شاهدت فيلم فضل الليل على النهار وبالفرنسية (Ce que le jour doit à la nuit)، وهو فيلم من نوع الدراما والرومانسية والتاريخي, وهو من اخراج الفرنسي ألكساندر أركادي, أخرَجهُ عام 2012، وبُنِيَ على رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا, وتدور أهم أحداث الرواية أثناءَ الحرب التي أدَّت إلى استقلال الجمهورية الجزائرية.
ويروي الفيلم حياة يونس محي الدين, ابتداء من طفولته في الجزائر ايام الثلاثينات من القرن الماضي, ويعيش مع والديه وأخته في البادية, وقُبَيل الحصاد شَبَّت نار في أرضهم المزروعة، وأحرقت مزرعة ابيه من قبل متسلط في المنطقة كان راغب بارض والد يونس, هذا العملُ المدبر إضطرَّهُم للهجرة إلى مدينة وهران, بعدَ أنْ وجدوا أنفسهم مفلِسين, وهناك فشِلَ الأب في توفير حاجيات ابنه، وقد تكفل بتربيته خاله صيدلي وزوجته الفرنسية في وهران, وكبر يونس وسط شباب القرية الاستعمارية ريو سولادو (بمنطقة وهران) حيث لجأ خاله لهذه المدينة بعد سجنه, ولم يتمكن يونس الولد الخجول من ايجاد معالمه بين الشعب المستعمر, فلا هو يمثل الوسط الذي انحدر منه, ولا هو اندمج تماما مع الوسط الاستعماري الذي ينمو فيه.
ومع مرور السنين يشاهد يونس الذي اصبح يدعى جوناس لانه يعيش مع الفرنسيين, حيث اصبح عاجزا امام القمع الفرنسي والذي يتعرض له الجزائريون, خصوصا الذين يأتون من القرى المجاورة ليعملون كخادمين لدى اصدقائه الفرنسيين في ريو صالدو, و قد أجج اندلاع الثورة الجزائرية الصراع الداخلي الذي يعيشه يونس (جوناس) و جعله في صراع مع احبته الفرنسيين وحبيبته اميلي.
وغداة استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي يجد يونس نفسه وحيدا, في القرية التي لم يغادرها, دون ان ينسى ايميلي التي غادرت البلد و التي ما زال يبحث عنها, حيث عشية التحرير تكون قصة صداقته على المحك, إذْ يجِدُ كلُّ شخص نفسه أمام اختبارِ الوفاء لأُمَّتِهِ ولوطنِهِ.
· العفو مقابل العنف
أظهر الفيلم التعقيد الكبير الذي كانت تعيشه الجزائر في حقبة الاحتلال الفرنسيّ خلال الفترة (1920 – 1962)، حيث أجبرت القوة والقهر الفرنسي الإنسان الجزائريّ على الانتفاضة والانفجار والعنف المسلح, كي يسترد حريته بالقوة, ومن أكثر صور الإبداع التي قدّمها المخرج عرض مشهد قصف قاعدة مرسى الكبير بوهران، والتي أدّت إلى مسح بيوت الصفيح المجاورة، والتي كانت تؤوي أمّ وشقيقة بطل الفلم، إضافة إلى دقّة المخرج في نقل مشهد عن فضائع الإرهاب الكولونيّ الفرنسيّ، وكيف كان يقسو بحق الشاب الجزائري العامل, مقابل الصفح الجزائري الغريب الذي تمّ في حقّ صديق يونس، المشارك في قتل الجزائريين الأبرياء، والسماح له بالإفلات من العقاب، والجلاء.؟؟
دمية محترقة احتفظ بها يونس طوال حياته، لشقيقته، وآخر مشهد عالق في ذاكرته عن أمّه، التي نصحته بالهروب من مكان الفقر والحرمان.
· الاحبة الاعداء
لقد احتفظ يونس برسائل أصدقائه وفاء منه لتلك الايام، والملاحظ إنّ كلّ شخصية في رواية خضرة، صديقة وعدوّ لجوناس في وقت واحد، فكلّ واحدة أحبت يونس الإنسان، وكرهت جوناس الإنسان أيضا، لقد أبدع خضرة في ربط بحث الحبّ عن يونس, وكيف انتهت إيميلي إلى إيجاد يونس، وكيف يبعد إيميلي عنه لأنّه أطاع هواه في ممارسة الجنس مع والدتها, الخطيئة الكبرى, والعقدة التي لا يمكن ان تحلّ، والتي قتلت يونس قبل وفاة ايميلي.
