تحديات كثيرة تنتظر رئيس الوزراء اذا ما انتخب من قبل رئيس الجمهورية المختلف عليه من قبل الاحزاب الكوردية ومن المرجح ان تزداد اعداد التحديات في اجواء التشرذم الشاملة في البلاد في ظل الانقسامات السياسية التي تشل النظام وانتهاكا واضحا وغير مسبوق لبنود الدستور الذي نص بعدم إمكان النواب سوى شهر واحد لانتخاب رئيس الجمهورية وهو الذي سيكلف بعد 15 يوما شخصية لقيادة الحكومة..
ظاهرة عدم منهجية السلطة والسياسة تجعل من ان تسمح للكثير من الظواهر السلبية التي أخذت بالتوسع بالاستحواذ على جزء عظيم من عقول الناس البسطاء ،لان غياب سلطة الأحزاب السياسية الوطنية الحقيقية والمجتمع المدنى و القادة الحقيقيين الذين هم الكنوز والموارد الاستراتيجي للأمم والذين لا يقدرون بثمن و هم أصحاب الفعل والمبادرة والريادة في كل عمل تنموي و نهضوي ، وليس هنا من معنى في إعطاء ادارة الدولة للجهلة ومن تلطخت ايديهم بدماء العراقيين بالاستحواذ على أرضيات الجماهيرية البسيطة لان الجهل عدو خطير يفتك بالمجتمع ويهدد سلامه وأمنه ويجعله في مؤخرة الدول.
من غير الواضح كيف سيتم الخروج من الأزمة الحالية ( اختيار الشخصية القادرة لحمل المسؤولية ” التي يعيشها العراق اوالمأزق الذي عشعش على صدور ابنائه منذ التغيير وعدم وجود بوادر للحل من قبل من هم يقودون العملية السياسية بكل أشكالها ومسمياتها والخلافات بين الشعب والسلطة تتوسع يوماً بعد يوم ولا تتمحور فقط للمطالبة بإصلاح حال الدولة، إنما في انعدام الثقة في القيادات السابقة والحالية و الفواعل السياسية متناقضة ومتباينة في الرؤى تجاه مفهوم بناء الدولة، وما تم وضعه من إطار دستوره ” الذي هو ايضاً اشتمل على عدد كبير من العثرات والهنات فضلا عن قابلية نصوصه للتأويل المفرط، وبالتالي جرت العادة أن من يملك القوة في لحظة التأويل، هو القادر على فرض تأويله على الجميع بغض النظر عن مدى صحته.
المحلل المتابع الواقعي لمختلف القوى السياسية العاملة في الساحة السياسية العراقية،بكل المسميات ،سيلاحظ حالة من التخبط والتيه السياسي ينتاب هذه القوى، تيه مرجعه بوصول خياراتها المعلنة لطريق مسدود سواء كان خيار التفاوض والتسوية السلمية لدى هؤلاء ومن شايعهم لفقدان الرؤى والتخطيط الفكري الممنهج في قيادة البلد ،تيه يغذيه تيه مواز له لعدم القدرة لمنع الآخرين من الوصاية والتأثير في القرار السياسي والبلد يعاني استقطابات حادة وصراعات حزبية ” خالية من الأيديولوجيات “وانتشرت عوامل الفساد وتسلطت على الرقاب وخلقت انقسامات اجتماعية تشتد خطورتها يوما بعد آخر ، والبلاد تعيش أسوأ مقاضاتها منذ 10 شهور و ما تعنيه من احتكار مقيت للسلطة طيلة عقدين من الزمن بلغت من الانحدار والعنف والقتل والجدل وقلة الحيلة تترسخ في يوميات العراقيين بلا أفق للحل ولا عقلانية وفقدان التفكير بالمصير المرتبك الذي يعيشه البلد والقلق الذي يوسوس في نفوس ابنائه.
الخلافات والمحاور ليست بعيدة عن مأزق الحالة الداخلية التي لا تختلف مع ما كان علية قبل التغيير من حيث صعوبة العيش ولكن بشكل أكثر مأساوية وإحباط لأن مرحلة ما بعد 2003 كان نتيجة صدمة هزيمة الديمقراطية الحقيقية التي أضاعت البوصلة وقبل أن يصل الشعب العراقي الى خياراته وممكناته، التيه الحالي هو أكثر خطورة لأنه يأتي بعد تجارب سياسية مريرة توزعت على مجمل الأيديولوجيات:الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية التي خاضت التجربة وهي تتخبط في فشلها .
الواقع أنَّه لا توجد علاقات للقوة أو ممارسة للسلطة دون مقومات حقيقيّة وفعّالة لهذه القوّة أو هذه السلطة؛ لأنَّ المقومات والجماهير تشكل تلك النقاط التي تُمارَسُ علاقات القوة عندها بالضبط ولذلك تتسم نقاط الصراع والتفاوت والنفي بين السلطة والجماهير وتصبح عريضة جداً ومنتشرة ، كونها لم تكن موزونة فتثير نقاط الصراع والتفاوت والنفي ، الأمر الذى لا بدّ لنا من تحديد أولى لمسألتين بغاية الأهميّة لموضوعنا وهما: تحديد الشروط الابتدائيّة المُعيقة لسير العجلة ، وتحديد طبيعة نظام الحكم في العراق و المساعِدة في رؤية وخلق تفاعل سياسي وبعكسه سوف يكشف لنا أن المواطنين يفقدون الرغبة في المشاركة فى عملية سياسية هشة ومفقودة القوام ، فى إطار القانون والدستور، ولا يجدون القنوات الرسمية التى تعبر عن اهتمامات الناس ومشاكلهم في الوقت الحالي، وان فرص ظهور جماعات وتنظيمات وكيانات متطرفة وشخصيات عشوائية و معدة من معامل أجهزة المخابرات الأجنبية، أمر وارد إلى حد كبير، بل والأخطر هو زيادة إمكانية توجيه الجماهير العادية لمسارات غير مأمونة العواقب، ما لم تستقر العملية السياسية وإحترام حقوق الإنسان ومبادىء الحرية والديمقراطية ، وسعي الشركاء السياسيين إلى الإنسجام والتفاعل لتحقيق الإستقرار في العملية السياسية والعمل من اجل النهوض بالمسؤولية وبالتالي تحقيق الأمن والسيادة في عموم البلاد و يتفاعل المنضمون فيها تفاعلاً حقيقياً وفق الأطر الدستورية فلن تتحقق السيادة ولا الأمن ولا الإعمار ولا التعليم المتطور ولا الإستثمار الأمثل للثروات ،في ظل عجز الأطراف السياسية عن إيجاد خارطة طريق للتفاهم فإن العراق معرَّض لتجدد الفوضى وستبدأ السلطة فيه في التحلل والتشرذم والانهيار الكامل والثمن الاقتصادي اذا لم تكن الاولويات لها، ويبقى الصراع بين السياسيين معركة من أجل البقاء في نظرهم وهم يعتقدون أن بإمكانهم بحث الثمن فيما بعد وأن المواطن هو الذي يدفع الثمن. وقد علق العلامة ابن خلدون على ذلك وعَنْون في مقدمته الشهيرة بأن الظلم مؤذن بخراب العمران. وقال: “ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب كما هو المشهور، بل الظلم أعم من ذلك، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، وغُصاب الأملاك على العموم ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران”، و إذا ما أستمر تصارع الطبقة السياسية فيما بينها الذين وضعوا مصالحهم الشخصية والفئوية فوق مصالح شعبهم وبلادهم. والقضية ليست وليدة سنوات اليوم بل عملية ممتدة لسنوات طويلة، فإن ذلك يحرم المواطنين من فرص النجاة والخروج من دوامة الانهيار في جميع مفاصل الدولة، مع ان موت السياسة، ليس مسؤولية الشعب البعيد عنها بل هى حالة عامة يعيشها الساسة منذ سنوات طويلة، وهي ميتة عمليا لدى المواطنين لتجاهل حقوقهم وآرائهم وعدم تسليط الضّوء عليهم وعلى احتياجاتهم، وذلك يفقدهم حماسهم واندفاعهم بقبول من سوف يكون رئيساً للسلطة.