8 أبريل، 2024 3:23 م
Search
Close this search box.

أزعجها ظهور الاحترام للنضال المسلح .. “واشنطن بوست” ترصد حملات تشويه “غاندي” في الهند !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

“المهاتما غاندي”؛ واحد من أشهر المناضلين في العالم، وتُمثل سياسته القائمة على النضال السلمي ضد الاستعمار أيقونة خاصة، لكن “الهند” تحت قيادة؛ “ناريندرا مودي”، لها رأي آخر، فما الذي تكشف عنه احتفالات 75 عامًا من الاستقلال ؟

صحيفة الـ (واشنطن بوست) الأميركية؛ نشرت تقريرًا عنوانه: “مع احتفال الهند بعيد الاستقلال الـ 75، ثمة تقليل من قيمة إرث غاندي، والاستهزاء به”، ألقى الضوء على التحول الخطير من الديمقراطية القائمة على التعدد إلى الشعبوية الهندوسية التي تُمثل خطرًا داهمًا على الأقلية المسلمة في “الهند”؛ (بحسب ما تروجه الآلة الدعائية الأميركية من مفاهيم زائفة عن الديمقراطية وإبراز الطائفية)، والتي يبلغ تعدادها أكثر من: 200 مليون شخص من سكان البلاد البالغ: 1.4 مليار نسمة. وتحتفل “الهند” الإثنين 15 آب/أغسطس، بمرور 75 عامًا، على استقلال البلاد عن “بريطانيا”.

أفلام تُمجِّد “المقاتلين”..

عندما بدأ كاتب السيناريو الهندي؛ “فيغايندرا براساد”، كتابة فيلم حركة؛ (أكشن)، قبل 05 سنوات، أراد أن يروي قصة خيالية، لكنها تُشيد: بـ”المحاربين الحقيقيين” في رحلة نضال “الهند” من أجل الحرية.

كانت النتيجة فيلم: (RRR)، وهو عرض مبهر مدته: 03 ساعات أُنتج هذا العام، وحطم على الفور الأرقام القياسية في شباك تذاكر دور العرض الهندية. يبدأ البطل في ذروة الفيلم تسليح القرويين الهنود بالبنادق لمحاربة المستعمرين البريطانيين قبل إنطلاق مشهد تأبين فخم لقائمة تضم أسماء ثوار حقيقيين من التاريخ الهندي.

يغيب عن تلك القائمة اسم “المهاتما غاندي”، أيقونة المقاومة السلمية، أو إستراتيجية اللاعنف، والذي نال إشادة كثيرين في جميع أنحاء العالم، لكن “براساد” لم يكن من ضمنهم.

قال “براساد” مؤخرًا: “حان الوقت لإخبار الهنود بالحقيقة؛ وأن يعرفوا هوية المحاربين الحقيقيين الذين ينبغي تكريمهم”، مضيفًا أنَّ: “حصول الهند على الاستقلال لم يكن بسبب غاندي. هذه هي الحقيقة”.

بينما تحتفل “الهند”؛ يوم الإثنين 15 آب/أغسطس 2022؛ بمرور 75 عامًا، على استقلالها عن الحكم البريطاني، فإنَّ إرث “والد الأمة” الذي دعا إلى المقاومة اللاعنفية والعلمانية يتعرَّض للتشكيك والتقليل من قيمته والاستهزاء به على نحو لم يحدث من قبل.

بدلاً من ذلك؛ يلتف الهنود حول مجموعة أخرى من أبطال القرن الـ 20، لاسيما القادة الذين فضَّلوا الكفاح المسلح أو دافعوا علنًا عن الهندوس، الأمر الذي يعكس المزاج الحالي للأمة الهندية والتحوّل في سياساتها وثقافتها؛ بحسب التقرير الأميركي.

تتعرَّض سمعة “غاندي” حاليًا للتشويه بانتظام في مسيرات المتشددين القوميين الهندوس، معتبرين أنَّه كان رخوًا في تكتيكاته ضد البريطانيين، ومتصالحًا بصورة مفرطة مع مسلمي “الهند”، الذين انفصلوا وشكَّلوا دولتهم الخاصة بهم، “باكستان”، في 14 آب/أغسطس 1947. كما تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي وفي منتديات الإنترنت الكثير من الأكاذيب والمغالطات حول خيانة “غاندي” المزعومة للهندوس.

