الشرق الأوسط يُعيد هيكلة نفسه .. “نبيل فهمي”: على دول المنطقة إعادة تقييم علاقاتها بـ”واشنطن” !

الشرق الأوسط يُعيد هيكلة نفسه .. “نبيل فهمي”: على دول المنطقة إعادة تقييم علاقاتها بـ”واشنطن” !

وكالات – كتابات :

لطالما كان الشرق الأوسط موضوعًا لنظرية المؤامرة ومن أكبر مثيريها. ويُبرر التاريخ الحديث وبقايا عقود الاستعمار الأوروبي القديم الكثير من مخاوف المنطقة، فبموجب اتفاقية (سايكس-بيكو)، تآمرت “فرنسا” و”بريطانيا”، بموافقة “روسيا” و”إيطاليا”، على تقسيم غنائم الإمبراطورية التركية بعد الحرب العالمية الأولى، قبل أن تُخطط الأوليان لتقسيم نصيب “روسيا” من الغنائم بعد غياب القيصر الروسي عن المشهد؛ كما أراد “نبيل فهمي”؛ وزير الخارجية المصري السابق، أن يستهل تحليله؛ الذي نشره موقع مركز (المستقبل) للأبحاث والدراسات المتقدمة، للمشهد العالمي الحالي وتأثيرات تفاعلاته على منطقة الشرق الأوسط؛ تحت عنوان: “المؤامرات والولايات المتحدة والضرورات العربية”.

كما تأججت هذه المخاوف بسبب الحنث الصارخ في العهود التي قُطعت للقادة العرب في “غرب آسيا” لدعم إنشاء دولة عربية كبرى في بلاد الشام. ثم بعد ما يزيد على نصف قرن، كان الغزو الأميركي لـ”العراق”؛ عام 2003 – بحجة حيازة الأخير أسلحة الدمار الشامل – بمنزلة أرض خصبة نمت فيها نظريات مؤامرة مبررة، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث المتعلقة بالصراع “العربي-الإسرائيلي” وبأمن الخليج وشمال إفريقيا، والتي أشعلت تلك النظريات.

تلون النهج الأميركي..

زادت ثروات المنطقة من الموارد، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي، من جاذبيتها الجيوسياسية في فترة التنافس إبان “الحرب الباردة”، ولم تستحِ القوى الكبرى من الإعلان عن مصالحها في الشرق الأوسط، كما حدث في “عقيدة كارتر”؛ بشأن المصالح الأميركية بالمنطقة في مجال الطاقة؛ والتي أُعلنت في 23 كانون ثان/يناير 1980.

بيد أن إعلان الرئيس الأسبق؛ “أوباما”، عزمه التحول نحو “آسيا” عكَس تراجع اهتمام “الولايات المتحدة” بالمنطقة، وإن كان ذلك بافتراض ساذج إلى حدٍ ما أن “الولايات المتحدة” ستتحول جذريًا عن الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من عدم اهتمام الرئيس السابق؛ “ترامب”، بأمن المنطقة، فإنه بدأ في التقرب منها تجاريًا، وهي خطوة ربما أتت بثمارٍ على المدى القصير، لكنها لم تكن حكيمة نظرًا لاستمرار تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة.

أما الآن فيتحدث الرئيس؛ “بايدن”، عن العودة إلى الدبلوماسية التقليدية وتقليص النشاط العسكري العملياتي. وفي الفترة التي سبقت زيارته إلى “جدة”؛ في تموز/يوليو الماضي، نشرت بعض المصادر عددًا كبيرًا من السيناريوهات لعقد قمم “أميركية-إسرائيلية-عربية” رفيعة المستوى وواسعة النطاق، ولإمكانية إقامة تحالف دفاعي شرق أوسطي شبيه ب،”حلف شمال الأطلسي”؛ ضد “إيران”، ولكن تبين عدم قبول مختلف حلفاء أميركا المُقّربين لمثل هذا التحالف.

