في غرفه مكتبتي فار لعين يطل بعينيه الخرزيتين من فوق خزانة الكتب . الصدفة وحدها جعلتني اكتشفه ، وادمن التطلع اليه وهو يقف بكبرياء ، متحديا رجولتي واعصابي المعطوبة كنت يومها ابحث عن كتاب ثمين لم اقراه بعد حين رايت الفار فوق خزانة الكتب كان يرمقني بعينين خرز يتين وشوارب خيطي ، والى جانبه كتاب ، الذي اصبح نتفا صغيرا ، حملته النتف وقلبتها بين يدي كطفل ميت . و حملقت بعينين حمراوين وبي هوس ان افعل اي شيء يهدي اعصابي الثائره . كان الفار ينظر الي لاشيء للاطمئنان، غير انني رايته عدوا خبيثا . عدوا ارسله احد ما لاغاظتي . ولكل حقدي الاسود ، امسكت شيئا ما وصوبته نحوه ، فهرب الخبيث ، وسقطت مزهرية ثمينة ، محدثة ضجة عالية فوقفت وسط فوضى الضجيج مذهولا ..
ومن هنا ابتدات اللحظات الرهيبة . بعدها ادمنت على تناول حبتين مهدئتين قبل النوم . حبيتين من وصف الطبيب . واذا اقتضت الحاجة فثلاثا . وكنت اجهد ان اصرف ذهني عن كل ما يمت الى الفار والفئران بصلة
وكنت اردد : هذا هو المطلوب لقضيت على ماتبقى لي من اعصاب معطوبة .
لكنني احيانا . كنت استيقظ على عبث جديد من صنع الفار . فمرة ، اذا كنت على وشك الاستغراق في النوم ، سمعت وخشخشة، صادره من مكان ما ، فنهضت على عجل ، واضأت الغرفة ، و نظرت فوق خزانة الكتب لم يكن اللعين هناك . وقفت في منتصف الغرفة مرهفا السمع محملقا في ما حولي ، واللحظات رايته يقفز من تحت السرير ويولي الادبار ، خارجا من الغرفة . وقلت : انها النهايه …. ولن يعود . لكنه عاد في اليوم التالي ليقرض ثوبا جديدا . ثوبا اهدته لي حبيبتي في مناسبة سعيدة . وكدت اخرج من ثيابي . وتساءلت ما اذا كان هذا الفأر يدرك بالغريزة ما انا لي بحاجة اليه .
وقلت : لابحث عن الثقب ، فسيكون اخلاقه حسما لكل المتاعب . قلبت اثاث الغرفة . دققت في كل ثقب . واذ وجدت ثقبا صغيرا .. ثقب بحجم الجوزة الصغيرة ، فضحت في سري ، بل قهقهت عاليا ، واخذت قبضة من الطين ، ولطخت الثقب ، و استلقيت على فراشي ، وانا ما زلت اقهقه.
ولكن ما هذا؟
في اليوم التالي ، وانا اقرا احد الكتب ، رفعت راسي ، فرايت الفار يطل من فوق رفوف الخزانة . وقد وقف على رجليه الخلفيتين ، واستند الى ذيل خيطي اسود .
لحظتها خطرت في ذهني القصة التي قراتها حول الفنان الذي كان يمتلك محل للتصوير ، ويرقب مثلي فارا صغيرا . بطل من حجر قبالته . وفي النهاية ، خرج هذا الرجل ليصنع لنا افلاما عن الفار اضحكنا طويلا .
وقلت : وماذا في وسع رجل معطوب الاعصاب مثلي أن يفعل ؟ القيت الكتاب ، وراقبت الفأر . وفكرت في ما يتعين علي فعله هذه المرة ؟ ورأيت صندوقا كارتونيا ملقى بإهمال على الأرض، فتناولته بخفة وصعدت فوق الطاولة ، حتى إذا أصبحت في مواجهة الفأر ، القبته فوقه بمهارة ، و وقفت اتأمله شامتا. وصحت بصوت عال : اين تهرب أيها الحذاء ؟
وضحكت بانتصار ، وفكرت كم هو رائع أن تكون منتصرا . منتصرا حتى على فأر ؟
رفعت حافة الصندوق ، وانا احملق في أطرافه الأربعة، وكنت حذرا جدا ، لكنني فوجئت، وقد ارتفعت الأطراف كافة يخلوا الصندوق من الفأر . وصرخت مذهولا: ايكون شبحا هذا الفأر ؟ ورحت اتفقده بجنون ذلك الثقب الذي لطخته بالطين . وإذ وجدته في حرز حصين ،تساءلت ما اذا كان ثمةثقب اخر للفأر . وخطر لي ما قاله احد الاصدقاء الزراعين بان كل البيوت مليئة بالفئران . فإذا لم تر في بيتك فارا ، فاعلم ان عشرين فأرا في الاقل تسكنها . اما اذا وجدت كفارا واحدا ، فان مئة منها تجول وتصول . وفكرت في سري ما اذا لم يكن هو الفأر ذاته الذي عرف ؟
على العموم ، نمت تلك الليلة ، وحلمت احلاما متداخلة حول الفئران ، واستيقظت في الصباح لارى الفار يتقافز في الغرفة ، فزمجرت مغمض العينين : الا يشفق هذا اللعين على رجل متعب الاعصاب مثلي ؟ وفي المساء ، رايته يعبث داخل الصندوق الكرتوني ، فصممت لا يفلت مني هذه المرة . نهضت بخفة، واستلقيت بطولي على الأرض، مادا كلتا يدي مع مستوى الارض ، ورفعت الصندوق بحذر الى اعلى و كان الفار مازال فيه . اسمع صريف اسنانه وهي تقضم داخل الصندوق شيئا . رفعت رقبتي الى اعلى ونظرت داخل صندوق ، فرايته يقضم الزاوية الكرتونية باطمئنان . واذ هو شعر بي التقت عيناه بعيني ،فشعرت برهبة ، ولم يكن اللعين خائفا بالمرة ، ظل يتاملني بسكون ،وقد برقت عيناه . و لبرهة تراجع الى الوراء ببطء ، فاصطدم ذيله بزاوية الصندوق ، وكانت بطنه البيضاء تعلو وتهبط كما لو كان يعدوا ، فعرفت انه خائف هذه المرة . تناولت خرقة ملقاه الى جانب ، وكورتها على هيئة كماشة، وكدت اجأر : سيكون مصيرك في الموقد ايها الرعديد .
على اني ، ولم اكن قد اكملت في سرى ذلك الوعد . لم اكون حتى قد اكملت التفكير به ، حين فوجئت بالفار يقفز الى اعلى ثلاثة قفزات سريعة متتالية ويختفي تماما . عندها تهاويت تاركا الصندوق الفارغ يسقط . و تناولت اربع حبات مهدئة ، واضطجعت على الفراش كالقتيل . و في الحلم ظل الفار ينهش في راسي ، وثمة انهار من الفئران تمر في الأعماق، وتجوب في الطرقات بعيونها الخرزية. وفي الصباح ، اتيت بثلاثة مصائد لقمتها ثلاث قطع من اللحم، و وزعتها في كل مكان . تحت السرير . فوق الخزانة. في المطبخ . ومرت ثلاث ايام ، جفت خلالها قطع اللحم ، ولم يقترب منها الفار . لكني لم ايأس. جلبت علبة كبيرة من مسحوق ابيض ، مفعوله ، كما قال صديقي الزراعي ، عجيب . فتركتها حذاء الجدران ، وتحت السرير ، و فوق الخزانة ، فبدت الغرفة مدهشة . وفي الساعة الاولى ماتت الصراصير . والسحالي و … القطة . حتى قطة الجيران التي دخلت البيت سهوا، ماتت هي الاخرى ، ولم يموت الفار عندها اكل الحقد راسي، وصممت ان اقاتل حتى النهاية. و صرخت في اعماقي : الا يكفي ان هذا اللعين قد جعلني اضع “عقلي في عقله” ولا اجد متسعا من الوقت لافكر في الفتاة التي احب ؟
**************
عجبا . لماذا لم اذكر تلك الفتاة رغم كل هذا الحديث ؟ لماذا تذرعت بموضوع الفار كي اظل بعيدا عن موضوع لم اكتب الا من اجله ؟ اهو الاحساس بالذنب الذي يغلف راسي . ذلك الاحساس الغامض كالشبح المزروع في العروق والدم ؟ لكنني اعترف بصراحة انني مجرد احمق يثور في وجه من يحبونه . مجرد حماقة . اقف اثرها كالابلة متسائلا : اي حماقة جنيت ، ولم كل هذا ؟ لكنها الاعصاب التالفة والحقد الذي لا اجد له سببا . فحين اكون مثلا جالسا والفتاة في مكان عام : مرقص . مطعم . مشرب . اي مكان يمتلئ بالمضحكات ، واناقة الحركات ، احس ان ثمة شيء يتحرك داخل جسدي . شيء خفيا يبدو لي كالضباب. و اظل والفتاه نضحك ، مثلا ، تتناول حبات من الزيتون بحركة رشيقة ، وتضعها في فمها الدقيق ، و تتامل الاضواء الفيروزية التي تلون المطعم ، اقول دون مقدمات : ماالذي قلته قبل لحظات ؟
تجيب الفتاة بهدوء : لا ادري . لم اعد اذكر .
