23 ديسمبر، 2024 7:09 م

التجديد الديني …المفهوم والمصاديق عند ابناء العامة

التجديد الديني …المفهوم والمصاديق عند ابناء العامة

تميز اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) عن غيرهم من اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى بتبني مفهوم التجديد على الصعيد العملي وذلك من خلال الالتزام بالمنهج الذي أسسه الائمة المعصومين (ع) لقواعدهم الشعبية باتباع العلماء المجتهدين ، وربما كان الاجتهاد هو العامل الابرز في بيان خصوصية البرمجة العملية للشيعة لمفهوم التجديد وتحديث آليات الخطاب الديني خصوصا مع الجمود التوقيف والشلل الذي اختارته المدارس الفقهية لعلماء العامة ليكون منهاجا في عباداتهم ومعاملاتهم ورؤيتهم مما ادى الى ضمور المنظومة الفكرية لمدارسهم الفقهية من خلال تقييد الإتباع والتقليد حصرا بأئمة المذاهب الاربعة والاكتفاء برسائلهم العملية الى درجة اغلقت فيها اي فرصة للتجديد او الاجتهاد (طرأ على بعض الفقهاء بعد ظهور المذاهب المتبعة حب التقليد للأئمة السابقين، وعدم الجرأة على ممارسة الاجتهاد، وادعى خول الأزمنة عن المجتهدين وانتشر ذلك بين الناس، حتى حكم بسد باب الاجتهاد، بل قال بعضهم: إنه مستحيل في العصور المتأخرة ) (1 )

وبالرغم من مرور عشرة قرون على تلك الرسائل الا ان مرجعية اولئك الفقهاء اصبحت هي الحاكمة والمستحكمة في نتاجات علماء العامة مع ان الكثير من الاحكام والسنن التي ابتدعت بعد وفاة الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) من حين وفاته مرورا بوعاظ حكومة بني أمية وصولا الى اصحاب المذاهب الاربعة وما استلحق بها من حركات وجماعات كانت عبارة عن اجتهادات شخصية في مقابل النص القراني او النبوي او احكام قياسية لا تستند الى ضابطة شرعية .

كان من الصعب على فقهاء العامة الهروب من ظلال اعباء الحديث الذي تناقلته صحاحهم بضرورة التجديد وتقييده بفقيه واحد لكل قرن من الزمان وذلك استنادا الى الحديث المروي عن لسان الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) من انه قال : ( أن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) ، ولذلك وضعوا تصورا ضيقا ومبهما حول مفهوم وخلفية هذا الحديث عبر اختيار عدد من علماء العامة ليكونوا المجددين المقصودين بالحديث الشريف ومع ذلك اختلفوا مثلا في ترتيبهم وتاريخ ظهورهم هل هو في بداية المئة ام نهايتها كما تباينوا في طبيعة هؤلاء الاشخاص المجددين وأدوارهم وان كان ابن حنبل افتتح السلسلة بعمر بن عبد العزيز الحاكم الاموي فأن السلفي الجامي في رسائله ( قرة عين الموحدين) ختمها بالدعي محمد عبد الوهاب صنيعة الاستعمار البريطاني ؟ّ!

ولذلك ليس من الغريب ان يحاول يوسف القرضاوي وهو الذي ينسب البعض له صفة التجديد زورا ان يبادر الى تشويه معنى التجديد والالتفاف على اهدافه من خلال تقييد التجديد بالسلفية المحضة كما في قوله ( التجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديم ، او الاستعاضة عنه بشيء أخر ..بل يعني العودة به الى حيث كان في عهد الرسول (ص) وصحابته ومن تبعهم باحسان)؟!

كما انه يضرب دعوات التجديد ويمهد لتكفيرها مسبقا من خلال التلويح بأن التحديث في الطرح والاسلوب يعني خروجا على تعاليم الدين كما في قوله ( المجدد هو من يجدد الدين بالدين وللدين أما من يريد تجديد الدين من خارجه فهو ابعد ما يكون عن التجديد الحق) .

وربما نجد طرحا اكثر انفتاح لمفهوم التجديد من عبد الفتاح محجوب ابراهيم في رده على حسن الترابي ونظريته (نظرية التطوير الديني) فهو يحاول ربط التجديد باصل الشريعة وان تكون هي الاساس للتجديد وليس العكس بقوله ( التجديد يعني العودة الى المتروك من الدين ، وتذكير الناس بما نسوه ، وربط ما يجد في حياة الناس من امور بمنظور الدين لها لا بمنظارها الى الدين) .

اما الدكتور عدنان محمد امامة في كتابه التجديد في الفكر الاسلامي فهو يسبر اغوار التجديد ليخرجه من عنق زجاجة المتطرفين والتقليدين بكل رشاقة وبمعرفة واعية للمفهوم واهدافه بقوله ( تجديد الدين يعني : أحياء وبعث ما اندرس منه ، وتخليصه من البدع والمحدثات ، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها ) ( 2).

وهذا التعريف للتجديد ربما كان اكثر دقة وتصديقا للمفهوم بالنظر الى انه يلخص مفهوم التجديد بالاحياء والتنقية والواقعية وهي فعلا من أركان التجديد والاهداف الرئيسية من وراءه .

ويذهب الدكتور امامة ابعد تلك النظرة العملية عندما يتوصل الى حقيقة ان الاجتهاد هو جزء من عملية التجديد ومعنى من معانيه وان كانت العلاقية بينهما كما يتصور امامة ( فيها عموم وخصوص ، اذ كل مجدد مجتهد وليس كل مجتهد مجدداً ) ( 3) .

ومع أن دعوات اصلاح المنظومة الفقهية والفكرية لدى اتباع المذاهب الاربعة ربما كانت شحيحة او نادرة الا ان بعض الاصوات التي ارتفعت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الميلادي خرجت بفضل جهود العلامة المجدد جمال الدين الافغاني الشيعي المذهب والذي كان لسفره لمصر اعظم الاثر في بث روح الثورة الفكرية لتكون نواة مدرسة التجديد المصرية والتي ابتدأت بمحمد عبده تلميذ الافغاني الذي تأثر به أيما تأثير وبافكاره الاصلاحية .

ولذلك يعد محمد عبده من رموز الاصلاح في المدرسة الازهرية ورائدها بدعوته للتجديد كما انه ساهم مع استاذه وملهمه الافغاني في أنشاء حركة فكرية تجديدية كان الهدف منها القضاء على الجمود الفكري وإحياء الفكر الاسلامي ليواكب متطلبات العصر ويواجه الغزو البريطاني بالفكر والثقافة والسياسة والمقاومة (4 ).

ومن بعده خرج من هذه المدرسة الاصلاحية عالم أخر هو اللبناني محمد رشيد رضا صاحب مجلة (المنار) والذي كانت له ايضا بصمات تجديدية ولعل اهم ادواره الاصلاحية بالاضافة الى المجلة والخطابات والكتب هو الدعوة التي اطلقها لتوحيد كلمة المسلمين من خلال تأليف كتاب يجمع ما اتفقت عليه كتب فرق المسلمين من المسائل التي تتعلق بالعقائد والاخلاق والفقه والابتعاد عن المسائل الخلافية بين الطوائف الاسلامية وان ترسل نسخة من هذا الكتاب الى كل البلدان الاسلامية ليكون بمثابة مرجع للوحدة ، الا ان رشيد تحول في ما بعد من الفكر الاصلاحي الى الفكر السلفي واخذت كتاباته تنحى منحى التمجيد والانحياز للفكر السلفي وهذا ما جعل اغلب من ارخ للاصلاح في تلك الفترة التاريخية لا يذكر محمد رشيد رضا بضمنهم بل ان الشهيد مطهري قدم عليه الكواكبي في مثلث التجديد للعالم العربي في القرن العشرين بالاضافة الى الافغاني ومحمد عبده( 5) ..

مركز افاق للدراسات والبحوث – http://aafaqcenter.com/index.php/post/478

ومن هذه المدرسة خرج ايضا الشيخ محمد الغزالي العالم الديني والمفكر المصري الذي يعتبر احد دعاة التجديد في الفكر الاسلامي واستطاع خلال فترة الخمسينات ان يتصدى لطرح الاقتصاد الاسلامي في مقابل الاقتصاد الاشتراكي الماركسي في كتابه ( الاسلام والاوضاع الاقتصادية) وكذلك تصديه للشيوعية من خلال كتابه ( الاسلام والزحف الاحمر) ، ووقف الغزالي بقوة في وجه التعصب والغلو في الدين وانتقد في الكثير من خطابته ايضا الفقه التقليدي ووصف بعض الاراء الفقهية التقليدية بأنها ( فقه بدوي – تقاليد عبس وذبيان) ( 6).

وربما كانت هناك كوكبة اخرى حاولت الدخول في معترك صراع الاصلاح والتقليد ولكن لم تكن لها تلك الادوار والبصمات المؤثرة ربما للظروف الزمكانية المناسبة كالكواكبي وسيد قطب وحسن البنا وعبد الفتاح اسماعيل ومحمود شلتوت …الخ .

هذا على صعيد الشخصيات اما على مستوى المجموعات فلقد عقد عام 2001 في القاهرة مؤتمر بعنوان ( التجديد في الفكر الاسلامي) بمشاركة (60) دولة اسلامية ، وحفل ذلك المؤتمر بمناقشة عدد من القضايا والمقترحات حول مفهوم التجديد وضوابطه على صعيد الفقه والفكر ، ودعا المشاركين خلاله الى ضرورة التجديد في عصرنا الحاضر وخصوصا المستجدات من الموضوعات المعاصرة بالاضافة الى تنقية الاسلام من البد والعادات الدخيلة واتفق المشاركون كذلك على حصر التجديد في استحداث الاحكام التي تتناسب والمتغيرات الزمكانية .

 ويمكن القول ان دعوات الاصلاح اقتصرت على بعض المثقفين العرب في العقود الاخيرة الا انها لم تكن على نحو البناء في الاعم الاغلب وانما مدعاة لتسقيط الدين ونسف قواعده الاساسية وعقائده وهو تمام الدور الذي اضطلع به الوهابيون وتياراتهم السلفية المتطرفة التي عمدت الى محاربة التجديد ونشر الفكر السلفي المتطرف الى حد التكفير واباحة دماء المسلمين تحت عناوين شتى ، وكذلك عمل الوهابيون على خنق اي صوت اصلاحي معتدل لمنع فضح التخلف الفكري والتهتك الشرعي الذي تتبناه الحركات السلفية المتطرفة وتسوق له في الاوساط السنية بغية توجيه سهام القتل والارهاب بوجه الانسانية عموما والشيعة خصوصا .

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــ

( 1)  الاجتهاد في الاسلام / د نادية العمري / مؤسسة الرسالة – بيروت /ط3 – ص219

( 2) التجديد في الفكر الاسلامي – د عدنان محمد امامة – دار ابن الجوزي – الدمام / ط1- ص 19

( 3)  المصدر السابق – ص42

( 4) موقع أون لاين – احمد تمام

( 5)  مركز افاق للدراسات والبحوث – http://aafaqcenter.com/index.php/post/478

( 6) موقع جريدة الاهرام الالكتروني – فكر ديني – الشيخ محمد الغزالي‏..‏ ومسيرة التجديد في الفكر الإسلامي .