من احدى مهام مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية ان يهتم بطباعة الكتب الأدبية والثقافية والعلمية والتراثية التي تهتم بتارخ بغداد والعراق وعموم العرب، لكن مايحظى به الادباء والمثقفون العراقيون بطباعة كتبهم واصداراتهم على نفقة وزارة الثفافة ضمن مشرع عاصمة الثقافة ، يكاد يكون قليل جدا. يكاد لايرتقي الى مستوى الابداع العراقي والثقافي الغزير، ولا الى مستوى المبالغ الضخمة التي تم رصدها لهكذا انتاج ثقافي ومعرفي.
ويأمل الصحفيون وعموم المثقفون العراقيون ان يكون هناك اهتمام من وزارة الثقافة بالاصدارات التي يعدها كتاب عراقيون لهم تاريخ حافل بالثقافة والمعرفة، وتساعد الميزانية الضخمة المرصودة لمهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية في توسيع ميادين طبع هذه الكتب والكراسات التراثية والثقافية، لتشجيع الادباء والكتاب وعموم المثقفين العراقيين المحرومين من النشر وعدم وجود امكانية مالية تساعدهم على الانتشار على تبني اصداراتهم وطبعها على نفقة وزارة الثقافة.
وقد وجدت العديد من كتابنا ومثقفينا وجلهم من الأسرة الصحفية والثقافية ، من لم تهتم وزارة الثقافة بنتاجاتهم، وتشجيعهم على طباعتها على نفقتها الخاصة ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة وهم يأملون التفاتة من الوزارة لاصدارات هؤلاء الرموز الصحفية والثقافية، ان أريد للثقافة العراقية ان يزدهر ربيها، وتنتشر في الاسواق العراقية والعربية وحتى العالمية.
وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مطبوع اصدره الزميل سعد محسن خليل أمين سر نقابة الصحفيين العراقيين عن ( شقاواة بغداد في الزمن الماضي)، الذي يحتاج الى اسهامة من وزارة الثقافة لطبعه على نفقتها الخاصة ضمن باب مشروع عاصمة الثقافة العربية، ليكون بوسع الكثيرين الاطلاع على هكذا حقبة تاريخية مهمة في حياة العراقيين، كونها كانت مليئة بالمغامرات والاثارة وكان لها نفوذ كبير في عصور تاريخية موغلة في القدم لكنها ازدهرت ربما في فترة الاحتلال العثماني للعراق وما بعدها، يوم كانت الخلافة العثمانية هي المسيطرة على اغلب عواصم العرب وتتحكم في مصيرهم، ثم انتعشت في عهد البريطانيين وازمنة معاصرة، وبقيت معالمها ظاهرة حتى الان.
مؤلف هذا الكتاب من الحجم المتوسط زميلنا المخضرم الاستاذ سعد محسن خليل امين سر نقابة الصحفيين الذي اطل علينا من خلال هذا الإصدار الشيق عن شقاوات بغداد باسلوب مختصر مفيد يشكل اطلالة جديدة واضافة نوعية الى المكتبة العراقية التي لاتزخر الا بالقليل عما كتب عن هذا الموضوع الحيوي من تاريخ العراق بوجه عام وتاريخ بغداد العريق المليء بصفحات مثيرة في هكذا نوع من الرجال النوادر الذين كانت تحفل بهم بغداد بوجه خاص.
وكان زميلنا الاستاذ سعد محسن قد وضع بين ايدينا تلك الصورة التي من خلالها نرى اسباب ظهور الشقاوات في بغداد ، وبخاصة في الفترة المتأخرة من الدولة العثمانية ، رغم انه سار بنا بعيدا في اصل ظهور اؤلئك الشقاوات الى عصور موغبة في القدم في تاريخ العراق ، الا ان التركيز جرى على حقبة العشرينات والثلاثينات والاربعينات وربما الخمسينات من القرن الماضي، اذ يتذكر البغداديون تلك المرحلة التي عزاها المؤلف الى ضعف الدولة العراقية ابان السيطرة العثمانية ، اي ان الشقاوات يظهرون في الغالب يوم تكون الدولة العراقية في أحط عهود تدهورها وانحلالها وغياب دولة القانون ، للك كان حتى حكام العراق يخشون من بطش هؤلاء الشقاوات ويضعون لهم اعتبارا عند التعامل معهم، بل ان قوى سياسية عراقية في مرحلة الاربعينات والخمسينات كانت تعتمد على الشقاوات في المواجهة مع القوى الاخرى التي تتصارع معها على الساحة السياسية العراقية ، وكثيرة هي القصص التي تتحدث عن شقاوات استعان بهم رجال سياسة في فرض ولاءات لتنظيمهم او الوقوف بوجه تنظيمات اخرى او كيانات اخرى ضمن مناطقهم في بغداد ومناطق أخرى، وبقيت حركات سياسية تعتمد في قوتها على قدرة ما تستطيع ان تكسب من هؤلاء ضمن محلاتهم التي يفرضون ارادتهم عليها وربما تضفي طابعا سياسيا على تلك المحلة لحساب جهة سياسية لها الغلبة وفرض ارادتها في الساحة السياسية ، وهناك تاريخ طويل عن شقاوات بغداد سردها لنا الزميل والصحفي القدير سعد محسن في كتابه الذي كان عنوانه / شقاوات الزمن الماضي / بمائة واثنين واربعين صفحة والذي يعد فعلا اضافة لايستهان بها الى المكتبة العراقية وتشكل دافعا لاخرين للبحث بين ثنايا هذا التاريخ وتلك الحقبة المهمة من تاريخ العراق المعاصر.
والكتاب يستعرض من بين تلك الاسماء خليل ابو الهوب واحمد قرداش وحامد البغدادي وكامل شبيب وحسن كبريت وابن عبدكه وجبار ابن بهية السودة وموسى ابة طبرة وعبد الامير العجمي وعبد المجيد كنه واخوه خليل كنه وعباس الديج وطه ابن الخبازة وغيرهم كثير لايتسع المقال لتناول سيرتهم واسمائهم.
كما يستعرض الزميل سعد محسن في كتابه شقاوات الحلة والنجف والبصرة ويلقي ضوءا على حالة مبسطة من تاريخهم ونشاطهم ضمن مناطقهم.. كما استعرض مسيرة شخصيات عرفها تاريخ بغداد مثل ابراهيم عرب وابن بنية وتوفيق اجنص وجاسم ابو الهبزي.
وأملنا ان تلتفت وزارة الثقافة لإصدارات من هذا النوع، لكي يتم طبعها على نفقة وزارة الثقافة، ونعتقد ان القائمين على هذا المشروع لابد وان يضعوا اصدارا كهذا ضمن اهتماماتهم الثقافية لادارجه ضمن خطتها الحالية لاصدار هذا المطبوع، الذي لايخلو من فائدة كبيرة للثقافة العراقية، ونخص بالذكر الاستاذ حامد الراوي، الذي يهتم بهكذا انشطة، وهو عنصر قيادي مسؤول في وزارة الثقافة واملنا ان يضع مثل هذه الاصدارات نصب عينيه.. وأمنياتنا للنشاط الثقافي لوزارة الثقافة بالتألق الدائم.