– لكنك قلت شيئا . شيئا كبيرا .
تكف يد الفتاة عن تناول الزيتون وتروح تفكر ثم تقول :
– ما الذي تعنيه بالشيء الكبير اني لا اذكر ربما قلت ان هذا المكان حسن الاضاءة او . .
– لكنك قلت شيء غير هذا . شيء سخيفا لم اسمعه جيدا .
تصمت الفتاة ، وقد صعقتها المفاجاة . تقول :
– يا الهي . اني لم اقل شيئا . وربما قلت . ولكن لا تعدو ملاحظة عابرة .
– وهل اهانة الناس ملاحظة عابرة ؟
و يرتفع صورتي بالكلمة الأخيرة . فتلتفت إلينا الوجوه . وتكف الأيدي عن الحركة . وهذا ارفع عقيرتي صارخا : هل تتجاهلون سؤالي ؟
ويشحب وجه الفتاة فيستحيل إلى لون الليمون ..
تقول بصوت مرتعش . لكنني اخبرتك . لم اقل شيئا .
– بل قلتي .
وتشهق الفتاة كما لو تختنق . وتمد يدها الى كوب الماء ، وترشف منه باضطراب. ثم تقول : و لم كل هذه الضجة . اعذرني اذا قلت شيئا مؤلما .
– وما فائدة الاعتذار ؟
– وماذا تريد ؟ لقد اعتذرت مع اني لم افعل شيئا . الا يكفي هذا ؟
– ماذا تغنين؟ هل بلغ بي السخف الى درجه ان احاسبك دونما سبب ؟ وتشهق الفتاة ثانية . وتحاول ان تقول شيئا فاصرخ : كفي .
وادفع الطاولة غاضبا . وامر من قرب الوجوه المحملقة ، وقد طاش صوابي . وفي الطرقات اتسائل كالمجنون ، ولكن ما الذي حدث وفي اليوم التالي اركع امام الفتاه باكيا . اركع حقيقة ، وابكي بدموع سخية ، متخيلا قصص الغرام ، ومشاهد العواطف . اقول بقلب صادق : اعذريني يا نرجس . لقد كنت غبيا حقا . غبيا حد الجنون . ولكن ماذا في وسعي ان افعل ؟ فتنظر لي الفتاة : لكنك لم تفعل شيئا . لقد كنت تظن اني قلت شيئا سخيفا .
هذا كل ما في الأمر.
– يا الهي. لكنك لم تقولي ساعتها شيئا . لقد كنا نتحدث طيلة الجلسة عن احدى المسرحيات . واذكر انك قلت أن المؤلف فشل في توظيف نقطة تاريخية مهمة لخدمة النهاية . هل تتذكرين ذلك ؟
– لكنني قلت شيئا . ربما كان ذلك الشيء سخيفا جدا .
– رباه . اتكونين ملاكا يانرجس . انك لم تقولي شيئا بالمرة .
واضاحك الفتاة ، فتضحك، ونغرق بعدها بحديث
طويل لا نصحوا منه الا ونحن في مكان عام : مشرب. مرقص. مطعم . ويا للهول !
يتكرر المشهد ، وتتكرر الحماقة . وتلتفت الوجوه محملقة ، وانا امر من جانبها دونما رأس بالمرة ..
**************
اخيرا ، داخلني اليقين انا ثم قوه كبيرة ، ربما بحجم الكون ، هي ما يحرك الروح في داخلي ، وكنت اقرر في كل مرة ان اكون عاشقا مهذبا . ذلك العاشق الذي يقبل يد حبيبته ، و يبكي على كتفها في لحظات الوجد . لكنني فشلت . وبكت الفتاة في اخر جلسة . وقذفت ما في جوفها من طعام وركلت المائدة ، وغادرت المكان مغضبة. لحظتها شعرت انني اهنت، فلماذا نرفس المائدة هكذا ؟ لم لم افعل انا ذلك كما في كل مرة ؟ وقلت للفتاة وانا اجثو امامها كالعادة : اعذريني يا نرجس . صبيا دوما تأملتيني بفتور :
– لقد طفح الكيل . هل من مزيد ؟
– انني عذبتك ما فيه الكفاية لقد كنت فارا قذرا .
– لا تقول هذا . انك لست وفارا .
– بل لا اختلف عن ذلك الفار الذي يدور في راسي كافعى .
اطرقت الفتاة ثم قالت : ما الذي تعنيه ؟
ولاني كنت انتظر هذه الفرصة . فقد رحت اروي لها عذابي مع الفار ، غير انها ظلت متجهمة شاحبة. لبرهة، و كنت قد انتهيت . تكلمت الفتاة بصوت مرتجف :
– نحن الاثنان متنافران .فلم العذاب ؟
– ماذا تعنين ؟ انني أحبك وانت تعرفين.
– لكننا دربان متنافران .
– وماذا يهم !!
– اجل .
وصمتت نرجس مفكرة . ثم نظرت في وجهي ، كما لو كانت تختبر اعصابي . قالت :
– انني الان مخطوبة .
– خطبني ابن عمي البارحة .
– وانا ؟!
لم تجب نرجس نظرت الى لا شيء بشرود. وقبل أن تستقر نظراتها على وجهي ثانية ، رفعت كفي لاهوي بها الى صدغيها ، غير انني ، ولم تكن الفتاة قد اتنبهت الى حركتي تلك ، غيرت رايي . وقلت مفتعلا المرح : هل ستكونين سعيدة معه ؟
– لا أدري.
– اني سعيد لخطبتك ، فلقد وجدت من تريدين ، اما انا .
وخفضت راسي كما لو كنت اهم بالبكاء ، فاضطربت الفتاة . ولمست راسي :
– لكنك ستجد غيري . انهن كثيرات لا تيئس. انها ( القسمة ) كما يقولون .
– لابأس انني سعيد من اجلك .
– وانا اسفة لازعاجك .
و بكت الفتاة بدموع ساخنة . بكت حقيقة . وقد ملأ الحقد الاسود راسي . وشعرت أن صفعة . ركلة قد لا تشفي القلب المطعون . وتمنيت لو اني انتقم بطريقة قاسية . ولكن كيف ؟ وتظاهرت امام الفتاة التي لم تكفكف دمعها بعد ، انني العاشق مازلت . وامسكت يدها ، وقبلتها، وجثوت على الارض ، متظاهرا بالبكاء . فدهشت المسكينة ، وامسكت بي ، وساعدتني على الوقوف . قالت :
– انت نقي يا صديقي . نقي جدا ، هل ستذكرني ؟
– رباه .. وهل تنسى الشجرة جذورها ؟
– وهل انا جذورك حقا ؟
ولمست وجهي دامغعة: انت نقي كما قلت . فهل تكفي هذه الكلمة ؟ ومسحت دموعها ، و ابتسمت ثم قالت :
– والفأر . اما زال يقرض ثيابك ؟
– واخشى ان يقرضني ذات يوم . هل تصدقين انني اهويت البارحة على ذيله بالسكين .
– ومات ؟
– بل قولي ازداد شراسة !!
