكارهم وتبطل بعض مدعياتهم وتحذر الناس من خطرها او حتى عموم المسلمين الذين يقدسون بعض الافكار والسلوكيات الخاطئة نتيجة لتصورهم الخاطئ بانها حق ومن الدين ويمارسون بعض الطقوس المنحرفة تحت تأثير العاطفة والسلوك الجمعي فيرفضون المساس بها فتبتعد المرجعية عن الخوض فيها تجنبا ً لردة فعلهم، وهذا السلوك لا يناسب شخصية المرجعية التي يجب ان تتحلى بقوة القلب وعدم الخشية من دون الله وتقديم رضاه ومصلحة الدين على رضا الناس وحفظ اي مصلحة اخرى، نعم لا ينبغي ان تكون المواقف مخالفة للتقية التي تحفظ بها مصالح ارفع واجل لكن من الصحيح الافراط في التقيد بالتقية غير المطلوبة او المكثفة على تعبير الشهيد الصدر الثاني (قد) الذي ورد عنه ((انا اقول بالتقية عند وجوبها ولكنه التقية المكثفة والدائمة بحيث الانسان يؤدي الى اهمال وضع الناس بعنوان ان هذا الكلام مخالف للتقية ، لا هذا في الحقيقة لا ينفع الا الاعداء)).

 
وللحديث تتمة يوم غد حيث سأشير الى نماذج لتلك المواقف وكيف انعكس غموضها سلبا ً على الوضع الديني والاجتماعي ، نسأله تعالى ان يرزق الجميع البصيرة في الدين ونيل رضا الله تبارك وتعالى واخر الدعاء ان الحمد لله وحده والصلاة على النبي واله