كان هناك تهميش متعمَّد لـ”غاندي” و”جواهر لال نهرو”، أحد زعماء حركة الاستقلال وأول رئيس وزراء لـ”الهند” بعد الاستقلال، في الأفلام والمنافذ الإعلامية التابعة للتيار السياسي الرئيس؛ في حين تعاظمت الإشادة بالقوميين المناصرين للنضال المُسلّح.

تُعيد “الهند” التفكير بشكلٍ أساس فيما إذا كان “غاندي” قادرًا على نيل حرية البلاد من الاستعمار بدون شبح إراقة الدماء، وما إذا كان ينبغي أن تكون مُثُله العُليا هي المباديء الأساسية الثابتة للبلاد.

قال “توشار غاندي”، حفيد الزعيم الهندي الراحل، “المهاتما غاندي”: “تُحاول الحكومة الحالية ترويج نفسها على أنَّها حكومة متحدية وقوية. ثمة حملة متواصلة لإقتلاع مكانة غاندي من نفسية الشعب الهندي أو على الأقل التقليل من قيمته لدرجة تجعله شخصًا عاديًا عديم الأهمية”.

يتجسَّد هذا التحول الثقافي في “ناريندرا مودي”، رئيس الوزراء الشعبوي الذي صوَّره حلفاؤه باعتباره نقيضًا حيًّا لـ”غاندي” و”نهرو” – فهو حاد مع المسلمين وغارق في القومية الهندوسية.

كانت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية قد نشرت مقالاً عنوانه: “الهند بزعامة مودي على خطى النازية”، شبّه فيه الكاتب ما يتعرض له المسلمون في “آسام” على أيدي الهندوس، ما قامت به حكومة “ألمانيا النازية” تجاه اليهود في “أوروبا”.

ومنذ عام 2018، أعلن “مودي” عن تمثالين جديدين لإثنين من المقاتلين من أجل الحرية، التمثال الأول لـ”سوبهاش تشاندرا بوز”، القومي الهندي الذي انفصل عن “غاندي”؛ وشكَّل جيشًا لمواجهة البريطانيين وطلب المساعدة من “ألمانيا النازية” و”إمبراطورية اليابان” الإمبراطورية؛ والثاني لـ”ساردار فالاباي باتل”، وزير الداخلية السابق الذي وحَّد أراضي “الهند” باستخدام القوة العسكرية وشكَّك في ولاء المسلمين الهنود. بينما يحظى كلا الرجلين بمكانة كبيرة لدى الهنود عبر مختلف الطيف السياسي، كان هناك احتضان خاص لهما من التيار اليميني.

ظهرت تماثيل “بوز” و”باتل” في مقطع فيديو أصدرته “وزارة الثقافة” الهندية؛ هذا الشهر، احتفالاً بذكرى الاستقلال في حين لم تظهر أي صورة أو إشارة لـ”غاندي” و”نهرو”، تمامًا كما حدث في فيلم (RRR).

قال “فيغايندرا براساد”، كاتب السيناريو الذي رشحه “مودي”؛ لـ”مجلس الشيوخ”، في حزيران/يونيو، لمساهماته في المجال الثقافي الهندي: “لا يمكنك الدعوة إلى اللاعنف عند مواجهة المتوحشين والقتلة”. وأضاف: “لم يكن غاندي رجلاً سيئًا، لكن الشيء السييء هو حجم الإشادة والتبجيل الذي حظى به على مدى عقود. يُشكَّك جيل الشباب اليوم في كل ذلك، لأن العديد من الحقائق التاريخية بدأت تظهر بوضوح”.

متى بدأت الموجة التعديلية ؟

منذ وفاته، اختلف المؤرخون والكتّاب الهنود حول إنجازات “غاندي” وإخفاقاته. يُجادل كثيرون بأنَّ “غاندي” نال تقديرًا مفرطًا في العقود التي تلت عام 1947، عندما سيطر حزبه (المؤتمر الوطني الهندي) على المجال السياسي وشكَّل اتجاه صناعة الأساطير في البلاد. انتقد باحثون هنود، في الآونة الأخيرة، آراء “غاندي” بشأن العرق والجنس، في تقليل واضح من قيمة إرثه.