*****************
ياللنكد! مازال ذلك العين يتلاعب باعصابي المتعبة . ومازالت اتناول حبتين مهدئتين قبل النوم . وسألت صديقي الزراعي النصح . فقال ساخرا : ولم كل هذا وهو فار ؟ امض في حياتك كما لو لم يكن موجودا ؟
– لكنه موجود فعل . لقد فرض نصف اثاث البيت . و اعصابي انه يكاد يقرضها ايضا . !
– سافر لفترة . فقد تهدأ اعصابك .
وجلست في الغرفة مفكرا . وقلت : هي فكرة طيبة . فقد انسي الفار ، والجرح الذي خلفه الحب .
وتخيلت نرجس تشرق بضحكة ممتلئة ، بينما الخطيب يتأبط ذراعها وهما يدخلان الى مكان عام . و تتناول الفتاة عشاءها بهدوء . هدوء حقيقي لا يخالطه انزعاج ، بينما يتاملها ذلك الشيطان بنظرات وادعة . ويمد بيده الى صحن الزيتون ، ويتناول حبة ، ويضعها في فمها وهما يشرقان بالضحك . و يخرج الاثنان ، ومازالا يكركران . و تقول نرجس في سرها : يا للخطيب الذي لم يجعلني اغص في الطعام . ثم يدرجان في الشوارع المشجرة ، وقد تعانقت الايادي ، والرؤوس .
رباه . لم تفارق مخيلتي تلك المشاهد لساعه واحدة . انتصف الليل وهما على الصورة نفسها . يدرجان في الشوارع المظللة ، ويضحكان ، ويتحدثان. وفي العادة لا يتحدثان الا في الحب . و فكرت في لحظة حقدي الاسود ان افعل شيئا . شيئا يضع المرهم على الجرح النازف . ومضيت الى اوراقي لا كتب رسالة الى ذلك الخطيب . قلت له : يالتعاستك ان تكون عاشق امراه كانت عشيقتي ذات يوم . فلقد تورطت في تناول طعام غيرك .
و رحتوا اسطر وقائع كاذبة . وقائع من نسيج مخيلة مريضة ، وكنت واقعا تحت تلك القوة الغامضة ، حتى اذا انتهيت ، دست الرسالة في مظروف ، وضعته فوق الخزانة . وفي الصباح حزمت حقائبي . وسافرت الى مدينه اخرى . و هناك نسيت كل شيء : الفتاة ، والفار ، وجزءا من جحيم الخيالات المريضة. غير انني كنت استيقظ احيانا على صوت يهدر في الراس . صوت
يختلط بضحكات الفتاة والخطيب الذي يضحك في مخيلتي دائما .واقول : هو سعيد معها بلا شك . سعيد لحد الغرق .
وياكلني الحقد ، وابحث عن طرق جديدة للانتقام . ولكن كيف ، وقد مرغت انفها بالوحل ؟
وتناول صورها لامزقها، واحولها الى نتف صغيرة . تلك الصور التي احتفظ بها معي في رحلتي لغرض اجهله . ونثرت الصور في النار . رايتها وهي تنكمش، و تزرق، وتحمر، وتلتوي على نفسها، وتصبح فخمة . وكنت ارقبها بلذة محمومة. عيناي تتوهج مع النار كما لو كنت ارى نرجس نفسها تحترق . وتأخذني النشوة من جديد . فأروح ارقص في الغرفة المعزولة. فها انا ذا قد انتقمت . وانتهت رحلتي اخيرا .
استعدت شيئا من الهدوء النفسي . فحزمت حقائبي باعصاب باردة . وفي القطار الذي اقلني الى بيتي ، تذكرت دفعة واحدة شيئا مهما . شيئا اطار الهدوء من راسي . فانا لم اضع الرسالة في صندوق البريد . وقلت بحقد : اذا هو لم يتسلم رسالتي بعد ؟
وفي البيت ، كان اول شيء فعلته ان اندفعت الى خزانه الكتب ، مادا بيدين مرتجفتين محمومتين ، وتناولت الرسالة . ولكن ما هذا ؟ كان ما تناولته قبضة قطنية تختلط بلون الحبر الاسود . عندها تهاويت دفعة واحدة . ورايت الفار منتصبا في الطرف الاخر كمارد .