لكن المبالغة حول الزيارة والغموض فيما يتعلق بموقف “بايدن” الحقيقي، لم يُخفيا حاجته المتزايدة لمساعدات الدول العربية لتحقيق الاستقرار في أسواق “النفط”. ومع ذلك، أثار البعض تساؤلات عما إذا كانت هذه الزيارة هي الخطوة الأولى نحو مؤامرة لإعادة هيكلة المنطقة. غير أن ثمة سؤالاً آخر يطرح نفسه، ولا يقل أهمية عن السؤال السابق، حول ما إذا كانت المنطقة هي التي تُعيد هيكلة نفسها في الواقع، وأن دور “الولايات المتحدة” لا يتعدى كونه دورًا تكميليًا، ناهيك عما إذا كان مهمًا في الأساس، وأنا أميل إلى السيناريو الثاني.

ولقد حاول الرئيس “بايدن”؛ أن يتمرد على سياسة “ترامب” عند تعامله مع المنطقة، لكنه وجد الأمر عسيرًا نتيجة التداعيات الاقتصادية لـ (كوفيد-19) وللأزمة الأوكرانية، إلى جانب العواقب السياسية الوشيكة لانتخابات التجديد النصفي في تشرين ثان/نوفمبر (2022). لذا سعى “بايدن” للحفاظ على إنجازات الإدارة السابقة، المتمثلة في “اتفاقيات إبراهام”، من دون التحمس لأن يحذو حذوها، مع التركيز على مسألة الطاقة، وبالتالي خدمة مصالح ناخبيه الاقتصادية.

التحول الجيوسياسي في المنطقة..

مع التحولات المحلية والجيوسياسية، على الدول العربية أن تُدرك أن التغيير مستمر ولن يتوقف في الغالب لأن الراضين عن ظروفهم الإقليمية أو المحلية في العالم العربي ليسوا سوى قلة قليلة؛ بحسب رؤية “فهمي”.

وبالتوازي، تمر “إيران وإسرائيل وتركيا” أيضًا؛ بمرحلة من مراجعة هوياتهم الخاصة، وإن كان ذلك من وجهات نظر مختلفة، وقد تبنوا بالفعل سياسات إقليمية أكثر حزمًا.

وتُجدر هنا الإشارة إلى أن الشرق الأوسط أصبح أكثر نشاطًا في جانبه الغرب آسيوي، مما يُزيد من الفصل بين العنصرين الآسيوي والإفريقي في العالم العربي، ويؤثر سلبًا على ميزان القوى والعلاقات مع الخصوم الإقليميين الأقوياء. ولم يكن هناك قط أي وحدة أو توافق كاملان في العالم العربي، كما أن التعددية على الأصعدة الإقليمية أكثر تعقيدًا منها على الأصعدة من دون الإقليمية، ولكن الاتحاد قوة.

ولقد دأبت جميع دول الشرق الأوسط على إعادة النظر في نماذجها الأمنية القومية، مركزةً بالتحديد على إضفاء الطابع الإقليمي على النزاعات وحلها، مما يتطلب قدرات أمنية وطنية وإقليمية أقوى، وهو أمر لا يمكن الاستهانة به نظرًا لعزم “الولايات المتحدة” خفض عملياتها العسكرية المحتملة في المنطقة.

ولا يسع المرء سوى ملاحظة أن تصريح “بايدن”، الذي أعلن فيه أنه سيكون أول رئيس يزور المنطقة من دون وجود قوات قتالية نشطة، يحمل دلالات كبيرة.

ولطالما اعتمدت دول الشرق الأوسط اعتمادًا مفرطًا على المساعدات الأمنية الأميركية والغربية. لذلك، فهم يُعيدون الآن تقييم علاقاتهم.

