العلاقة بين الدين والوطن معقدة , وتتخذ مسارات متنوعة وفقا لما يحقق مصلحة القائمين على الدين , الذين لا يعنيهم الوطن فالعقائد الدينية لا تعترف بوطن.
الدين لكي ينطلق ويتجسد بحاجة لوطن , وهذا ما حصل للإسلام , فلتوطنه المدينة تمدد وإنضمت إليه القبائل العربية , وتوسعت إرادته وتنامت قوته فهيمن على إمبراطوريات , كان تصور هزيمتها محض وهم وخيال.
والمشكلة في الزمن المعاصر أن الدين الذي صنعه وطن يريد أن يدمر أي وطن , وهو يطارد وهما أو سرابا أو خيط دخان إسمه الأمة وهو عالمي التوجهات , وعلى الجميع الذوبان في وعاء مطلق لا يعرف الحدود , وما تحققت البرهنة العملية الأخلاقية على ذلك , وإنما العكس يحصل في البلدان التي تتسلط فيها القوى المسماة دينية , فما عرف الناس الوجه الحقيقي للدين , وتوهموا أن الصور البشعة التي يقدمها أدعياء الدين هي الدين ولا غيرها بدين.
فالشواهد تلحق هزائم كبيرة بالدين , والأقوال لا تطبب جراح الآثمين بالدين.
فالدنيا لها شواهد عملية , ولا تمتلك ما يبرهن على أن ما تراه لا يمثل الدين , بل في وعيها الجمعي أنه الدين وحسب.
إن الدين الذي يدمر وطنا ويخرب الوعي الجمعي ليس بدين , لأن الدين كمفهوم عام يسعى للرحمة والأخوة والإعتصام بالمصلحة العامة , وتأمين القوة الذاتية والموضوعية , وحماية الأرض التي يكون فيها , ومن مسؤوليته الإعمار والحفاظ على حقوق المواطنين , ونشر العدل ومنع الفساد والإجحاف والجور.
إن الأوطان تكون بالعقل العلمي الرشيد والدستور الوطني القويم الذي يعز الوطن والمواطنين , ويكون جامعا ومفاعلا لأطياف الوجود في البلاد , أما الإرادات الفردية والدينية فأنها ضد الوطن والحياة فيه.
فهل لنا أن نعرف معنى الوطن والوطنية وقيمة الإنسان؟!!