توقع باحث ومسؤول عراقي تراجع دور الولايات المتحدة الامريكية وضعفه خلال السنوات المقبلة في قيادتها للنظام الدولي الجديد .
واستند السيد نصار الربيعي وزير العمل والشؤون الاجتماعية في اطروحة رسالته التي حصل بها على شهادة الماجستير في العلوم السياسية – فرع الدراسات الدولية التي صدرت في كتاب تحت عنوان دور الهيمنة الامريكية في العلاقات الدولية على عدد من الشواهد والمتغيرات الدولية التي تؤشر هذا التراجع ابرزها الازمة المالية العالمية التي حلت بها وعصفت باقتصادها عام 2008 التي سبقها عدم قدرتها في لعب دور القائد في السيطرة على الانتاج العالمي .
واشار السيد الربيعي الى ان السطوة الامريكية قد ابتدأت في التأكل عندما فقدت واشنطن تلك السيطرة منذ السنوات العشر الاخيرة من القرن الماضي اضافة الى مواجهة دورها الريادي الحالي لتحديات مختلفة في المجالات التكنولوجيه .
وتمثل هذه الرسالة العلمية احدث بحث علمي منهجي تتبع مسارات الهيمنة الامريكية منذ بدايات القرن الماضي وفي تناول مفاهيم الهيمنة التي بدأت بواكيرها الاولى خلال سنوات قبل الميلاد باستخدام الباحث المنهج التاريخي وتفاعلاته المختلفة في تفسير اساليب السيطرة التي هيمنة على عقول الشباب الدارسين في الجامعات الامريكية بداية الاربعينات منتصف القرن الماضي واطلاقه عليها مايسمى بالواقعية التقليدية التي استمدت روحها باستخدام القوة بكل اشكالها في العلاقات الدولية ورفض القيم الاخلاقية والقانونية وكانت تمثل اسس القواعد في التعامل الدولي وتحليله لانماط سلوكيات الواقعية وفقاً للتطبيق العملي للسياسة الخارجية الامريكية .
واجرى السيد نصار الربيعي في رسالته مقارنات لجوانب الاختلاف في تفسير الهيمنة بين كبار روادها ومنظريها اصحاب المدرستين الواقعية التقليدية والاخرى الواقعية الجديدة في نظرتهم الى استخدام القوة حيث اشار الى ان الواقعيين التقليد بين يرون ان القوة العسكرية هدف يظهر قوة الدولة في حين يرى الفريق الجديد ان القوة ليست هدفاً بحد ذاته بل هي اعطاء مكانة للدولة والموقع المتميز في النظام الدولي الذي يحدد سلوكها في السيادة الدولية .
وقد استعرض في رسالته بشكل مسهب الخطاب الذي اتبعته الولايات المتحدة الامريكية والارضية التي انطلقت منها في التبشير لسياسة الهيمنة التي اعتقدت انها ملائمة تستهوي الشعوب وتناغم رغباتها في التحرر السياسي ورفض القهر والاضطهاد وطمس الهوية تمهيداً لاحتوائها في اطار النظام الدولي الجديد الذي تزعمته بتحديده ان تلك المرتكزات تمثلت في الديمقراطية وحقوق الانسان واقتصاد السوق وهي مبادىء سليمة ومقبولة لكن الولايات المتحدة غلفتها باطر محدودة تنسجم مع توجهاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاخلاقية .
كما تطرقت في جانب من هذا الامر عن سياسة الانفراد الامريكي بالعالم بعد تشظي الاتحاد السوفيتي سابقاً وانفضاض عقده في العلاقات الدولية … فقال ان كل شيء مسير وكأن الولايات المتحدة الامريكية تمتلك تفويضاً من دول العالم كافة يعطي لها وحدها الحق في التوجه وادارة شؤون العالم دون شريك
ولم يكتف الباحث في تحليله الى التسليم بالهيمنة الامريكية بل انه قد اجاب بشكل دقيق على تساؤلات مهمة تطرح نفسها وفق معطيات الحاضر من بينها السؤال المشروع هل ان الولايات المتحدة الامريكية ستنهار مستقبلا ام ان هيمنتها ستستمر في السيادة على العالم مرتكزاً في ذلك على ظهور قوة عالمية جديدة بالرغم من محدوديتها الوطنية والاقليمية .
فيرى ان هنالك احتمالات متعددة بالرغم من بروز القوى العالمية الجديدة المتمثلة بالصين الشعبية واليابان والهند الذين اسماهما العملاق الاسيوي اضافة الى البرازيل ودول الاتحاد الاوربي اولاهما تراجع الدور الامريكي او انحساره او توقفه الى حد معين او استمرارها بلعب دور المهيمن بالقوة او الشرطي اعتماداً على قوتها العسكرية وقدرتها على التعبئة والانتشار خارج اراضيها او اتخاذها اساليب اخرى في اقناع الاخرين بتسويق ثقافتها او ان تعمد الى لعب دور متوازن في عالم جديد متعدد الاقطاب بعد ظهور القوى الجديدة المؤثرة الاخرى على الساحة الدولية التي ستلعب دور اساسياً في الاقتصاد والسياسة الدولية .
لكن السيد نصار الربيعي لخص بعد عرضه التاريخي الى ان التفوق العسكري لوحده والاقتصادي لوحده والتكنولوجي لوحده ايضاً بعيداً الواحد عن الاخر لايخلق الهيمنة بل ان التكامل بينها هو الذي يخلق تلك لسيطرة والهيمنة على دول العالم .
لهذا فانه قد عرف الهيمنة وفق هذا الاستقراء التاريخي والاقتصادي والتكنولوجي بانهما مفهوم اكاديمي حديث الاستخدام في العلاقات الدولية يحدد في احد معانيه السيطرة والتحكم من قبل قوة عظمى قادرة على توجيه النظام الدولي وفق قواعد متفق عليها …
ويرى ان الدولة المهيمنة هي الدولة التي تمتلك القوة وتجعلها تستحكم في الدول الاخرى كافة التي لا تمتلك القوة العسكرية لايقافها وشن الحرب المقابلة عليها وبمعنى اوضح انها القوة العظمى الوحيدة في نظام دولي لاتوجد فيه قوى عظمى اخرى .
وقد احتوت رسالة الماجستير دور الهيمنة الامريكية في العلاقات الدولية للاستاذ نصار الربيعي التي صدرت بكتاب في طبعته الاولى عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت خلال الربع الاخير من العام الماضي عبر 500 صفحة من القطع المتوسط على خمسة فصول استعرض في اولها مفهوم الهيمنة في المدارس الفكرية للعلاقات الدولية والثاني لمراحل تطور الهيمنة التقليدية وفي اثناء الحرب الباردة وما بعدها في حين احتوى فصلها الثالث على عرض لمؤسسات الهيمنة الامريكية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسساتها ومنظمة التجارة العالمية و المؤسسات السياسية والامنية للهيمنة الامريكية المتمثلة بحلف الشمال الاطلسي (الناتو) ومنظمة الامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني في حين تطرق الفصل الرابع من الرسالة ومؤلفها الى الوسائل السياسية والامنية والاقتصادية والعسكرية …
و ناقش باسلوب رصين الافاق المستقبلية للهيمنة الامريكية المتعلقة بالاطر النظرية والاكاديمية من خارج الادارة الامريكية وتجربة السلطة وطروحات صراع الحضارات والاخرى من داخل تلك الادارة الخاصة بمشروع القرن الامريكي الجديد للمحافظين الجدد وطروحات كيسنجر وبريجنسكي .
وعرض في الفصل بشكل دقيق القوى الاساسية المنافسة للهيمنة الامريكية المتمثلة بالعملاق الاسيوي الصين الشعبية واليابان والهند وبالاتحاد الاوربي وبروسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق .
“وقد ارفق اطروحة رسالته كجزء من متطلبات البحث العلمي بالاستنتاجات التي توصل اليها من خلال منهجيه متسلسة واضحة .
كما قدم الدكتور احمد نوري النعيمي استاذ السياسة الخارجية في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد رئيس لجنة مناقشة الرسالة مقدمة لها تحدث فيها عن الارضية التي انطلق بها الباحث في رسالته وابوابها المختلفة كجزء من العملية النقدية التي تستوجبها مهماتها للحصول على الدرجة العلمية للطالب
ونرى من خلال تصفح الرسالة ان السيد نصار الربيعي قد استخدم عدداً كبيراً من المراجع والمصادر السياسية في الارتكاز على طروحاته استند اليها في جانب من تحليله المنهجي مما اعطى رسالته رصانة واضحة بمحافظته بشكل يليق بالامانه العلمية في التنويه والاشارة اليها في هوامشه المتعددة وهو منحى يحسب له بالتقدير والاحترام والاعجاب .
ولابد من القول ان هذه الرسالة هي من افضل الرسائل والمؤلفات التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة تطرقت الى اساليب ومفاهيم الهيمنة الامريكية بمنهجية سليمة تستدعي ان تكون محل دراسة في الجامعات وكليات العلوم السياسية فيها لانها عرضت باسلوب حضاري بعيداً عن لغة عدم الواقعية ماتعرضت له دول العالم من سطوة المالك للقوة والفنون العسكرية وان الشعوب التي تريد ان تجد لها مكاناً تحت الشمس قادرة هي الاخرى على ايقاف تلك السيطرة بظهورها على ابسط الامور في عالم توازن كانت فيه الكلمة الاولى والاخيرة للولايات المتحدة صاحبة القدرات العسكرية والنووية والتكنلوجية .. وفي ان يحظى هذا المؤلف بالعناية والدراسة في معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية للوقوف على عرضه الرائع .
كما لابد لي ان اعبر عن اعجابي واحترامي للجهود الكبيرة لاستاذنا الفاضل نصار الربيعي الذي اضاف مؤلفه الجديد الذي سبقه /4/ مؤلفات صدرت في اوقات متفاوتة قيمة اعتبارية تضاف الى تواضعه وخلقه الرفيع بالرغم من مسؤوليته بأدارة احدى الوزارات الواسعة الانتشار في الدوله وان يحسب في ميزان حسناته .