في خطوة تعودنا عليها، منذ دخول التيار الصدري للعملية السياسية، وبقرار متوقع ، اعلن السيد مقتدى الصدر مقاطعة العملية السياسية واستقالة نوابه من البرلمان، ليفتح الباب على المزيد من التكهنات بما سيحصل خلال الايام المقبلة، فالكثير منا يتساءل عن سيناريو الاحداث وكيف سترسمها قرارات القوى السياسية ضمن المسرحية التي اعتدنا عليها بعد سنوات العام 2003، وكيف سيكون المشهد الاخير منها، ومع كثرة التوقعات والتحليلات !! تبقى حقيقة القوى السياسية في الحفاظ على مصالحها ثابتة ولن تتغير على الرغم من اختلاف ادوات تنفيذها.
ولعل اكثر مايشغل “عباد الله”، السؤال الذي يقول هل وصلنا لمرحلة الصِدام المسلح، الاجابة واضحة كتبناها اكثر من مرة وقلناها سابقا، بان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر يدرك خطورة وحجم المواجهة مع الفصائل المسلحة التابعة للاطار التنسيقي وحتى التي تعمل خارجها وتدين بالولاء لقيادات في الاطار، لان المواجهة معها ستكلف السيد الصدر الكثير، ولعل في مقدمتها الشارع الذي لا يريد العودة لايام الاحتراب الداخلي، ولهذا يعتقد زعيم التيار بان الخسارة الكبيرة ستكون من نصيبه، وعليه فان تحركاته السياسية واخرها مقاطعة العملية السياسية والتوجه للمعارضة الشعبية لن تكون افضل من غيرها خلال السنوات السابقة، ومنها في العام 2014، قبل اربعة اشهر على سيطرة تنظيم داعش على الموصل وبقية المحافظات الغربية، حينما امر نواب كتلة الاحرار بالاستقالة واعلن المقاطعة، فهي واحدة من اساليب الضغط التي يستخدمها لتحقيق غاياته، ويعود بعدها للمشاركة بالعملية السياسية من جديد مع الحصول على بعض المناصب، وهو ماحصل فعلا حينما اقتحم المنطقة الخضراء في ايام حكومة حيدر العبادي وغادرها بعد منح كتلته العديد من المناصب في الحكومة، فهو اليوم يعيد السيناريو ذاته، للضغط على الاطار التنسيقي من اجل القبول بحكومة الاغلبية التي يريدها برئاسة ابن عمه السيد جعفر الصدر، ولعله اختار عطلة الفصل التشريعي للبرلمان لمدة شهر كامل لتقديم استقالة نوابه، حتى يكون امامه الكثير من الوقت للقبول بالحوار والوساطات وهذا ما سيحصل بعد ايام.
لكن هذه المرة، تختلف قليلا فالحلفاء الذين يعتمد عليهم قد تتبدل مواقفهم، التي اصبحت اكثر وضوحا خلال تغريداتهم بعد الاستقالة.. والتي يمكن من خلالها الوصول للعديد من النتائج.
اولا… السيد الصدر اتصل هاتفيا بزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني قبل دقائق من اعلان المقاطعة، ليبلغه بالقرار، لكن يبدو ان البارزاني لم يتجاوب كثيرا مع القرار، او على الاقل اختار المباركة فقط، من دون المشاركة، وهو مايعكس امكانية ذهابه مع الاطار مقابل بعض الشروط.
ثانيا… موقف زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر من خلال تغريدته التي اخبرنا فيها بانه تلقى اتصالا هاتفيا من السيد الصدر، واعرب عن احترامه وتقديره للنصيحة الكبيرة التي يقدمها التيار الصدري من اجل اصلاح العملية السياسية، واختتمها بالتأكيد على مواصلة الحوار من اجل هذا الهدف.. وهذا يعني امكانية تحقيق الهدف الذي يسعى له مع اطراف اخرى.
ثالثا.. موقف رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي تحدث عن قبوله قرار الاستقالة على مضض، ليكمل بالقول “بذلنا جهدا مخلصا وصادقا لثني سماحته عن هذه الخطوة، لكنه آثر ان يكون مضحيا وليس سببا معطلا”، ليضاف موقف جديد من القوى السنية، يتضمن دعوة مبطنة للقبول بالحوار مع بقية الاطراف، من دون الانضمام لموقف السيد الصدر بالمقاطعة او تقديم الاستقالة.
رابعا… اعلان السيد جعفر الصدر انسحابه من الترشح لرئاسة الوزراء يفتح الابواب مع بقية القوى السياسة على التحالف فيما بينها لاختيار مرشح جديد يقنعها ببرنامجه وطبيعة ادارته للحكومة المقبلة، وهو ما يتطلب من الاطار التنسيقي التقدم خطوة إلى الامام لاقناع بقية الاطراف بما يريدون.
خامسا… حديث السيد الصدر عن المعارضة والتلويح بالوقوف مع المواطنين، يؤكد وجود تحركات يقودها التيار لتنظيم احتجاجات شعبية قد تصل لمرحلة الاستفزاز لكنها، ستبتعد عن المواجهة، كما تحدثنا في المقدمة عن الاسباب.
سادسا.. بقية اطراف التحالف الثلاثي ستجد نفسها مجبرة لمغادرة التحالف، وخاصة بعد انسحاب الركن الرئيسي فيه الذي كان يشكل واجهة التحالف في التصدي لبقية القوى السياسية، وفقدانها العامل العربي الخارجي الذي كانت تمثله الامارات، بعد رفع يدها بشكل رسمي عن تحالف السيادة، والدليل على ذلك، مغادرة الحلبوسي إلى العاصمة الاردنية عمان بشكل مباشر بعد موافقته على استقالة نواب الكتلة الصدرية واعلانه من هناك طريقة استبدال المستقيلين واستمرار الحوارات مع بقية الاطراف.
الخلاصة…. اي مواجهة مسلحة بين الاطراف الشيعية لن تحصل وسيحاول السيد الصدر رفع سقف الضغوط للعودة من خلال الموافقة على شروطه، لكن على الاطار التنسيقي هذه المرة التفكير جيدا من خلال الاستعداد لحجز المقاعد البرلمانية الخالية بشكل قانوني والتي ستكون اغلبها للاطار كما فسرها قانون الانتخابات، قبل اتخاذ قرار “التوسل” بالسيد مقتدى الصدر لعودته مرة اخرى.. اخيرا.. واقع العملية السياسية لا يمكن استبداله، وعلينا الاقتناع بتغيير الوجوه فقط.