فرضت تحولات الثورة الجزائرية تحوّل جوناس إلى يونس، واظهرت الثورة موقف صعب مع زوجة عمه الفرنسية والتي رعته واحتضنته منذ كان طفلا, لكنّها بكت أمام المصير المحتوم، إذ يتوجب على جميع الفرنسيين أن يتموا إجراءات الجلاء، وأن يعودوا إلى فرنسا عبر البحر، لا رعايا أجانب على الأرض الجزائرية المستقلة، التي لم يتبقى على أرضها من بين جميع أبطال الرواية سوى يونس.
· تخلخل الذات
كلمة يجب ان تقال من ان المخرج قد أبدع في نقل مشاهد الرواية، فـ: “فضل الليل على النهار” يشير كثيرا لابتعاد يونس عن جوناس، والعكس حصل ايضا ضمن مساحات الفيلم والتنقل عبر الاحداث, لكن لم تصقل المدنية والقيم الحداثية الفرنسية “شخصية يونس”، ولم تفرض قيم يونس كوابح أو موانع لإبعاد جوناس عن الحبّ و الصداقة أو طلب العلم والكفاح, كان هنالك تذبذب في شخصية يونس, لم يصدر منه قرار بل كان متماشي مع الواقع.
ويمكن ان نقول عن يونس إنهما شخصان في واحد، فرنسيّ بقلب جزائريّ، فقد كلّ من أحبّه، يتعقّبه البؤس، فإن هو تخلّص منه ماديّا بوصفه هاجس والديه، فقد لاحقه في هدم ذاته إلى الأبد.
لقد أوصل ياسمينة خضرة برواية وفلم (فضل الليل على النهار) كلمة للفرنسيين، وقام بمواساتهم في ما فقدوه من ذكريات لتلك الحقبة الجميلة -بالنسبة لهم-، لكنه دافع في المقابل عن حقّ الجزائريين في تقرير المصير، من خلال دفاعه عن يونس وهويته وجذوره.
· الجزائر وفرنسا
قصة الحب التي جمعت بين الجزائري يونس والفرنسية ايميلي هذه قد تكون إسقاطا” على العلاقة المتوترة التي تربط فرنسا بالجزائر, علاقة الحب بكل تقلباتها, ايامها الحلوة وايامها المرة, اللقاء ثم الفراق, فالواقع السياسي كذلك, والذي انتج حراك وانتفاضات والتي قادتها الانقلابات السياسية بعد الحرب العالميّة الثانية للحصول على الاستقلال عام 1962, ما الذي سيوتّر العلاقة بين الأصدقاء , ولمن ستكون إيميلي في النهاية ؟ وهل صحيح أن ما يربط الأصدقاء هو الذكريات الجميلة أم الحنين الممرض إلى الجزائر؟ وهل هناك متّسع في الحياة لنسيان الأذى وإفساح المجال كي تبرأ جراح الماضي؟
تساؤلات واسقاطات نجح الفيلم في اظهارها وابرازها, ليترك المشاهد يبحث عن الاجابة ويحلم كيف يمكن ان يكون شكل العلاقة.
· تجريم زنا المحارم
حمل الفيلم رسالة مهمة الا وهي تجريم فعل زنا المحارم, ولا يمكن الاستهانة بهكذا فعل ولا يمكن معه ايجاد حلول, وهي رسالة قوية ومهمة وسط الزخم الداعي لنشر زنا المحارم بين المجتمعات, عبر رسائل اعلامية مبطنة او عبر منظمات سرية, تدعوا وتلح لتجربة زنا المحارم, لذلك جاء هذا الفيلم مختلف عن باقي الافلام في تجريمه لهذا الفعل المشين, والذي جعل من الخطيئة هي سبب الفراق لأجمل قصة حب.
ونحتاج لهكذا رسائل في هذا المقطع الزمني, في ضل الحملات الاعلامية والمخططات السرية لتدمير المجتمعات, عبر دعم زنا المحارم والمثلية.