لكل واقعة خلود يتزامن مع اليوم او الوقت، او قد يكون نفس الحدث الذي يكون هو الفاعل في تغيير مسار مشروع معين.. تارة يكون هذا التغيير شاملا، يحمل طابعا عالميا، واخرى يكون مختص بذات الحدث نفسه..
لو تذاكرنا المواقف العالمية، نجدها كثيرة جدا على مر العصور، تتفاوت من زمن الى اخر، كثورة عمر المختار التي أعلنها بمقولته المشهورة لقادة الاحتلال الإيطالي حينما طالبوه بالاستسلام والكف عن مقاومتهم “نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت).
ثم ثورة العشرين الخالدة في العراق، التي أندلعت بسبب تجاوز قوات الاحتلال على حقوق الشعب ، وارتفاع في الأسعار في العراق.. ورعونة بعض الحكام ومعاونيهم من الإنجليز، والذين تولّوا مناصب الحكم في ألوية العراق وأقضيته..
دخلت ثورة العشرين في الأدب والشعر، وأصبحت درسا للحركات والثورات والاحتجاجات التي حصلت فيما بعد، وتغنى بها الشعراء والأدباء وخلدوها بأشعار كثيرة، حتى أن الثورة مع انطلاقها كان قد رافقها، أشهر بيت شعري شعبي عرفه العراقيون، وهو “الطوب أحسن لو مكواري”.
هكذا اليوم يستذكر العراقيين، قبل ثمانية اعوام حدثا مهم، قلب طاولة النازيين الجدد ومن سعى معهم، لدمار العراق وتفريقه الى طوائف متناحرة، لتنطلق شرارة الردع بقوة من النجف الاشرف، ليتجدد موقف ثورة العشرين الذي كان بالامس، يقوده السيد محمد تقي الشيرازي (قدس)، واليوم السيد علي السيستاني (دام ظله) باعلان فتوى الجهاد الكفائي التي لقيت الاقبال الكبير، من قبل الشعب العراقي والاسلامي، بمواجهه الاجتياح الداعشي الوحشي للبلاد، والتي على اثرها شرع المؤمنون شيبا وشبابا، وحملوا السلاح وكان لهم الموقف العظيم.. توحدت فيه الغاية العظمى، العقيدة والدين والوطن ، ليتحقيق النصر ضد اشرس هجمة عرفها التاريخ، تدعي الدين المزيف..
كانت تريد الخراب والدمار والقتل بين ابناء البلد الواحد، حيث كانت هذه الفتوى ضرورة تاريخية صنعت المعجزات، منها تاسيس قوة اضافية ساندة الى وزارة الدفاع والداخلية، سميت الحشد الشعبي.. ليكون مظهرا من مظاهر التعبئة الجهادية في تاريخ امتنا، فاعادت ترسيخ دور المرجعية في حياه الامة و قدرتها على مواجهه الازمات، و عززت دور القوات المسلحة، بروح الاخوة وتحمل المسؤولية بخندق واحد، لحماية البلد من المخاطر الداخلية والخارجية.. والتي أصبحت بعد ذلك هيئة مستقلة.
في تشرين الثاني عام 2016 صدّق مجلس النواب العراقي، على قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لإضفاء صيغة قانونية على وضع قواته، باعتبارها مساندة للجيش، مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها.
بموجب القانون تعتبر “فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي، كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات، باعتبارها رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها.
الفتوى المباركة للسيد السيستاني، استطاعت أن تقلب المعادلة التي صنعها الأشرار، متمثلين بعصابات داعش الإرهابية، وهي لم تكن وليد الساعة، بل صياغة جاءت مقابل الإسلام المحمدي الأصيل،لذلك أرادوا ان يشوهوا الإسلام المحمدي، فجاؤوا بشعارات رنانة كخليفة المسلمين والجهاد وما شابه ذلك، وأرادوا أن يصوروا للعالم، أن الإسلام الذي جاء به النبي الأعظم (عليه واله أفضل الصلوات) هو إسلام قتل وحرب، وبيع وشراء للنساء وسلب وترهيب وإرهاب.
قدم السيد السيستاني هذه الفتوى العظيمة والتأريخية، والتي ستبقى ويبقى صداها، حيث إنها استطاعت أن تغير المعادلة الاستكبارية، وانتهت بانتصار الإسلام والشعب العراقي على الدواعش.