تُسارعت وتيرة تلك الموجة التعديلية خلال العقود الأخيرة، لاسيما مع صعود حزب (بهاراتيا غاناتا) – الحزب الحاكم الحالي لـ”جمهورية الهند” – وتراجع هيمنة حزب (المؤتمر الوطني الهندي).

تعود جذور حزب (بهاراتيا غاناتا) إلى الحركة القومية الهندوسية؛ التي عارضت إيديولوجية “غاندي” العلمانية خلال فترة حياته؛ وفضَّلت رؤية “الهند” باعتبارها أمة هندوسية. كان “ناتهورام غودسي”، الرجل الذي اغتال “غاندي” بثلاث رصاصات في صدره عام 1948، عضوًا في “منظمة التطوع الوطنية”؛ (راشتريا سوايامسيفاك سانغ)، وهي منظمة قومية هندوسية مؤثرة كان “مودي” على صلة بها خلال فترة شبابه.

قال “سريناث راغافان”، المؤرخ في جامعة “أشوكا” الهندية، إنَّ: “النقد الموجه إلى غاندي ليس جديدًا، لكن اللافت للنظر أنَّه ينتشر مُجدَّدًا ويضرب بجذوره في البلاد في وقت تُحاول فيه الإيديولوجية القومية الجديدة لحزب (بهاراتيا غاناتا) تأكيد هيمنتها”، وأضاف: “في ضوء حقيقة أنَّ ثمة منظمات – مثل منظمة التطوع الوطنية – ظلت بعيدة عن حركة الاستقلال التي قادها غاندي، فإنَّ بحثها عن الشرعية التاريخية تطلَّب البحث عن رموز قومية بديلة”.

ومع ذلك، كان “ناريندرا مودي” يُبدي باستمرار الاحترام والتقدير لـ”غاندي” في الاحتفالات والخطب العامة. وبَّخ “مودي” زملاءه أعضاء البرلمان عن حزب (بهاراتيا غاناتا)، عندما أشادوا بقاتل “غاندي” ووصفوه بأنَّه وطني. في عام 2011، حظر “مودي”، الذي كان حينها رئيسًا لحكومة ولاية “غوجارات”، نشر سيرة ذاتية كتبها صحافي أميركي أشارت إلى أنَّ “غاندي” كان مثلي الجنس، ولديه وجهات نظر عنصرية. قال “مودي” إنَّ هذا الكتاب لا يشوِّه: “رمزًا أيقونيًا للأمة الهندية فحسب، بل للعالم أجمع”.

لكنه إلتزم الصمت أيضًا في العام الماضي؛ عندما نظَّم تيار اليمين الهندوسي المتطرف سلسلة من التجمعات الدينية دعا فيها المتحدثون إلى العنف ضد المسلمين؛ وأصبحت كراهية “غاندي” نغمة متواصلة. في تجمع حاشد في كانون أول/ديسمبر، وجَّه رجل دين هندوسي التحية لقاتل “غاندي”، “ناتهورام غودسي”، وجادل بأنَّ “الهند” كانت ستُصبح أقوى من “أميركا” اليوم لو كان “باتل”، وليس “نهرو”، أول رئيس وزراء للبلاد.

ومنذ وصول “مودي” إلى السلطة؛ عام 2014، شنت جماعات هندوسية يمينية هجمات على أقليات بدعوى أنها تُحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الإعتقاد الذي يحميه الدستور.

وفي 2019، وافقت الحكومة على قانون يخص الجنسية؛ قال معارضون له إنه تقويض لدستور “الهند” العلماني بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة. والقانون من شأنه منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجاينيين والبارسيين والسيخ الذين فروا من “أفغانستان وبنغلاديش وباكستان”؛ قبل 2015.

في السياق ذاته؛ تعتقد الناشطة الهندوسية، “بوغا شكون باندي”، أنَّ “مودي” يُشارك اليمين المتطرف إزدراءه لـ”غاندي”، قائلة: “أؤمن أنَّ مودي يُضمر في داخله نفس مشاعر الإزدراء لغاندي، لكنّه مُقيّد بقواعد منصبه العلماني”.