ومن الأمثلة على ذلك: “إعلان القدس”، الذي أعاد التأكيد كتابةً على إلتزام “الولايات المتحدة” بعدم السماح لـ”إيران” بحيازة أسلحة نووية، من دون تقييد حق “إسرائيل” في التصرف منفردة. وهذا يُذكرني بإلتزام سابق قدمه “هنري كيسنغر”؛ بعد الحرب بين العرب و”إسرائيل”، في تشرين أول/أكتوبر 1973، عندما كانت “إسرائيل” تخشى أن سعي “أميركا” لإقامة هدنة مع “الاتحاد السوفياتي” قد يتسبب في ضغوط عليها لا داعي لها لإحلال السلام. ولقد تعهدت “الولايات المتحدة”؛ في تلك الوثيقة – من دون إبلاغ “مصر” – بأنها لن تتقدم رسميًا بأية مقترحات لمد جسور السلام قبل الاتفاق أولاً مع “إسرائيل”.

ولقد كانت الأحداث التي وقعت مؤخرًا في “أوكرانيا” بمنزلة ناقوس ضخم للتذكير بأن “الحرب الباردة” المحتملة مع “روسيا” و”الصين” ستحول دون الانسحاب الأميركي الكامل من المنطقة، لذا من المتوقع إعادة تقييم العلاقات مع المنطقة بدلاً من التحول عنها. ومع زيادة اهتمام “الصين” بالأسواق وبالطاقة، سيتعين على دول الشرق الأوسط أن توازن علاقاتها بحساب، فـ”الولايات المتحدة” صارت أكثر حساسية.

على الرغم أن العلاقات بين إدارة “بايدن”؛ وبين: “مصر والإمارات والسعودية”، استقرت مؤخرًا، قبل زيارته للمنطقة على الأقل.

مع ذلك، لا يزال هناك جهد مطلوب لرفع مستوى التعاون بينهم، ولن يتسنى ذلك قبل انتخابات “الكونغرس”؛ في تشرين ثان/نوفمبر 2022. ومع ذلك، كانت “قمة جدة” دليلاً على أن السياسة الواقعية تتفوق على خطاب “بايدن” الانتخابي.

الحقائق الجديدة في المنطقة..

على العالم العربي أن يُبادر بوضع جدول أعمال للمستقبل؛ يستمر “فهمي”،  وأن يُعلن عن رؤيته للمنطقة بوضوح، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالهياكل السياسية والاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط، أم المباديء الأساسية أو المواطنة لجميع الشعوب.

ومن الناحية الديموغرافية، تقل أعمار أكثر من: 60% من سكان العالم العربي عن: (30 عامًا)، وتختلف تجاربهم ووقائعهم عن الأجيال السابقة، كما تمتد تطلعاتهم إلى ما وراء حدود الدول القومية. لذلك فإن التغيير أمر حتمي، وليس بالضرورة مصدرًا لعدم الاستقرار، شريطة أن يكون تدريجيًا وأن تحكمه تطلعات مشروعة في المنطقة.

ولم تُعد القوى الكبرى تتطلع إلى الشرق الأوسط بالتشدد أو الإلحاح نفسيهما، كما فعلت في الماضي. لذا، وجب علينا الآن أكثر من ذي قبل أن نتحد لنُصبح أكثر اعتمادًا على أنفسنا، ونصير أكثر تفاعلاً على المستوى الإقليمي، وتزداد قدرتنا على إدارة مصالحنا بأنفسنا وإيجاد حلول إبداعية لحل الخلافات على أساس ميزان المصالح وليس ميزان القوى.

ولا يسعني سوى التأكيد على أهمية سيادة القانون في العلاقات الدولية في هذا الصدد، فجميع دول المنطقة صغيرة أو متوسطة الحجم، وبالتالي فإن احترام الصديق والعدو على حدٍ سواء للقانون الدولي هو شرط لا غنى عنه لتحقيق الأمن والاستقرار.

ولن يتحقق أي من هذه الأمور فجأة بين عشية وضحاها أو على المدى القريب، لكن التعاون الإقليمي سيُقلل من احتمال وجود نظرية المؤامرة، وسيدفع العالم العربي إلى الرد على الأحداث باتخاذ مواقف إيجابية. إنّ تقبل هذه الحقائق الجديدة وتبنيها والاستجابة لها صار أمرًا حتميًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة