17 نوفمبر، 2024 3:41 م
Search
Close this search box.

رؤية نقدية للدراما العربية

رؤية نقدية للدراما العربية

من يجري مقارنة منطقية بين الأعمال الدرامية العربية السابقة سواء كانت من قبيل أفلام أو مسلسلات ..الخ والأعمال الدرامية اليوم سيكتشف مفارقات كبيرة تستدعي التمعن فالأعمال الدرامية في يومنا تكاد تختلف عن سابقاتها في كثير من الأمور والمعالجات خصوصاً وان أعمال السبعينيات والثمانينات كانت غالباً ما تسلط الضوء على العلاقات العاطفية المتشابكة و الإشكاليات الاجتماعية السائدة آنذاك وغيرها من التفاصيل التي لا نريد ان نوغل بها كثيراً كي لا نبتعد عن موضوعنا الرئيسي الذي يتناول الأعمال الدرامية العربية اليوم والتي ربما تبنت الكثير من المفاهيم والقيم التي لم ترى النور قبل عقود ..نرى غالباً في الأعمال العربية خصوصاً المسلسلات التي الكثير منها مقتبس لأغراض تجارية نرى الترويج للغرائز والخلاصات الفردية واضح لا يقبل الشك ناهيك عن الغوص في عالم المخدرات والجريمة والتبرير لكل شيء من أجل بلوغ الغاية فالبطل ليس أمامه سوى سلوك هذه الطرق التي يتعلمها منذ الصغر وربما يجد من يؤهله لبلوغ ذلك , فينشأ فقيراً معدماً يحاول جاهداً الخلاص من واقعه ويتدرج في مراتب معينة الى ان يصبح أكبر تاجر مخدرات على وجه الأرض بل حتى العلاقات العاطفية تكاد لا تنفصل عن هذا العالم المافيوي! , فنجد عنصر الاقتباس واضح في معظم الأعمال الدرامية العربية من قبيل النهايات المتوقعة التي تعتبر إسفاف بالنسبة للمشاهد الذي قد لا يهمه النهاية المتوقعة بقدر النهايات التي تعتبر محل لغز و تسائل , بالإضافة الى اللجوء الى الخيانة وربما تبريرها لبلوغ أهداف معينة , كخيانة الحبيب والصديق فكل شيء مبرر ومستباح في سبيل بلوغ الغاية والهدف .إذ يظهر البطل شخصية جامحة يحقق جميع أهدافه وان كانت غير مشروعة لن يقف في طموحه كائن من كان , ويظهر الصراع على السلطة والمال طاغيا على الأعمال العربية لدرجة أغلب المسلسلات تتناول هذا المضمون وان كان ذلك بدرجات متفاوتة .والنقطة الأبرز والتي تتعلق بالجوانب الفنية والمعالجات الإخراجية ما شهدناه في العقود الأخيرة من حبس الدراما العربية وتقييدها بأطر ومضامين معينة وسط طوفان من عشرات المسلسلات فمن الآثار السلبية لحصر الإنتاج السنوي للدراما في شهر رمضان على سبيل المثال هو التقيد بعدد 30 حلقة للمسلسلات, وهو تقليد يتناقض في أحيان كثيرة مع الخط العام لقصة المسلسل، مما يدعو المؤلف لتطويل الأحداث ومطها بشكل ممل من أجل ملء هذه الحلقات .
في حين أن كل التلفزيونات في العالم لا تعتمد معيارا عدديا محددا لعدد الحلقات فهناك المسلسل ذو الحلقات الثلاث أو الأربع أو العشر أو أكثر أو أقل… العدد هنا يعتمد على الحبكة وتطور الأحداث والشخصيات وليس مجرد تعبئة فترة زمنية , حيث تتناول بعض الأعمال العربية مواقف مجتزأة من سياقاتها وتقوم على تقديم أخطاء وممارسات فردية قد لا ترتقي الى حد الظاهرة التي تستدعي الطرح والتناول بل الكثير من النقاد بات يعتبر الأعمال العربية مجرد قص ولصق مع موسيقى تصويرية وتعبئة وقت ليس إلا .. إذ لا يخلو عملٌ من أعمال السنوات الأخيرة، من تدخُّلات المنتجين، وتحويل مسار الرواية المُعدة للإنتاج التلفزيوني , وذلك بما يتناسب مع رؤية المنتجين أنفسهم، ولو جاءت هذه الرؤية بعيدةً عن الواقع، أو تصوُّر الكاتب الحقيقي لشخصيات الرواية وأحداثها ولا ننسى أيضاً المواقف النقدية تجاه الأعمال الدرامية تتباين وتتنوع بطبيعة الحال تبعاً لمحتوى هذه الأعمال.
اليوم نجد الاستخدام السيء للتكنولوجيا ووسائل التواصل في الأعمال الدرامية إذ يعكس هذا المفهوم واقع المجتمعات العربية التي لا زالت تعاني الاختلافات البينية داخل البيت والعائلة الواحدة وعنصر الفردية هنا واضح كما أشرنا إذ نجد طموح ابن العائلة الشاب (سواء كان رجلاً أم امرأة ) فوق كل اعتبار ضارباً العادات والتقاليد والقيم المجتمعية عرض الحائط سائراً نحو أهدافه وغرائزه دون رادع أو وازع يغوص في عوالمه المحرمة التي لا ينازعه فيه أحد عاداً ذلك نتيجة الفقر وسوء الأحوال المعاشية وكأن المؤلف يريد ان يقول لنا بأن كل شيء مشرعن لطالما الوسيلة متاحة ومن يشاهد هذه الأفلام والمسلسلات سيتصور بأن جميع المجتمعات العربية فقيرة معدمة تعاني العوز والفاقة وكل الشباب العربي هم تائهون ضاقت بهم سبل الحياة…الخ وهذا الأمر بطبيعته يتنافى تماماً مع المنطق ففي كل المجتمعات يوجد الأغنياء والفقراء ومتوسطو الدخل فلما تسليط الضوء على فئة محددة بعينها دون سواها ؟! .. بالمقابل نجد الكثير من الأعمال الغربية تتناول القضايا العلمية والتعليمية من قبيل مواكبة التطور الحاصل في المجالات التقنية والتكنولوجية والتنافس في مجال الاختراعات العلمية عكس الأعمال العربية التي لا تقدم لنا غير الغرائز والهفوات الجنسية والعلاقات العابرة وكل الإرهاصات الاجتماعية التي باتت المادة المرغوبة في سوق السينما والتلفزيون العربي !.

ويمكن القول في النهاية الأعمال العربية لم تعد تلبي طموح وتطلُّع المشاهد العربي بل أصبح مَن يقفون خلف الدراما يستوردون أفكارًا وافدة سرعان ما تصطدم بالثقافات والقيم المحلية , إذ بدء الكاتب والمؤلف الحقيقي يأخذ دوراً ثانوياً تاركاً مكانه للمثل والمخرج وشركات الربح والتسويق التي تكتفي بالإعداد شبه الجماعي كيفما اتفق وسعي هذا الفريق وراء غزارة الإنتاج دون الاكتراث للمحتوى الفني , فتدني مستوى الأفلام و المسلسلات العربية في السنوات الأخيرة لم يأتي من فراغ بل هو انعكاس لأزمة تمثل اليوم غياب للنص الحقيقي وتعدد منصات البث التلفزيونية تماشياً مع ثنائية العرض والطلب التي باتت اليوم المانشيت العريض لأغلب الأعمال الدرامية العربية !.

 

 

 

 

 

 

رؤية نقدية للدراما العربية
سيف عامر

من يجري مقارنة منطقية بين الأعمال الدرامية العربية السابقة سواء كانت من قبيل أفلام أو مسلسلات ..الخ والأعمال الدرامية اليوم سيكتشف مفارقات كبيرة تستدعي التمعن فالأعمال الدرامية في يومنا تكاد تختلف عن سابقاتها في كثير من الأمور والمعالجات خصوصاً وان أعمال السبعينيات والثمانينات كانت غالباً ما تسلط الضوء على العلاقات العاطفية المتشابكة و الإشكاليات الاجتماعية السائدة آنذاك وغيرها من التفاصيل التي لا نريد ان نوغل بها كثيراً كي لا نبتعد عن موضوعنا الرئيسي الذي يتناول الأعمال الدرامية العربية اليوم والتي ربما تبنت الكثير من المفاهيم والقيم التي لم ترى النور قبل عقود ..نرى غالباً في الأعمال العربية خصوصاً المسلسلات التي الكثير منها مقتبس لأغراض تجارية نرى الترويج للغرائز والخلاصات الفردية واضح لا يقبل الشك ناهيك عن الغوص في عالم المخدرات والجريمة والتبرير لكل شيء من أجل بلوغ الغاية فالبطل ليس أمامه سوى سلوك هذه الطرق التي يتعلمها منذ الصغر وربما يجد من يؤهله لبلوغ ذلك , فينشأ فقيراً معدماً يحاول جاهداً الخلاص من واقعه ويتدرج في مراتب معينة الى ان يصبح أكبر تاجر مخدرات على وجه الأرض بل حتى العلاقات العاطفية تكاد لا تنفصل عن هذا العالم المافيوي! , فنجد عنصر الاقتباس واضح في معظم الأعمال الدرامية العربية من قبيل النهايات المتوقعة التي تعتبر إسفاف بالنسبة للمشاهد الذي قد لا يهمه النهاية المتوقعة بقدر النهايات التي تعتبر محل لغز و تسائل , بالإضافة الى اللجوء الى الخيانة وربما تبريرها لبلوغ أهداف معينة , كخيانة الحبيب والصديق فكل شيء مبرر ومستباح في سبيل بلوغ الغاية والهدف .إذ يظهر البطل شخصية جامحة يحقق جميع أهدافه وان كانت غير مشروعة لن يقف في طموحه كائن من كان , ويظهر الصراع على السلطة والمال طاغيا على الأعمال العربية لدرجة أغلب المسلسلات تتناول هذا المضمون وان كان ذلك بدرجات متفاوتة .والنقطة الأبرز والتي تتعلق بالجوانب الفنية والمعالجات الإخراجية ما شهدناه في العقود الأخيرة من حبس الدراما العربية وتقييدها بأطر ومضامين معينة وسط طوفان من عشرات المسلسلات فمن الآثار السلبية لحصر الإنتاج السنوي للدراما في شهر رمضان على سبيل المثال هو التقيد بعدد 30 حلقة للمسلسلات, وهو تقليد يتناقض في أحيان كثيرة مع الخط العام لقصة المسلسل، مما يدعو المؤلف لتطويل الأحداث ومطها بشكل ممل من أجل ملء هذه الحلقات .
في حين أن كل التلفزيونات في العالم لا تعتمد معيارا عدديا محددا لعدد الحلقات فهناك المسلسل ذو الحلقات الثلاث أو الأربع أو العشر أو أكثر أو أقل… العدد هنا يعتمد على الحبكة وتطور الأحداث والشخصيات وليس مجرد تعبئة فترة زمنية , حيث تتناول بعض الأعمال العربية مواقف مجتزأة من سياقاتها وتقوم على تقديم أخطاء وممارسات فردية قد لا ترتقي الى حد الظاهرة التي تستدعي الطرح والتناول بل الكثير من النقاد بات يعتبر الأعمال العربية مجرد قص ولصق مع موسيقى تصويرية وتعبئة وقت ليس إلا .. إذ لا يخلو عملٌ من أعمال السنوات الأخيرة، من تدخُّلات المنتجين، وتحويل مسار الرواية المُعدة للإنتاج التلفزيوني , وذلك بما يتناسب مع رؤية المنتجين أنفسهم، ولو جاءت هذه الرؤية بعيدةً عن الواقع، أو تصوُّر الكاتب الحقيقي لشخصيات الرواية وأحداثها ولا ننسى أيضاً المواقف النقدية تجاه الأعمال الدرامية تتباين وتتنوع بطبيعة الحال تبعاً لمحتوى هذه الأعمال.
اليوم نجد الاستخدام السيء للتكنولوجيا ووسائل التواصل في الأعمال الدرامية إذ يعكس هذا المفهوم واقع المجتمعات العربية التي لا زالت تعاني الاختلافات البينية داخل البيت والعائلة الواحدة وعنصر الفردية هنا واضح كما أشرنا إذ نجد طموح ابن العائلة الشاب (سواء كان رجلاً أم امرأة ) فوق كل اعتبار ضارباً العادات والتقاليد والقيم المجتمعية عرض الحائط سائراً نحو أهدافه وغرائزه دون رادع أو وازع يغوص في عوالمه المحرمة التي لا ينازعه فيه أحد عاداً ذلك نتيجة الفقر وسوء الأحوال المعاشية وكأن المؤلف يريد ان يقول لنا بأن كل شيء مشرعن لطالما الوسيلة متاحة ومن يشاهد هذه الأفلام والمسلسلات سيتصور بأن جميع المجتمعات العربية فقيرة معدمة تعاني العوز والفاقة وكل الشباب العربي هم تائهون ضاقت بهم سبل الحياة…الخ وهذا الأمر بطبيعته يتنافى تماماً مع المنطق ففي كل المجتمعات يوجد الأغنياء والفقراء ومتوسطو الدخل فلما تسليط الضوء على فئة محددة بعينها دون سواها ؟! .. بالمقابل نجد الكثير من الأعمال الغربية تتناول القضايا العلمية والتعليمية من قبيل مواكبة التطور الحاصل في المجالات التقنية والتكنولوجية والتنافس في مجال الاختراعات العلمية عكس الأعمال العربية التي لا تقدم لنا غير الغرائز والهفوات الجنسية والعلاقات العابرة وكل الإرهاصات الاجتماعية التي باتت المادة المرغوبة في سوق السينما والتلفزيون العربي !.

ويمكن القول في النهاية الأعمال العربية لم تعد تلبي طموح وتطلُّع المشاهد العربي بل أصبح مَن يقفون خلف الدراما يستوردون أفكارًا وافدة سرعان ما تصطدم بالثقافات والقيم المحلية , إذ بدء الكاتب والمؤلف الحقيقي يأخذ دوراً ثانوياً تاركاً مكانه للمثل والمخرج وشركات الربح والتسويق التي تكتفي بالإعداد شبه الجماعي كيفما اتفق وسعي هذا الفريق وراء غزارة الإنتاج دون الاكتراث للمحتوى الفني , فتدني مستوى الأفلام و المسلسلات العربية في السنوات الأخيرة لم يأتي من فراغ بل هو انعكاس لأزمة تمثل اليوم غياب للنص الحقيقي وتعدد منصات البث التلفزيونية تماشياً مع ثنائية العرض والطلب التي باتت اليوم المانشيت العريض لأغلب الأعمال الدرامية العربية !.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أحدث المقالات