تصدرت “بوغا شكون باندي”؛ عناوين الصحف في ذكرى وفاة “غاندي”؛ عام 2019، عندما التقطت بندقية هوائية وأطلقت ثلاث طلقات على دمية لـ”غاندي”، قائلة إنَّ ما تحتاجه “الهند” هو القوة الوطنية ومزيد من التسلح وتدريب شباب “الهند” لمحاربة ما وصفته بتهديد الجهاد الإسلامي. وأضافت: “يجب أن تُصبح قويًا روحانيًا وعسكريًا”.

تحول ثقافي في الهند..

في عام 1998، حظرت الحكومة الهندية برئاسة؛ “أتال بيهاري فاغبايي”، رئيس الوزراء الهندي الأسبق وأحد الزعماء البارزين في حزب (بهاراتيا غاناتا)، عرض مسرحي في “مومباي” أظهر قاتل “غاندي” باعتباره بطلاً رئيسًا في الرواية.

لكن منذ العقد الأول من القرن الـ 21، ظهرت المزيد من الأفلام تستكشف حياة القوميين المتشددين الأقل شهرة وخصوم “غاندي”. في عام 2004، أخرج “شيام بينغال”، المخرج الهندي الشهير، سيرة ذاتية تشرح حياة القومي المتشدد، “سوبهاش تشاندرا بوز”، تحت عنوان فرعي: (البطل المنسي).

قال “سرينيفاس إسفي”، أستاذ بجامعة “عظيم بريمغي”، يدرس السينما الهندية: “يُنتَج حاليًا مزيد من الأفلام الجماهيرية التي تتوقع مسبقًا تحول البلاد إلى الاتجاه اليميني المتطرف. نرى تفضيلاً لنوعية القومية المدعومة بقوة السلاح”.

يُخطط “ماهيش مانغريكار”، مُنتج أفلام وممثل هندي شارك في الفيلم البريطاني: (Slumdog Millionaire)؛ عام 2008، لفيلم سينمائي هذا العام عن “فيناياك دامودار سافاركار”، أحد مؤسسي الفكر الهندوسي القومي؛ والذي اتهم بالتآمر في مقتل “غاندي”. ويُشير “فيغايندرا براساد”، كاتب سيناريو فيلم: (RRR)، إلى أنَّه مرَّ شخصيًا بتحول ثقافي خلال السنوات الأخيرة.

قال “براساد” إنَّ أصدقاءه أرسلوا له قبل 05 سنوات منشورات على شبكة الإنترنت تتحدث عن “غاندي” وتاريخ الاستقلال. ساهمت تلك المنشورات في قلب معتقداته رأسًا على عقب، حيث بدأ البحث على الإنترنت وخلص إلى أنَّ “غاندي” كان غير ديمقراطي.

تحول “براساد”؛ في هذه الأيام، إلى النظام الغذائي النباتي وإعتناق تعاليم الإله الهندوسي، “كريشنا”، (البهاغافاد غيتا). لكنه دعا الهندوس أيضًا إلى احترام التعددية الدينية وأدان القومية الهندوسية التي تُمجّد قاتل “غاندي”، قائلاً: “لا يوجد شخص مثالي. لكن لا أحد يستحق القتل”.

ومع ذلك، لم يكن فيلمه الجديد: (RRR) مُحمّلاً برسائل سياسية فحسب، بل أنطوى على رسائل دينية أيضًا. استندت قصة الفيلم بشكل فضفاض إلى قصة “ألوري سيتاراما راغو”، القائد الثوري الهندي الذي شنَّ حملة مسلحة وانخرط في حرب عصابات ضد الاستعمار البريطاني في “الهند”.

أشار “براساد” إلى إنَّه على الرغم من أنَّ قصة فيلم (RRR) خيالية، كانت رسالته الضمنية الموجهة للهنود حقيقية. قال للصحيفة الأميركية: “لقد صنعنا تاريخًا بديلاً. لكن الموضوعات الجوهرية المتأصلة – الوطنية والكرامة والإلتزام بالدفاع عن الوطن – كانت كلها موجودة”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب