البطاقة الشخصية أو البطاقة الوطنية هي من تمثل وجهة الإنسان وانتسابه وعرقه الديني و العقائدي وموطن انحداره الجغرافي والبيئي وهوية تعريفه للعالم ورمز فخره بين الأمم، وأهم سبيل للانتقال من مكان إلى آخر وبدونها يبقى الفرد في حكم الضياع ومكب لشتى التهم .
استخدام التعريفات الشخصية والقبلية ليس جديداً، بل بدأ مع قيام الجهايلة الأولى، فكان العرب يمايزون قبائلهم فيها، وكان اسم القبيلة هو محل الفخر وليس الفعل للفرد ، وبمجرد انتسابك للقبيلة الفلانية (على سبيل المثال قريش ) أصبحت انت ممن لديهم حصانة عربية في جزيرة العرب، وكانت هذه الالقاب تستخدم لتوسيع النفوذ احيانا ، فكانت تمنح الالقاب القبلية أو (الجنسية في عصرنا) لمن يذوب في شرائط القبيلة لذلك تجد في تأريخ العرب من هم ليس من قريش لكن حسبو عليها .
رسخت عرب الجاهلية الجنسية القبلية فكانت القبلية مفاتيح العنصرية العربية،ولون البشرة، فكان اصحاب البشرة السوداء عبيداً والبيضاء هم الاحرار من الدرجة الأولى حملة الجنسية والحصانة العربية .
جاء رسول الله “صلى الله عليه وآله ” برسالة المساواة السماوية بين البشر على أساس العمل وليس اللون أو الانتساب قال “ص” (لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى ) فانتهت الالقاب( القومية) العربية والالقاب (الوطنية ) القبلية والعشائرية ومسقط الرأس، وفتحت رسالة السماء وسائط الالتقاء وقطعت أبعاد الحدود الجغرافية فكانت قاعدة (انما المؤمنون اخوة ) هي محل التقاء القلوب في جميع أنحاء المعمورة، فرابط” الإيمان ” لأي فردٍ في اي بلد مهمى كان بعيد مدعاة لحفظه ونصرتة تحت عنوان “الإخوةً “، وكانت آيات الله سبحانه وتعالى (فسيروا في الأرض )، (فسيحوا في الأرض )، (في سبيل الله )وغيرها الكثير الكثير من ذكر الله تمثل جواز سفر وحجج تنقل ومدعاة للأنتصار ورفع المظلومية في بلاد فتحها الله على يد جنده أو أمر بفتحها لاحقاً.
فكان تنقل المسلمين بين الجزيرة العربية والعراق وإيران والشام ومصر وباقي البلدان على أساس رابط الإسلام ودستوره القرآن الكريم على مسار ١٣٠٠ عام ، إلى أن جاء الإستعمار البريطاني في بداية القرن التاسع عشر (منذ ١٤٠ عام ) واحتل هذه البلدان فأصبحت قواعد جديدة للتنقل والدفاع والتضحية والفداء ، فتم استبدال دستور رسول الله وقوله جل وعلا (فسيحوا في الأرض )، (فسيروا في الأرض )، (في سبيل الله )بقواعد الجاهلية الأولى تحت مسمى جديد معاهدة (لسايكس بيكو) وهي الجنسية الوطنية للبلد و القومية للأمة وعودة التفاخر العربي وخاصة العراق والجزيرة بلقب العشيرة، بتقوية ودعم عشائر موالية للاستعمار وتضعيف المخالفة له [وربما لهذه الاسباب تجد ان أكثر من يفتخر باللقب العشائري هم أهل العراق] .
اليوم وبعد أكثر من ١٢٠ عاماً على الإستعمار الجغرافي نجد أنفسنا أمام حرب ناعمة وهي استعمار فكري وعاطفي جديد، بعد نجاحه بتقطيع الأمة الإسلامية إلى سنة وشيعة واخوان مسلمين و استحداث طوائف جديدة كالواهبية، يحاول تمزيق الأمة الحسينية العلوية التي ما يجمعها بين اشتات الأرض(اني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ) و(اشهد ان عليا ولي الله) و (ياحـــــــسين ) على اساس التشيع الصفوي والعلوي والإيراني والعراقي والعربي والاعجمي وتحت اسم الوطنية و القومية العربية والاعجمية وحدود الوطن هي ميزان الولاء .
ان الله سبحانه وتعالى في يوم الحساب لا يعاقب على اساس الهوية الوطنية و القومية والنسبية واللقب، ولم يأتي ذكر أو حديث لأهل البيت عليهم السلام ومن تبعهم من الفقهاء في إشارة لذلك، وانما العقاب والاجر هو على اساس الإبتعاد والقرب و مودة أهل البيت عليهم السلام ومن يخلفهم من شيعتهم في غيبتهم قال تعالى (قل لا أسألكم عليه اجراً إلا المودة في القربى ).
فهنيئا لمن تمسك في دينه ولم ينزع سلاح عقيدته ليرتدي قميص الوطنية و حداثة العلمانية والإلحاد، فالقابض على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر.