أشار أحد الزملاء في مقال سابق له إلى محاولات هيكلة شركة الحفر العراقيةمن قبل الحكومات العراقية المتعاقبة من خلال تبني سياسة التهميش والأقصاء ضد الشركة بحرمانها من ممارسة عمليات الحفر والأستصلاح، ومنحالشركات الأجنبية معظم الحقول النفطية وخصوصاً الحقول قليلة المشاكلوبأمتيازات فاحشة .
وأنا بدوري سوف أتحدث اليوم عن أحد أهم العوامل الأخرى التي تتسبب فيأفشال الشركة وأفلاسها، وهو غياب المهنية وأنتهاج سياسة التعسف من قبلبعض المدراء ضد كوادر الشركة .
يعرف التعسف الوظيفي بأنه قيام جهة العمل باستهداف فئة من العاملينبإجراءات انتقائية لاعتبارات شخصية ليس لها صلة بأداء الموظفين أو بالنتائجالمحققة،.
وقد استشرت هذه الظاهرة منذ سنوات عديدة في شركة الحفر العراقية علىغير العادة، نتيجة لتبوأ اشخاص غير أسوياء لمناصب عليا تمنحهم سلطة أصدار الأوامر التعسفية، ولكوني أحد كوادر الشركة فقد كنت شاهداً علىعشرات الضحايا الذين تعرضوا للعقوبات الإدارية والمالية دون وجه حق،فغالبية تلك العقوبات كانت نتيجة لرفض الموظفين الأساءة أو التهميش أو بسببأختلاف في وجهات النظر،
وعلى سبيل المثال أمتهان مسؤول كبير (غ خ ب) سياسة الأقصاء والتهميشبشكل واسع ضد عدد كبير من منتسبي الشركة، كان آخرها التوجيه بمعاقبة أحد المهندسين ونقله من محافظة البصرة إلى حقل (الكطيعة) في أطرافالناصرية ومحاولة ألغاء الشهادة الدراسية التي حصل عليها والسبب خلافشخصي، وقبلها وجه بقطع حافز موظف آخر بسبب مجادلة حصلت بينه وبينذلك الموظف، الجدير بالذكر أن هذا المدير يشتهر بأسلوبه المبتذل وتلذذه بأهانةالموظفين، بينما يكون رحوماً ودوداً مع أقاربه الذين عينهم في جميع أقسامالشركة، فلديه أخوين وأنساب وأبناء عمومة وزوج أبنته المدلل وأبنه الذي يعملمشغل رافعة في أحد أجهزة الحفر .
مدير آخر (ك ع ب) يعرف عنه بأنه يحتفظ بقائمة لأسماء الموظفين الذين وضععليهم علامة (X) والذين سوف يعانون التهميش طيلة حياتهم الوظيفية، ومع أنهذا المدير قليل الأحتكاك بالموظفين لكنه يعتمد على “وشاة” مقربين يجلبون لهأسماء أو صور وتسجيلات للموظفين الذين ينتقدون سوء إدارته وغطرسته، ومنمميزات علامة (X) ؛ الحرمان من الأجازات الأعتيادية والحرمان من دوراتالتدريب والتطوير، وتقليل درجة تقييم الأداء التي يترتب عليها خصومات فيالراتب الشهري .
إما العقوبات الأكثر بشاعة فقد جاءت من قبل الإدارة العامة السابعة، حين أصدرت حزمة من العقوبات ضد مجموعة من منظمي التظاهرات التي أنطلقت للمطالبة بالحقوق المسلوبة وأجراء التغييرات في صفوف المدراء الفاشلين الذين أضروا الشركة ووضعوا مصيرها على المحك، وكانت أبرز العقوبات عقوبة الأنذار والنقل ألى شرقي بغداد ضد الموظف (غ أ) وعقوبة الأنذار وقطع حافز كامل بحق الموظف ( س هـ) بسبب نشره على الفيسبوك ، بينما تعرض الموظف (ح م) إلى عقوبة الأنذار والنقل إلى حقل خباز في كركوك سيما وأن المنطقة كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الأرهابي .
وعلى الرغم من وجود القوانين التي تجرم التعسف الوظيفي ووجود جهاتولجان مختصة بتنفيذ هذه القوانين، إلا أن عدم جدية تلك الجهات أو نتيجةتعرضها للضغوط من قبل جهات متنفذة، تركت الباب مفتوحاً إمام هؤلاء المدراءلمواصلة هوايتهم في تهميش وأذلال الموظفين.
وبات التعسف السمة الأبرز في الشركة على خلاف باقي مؤسسات الدولة التييكون فيها أساءة استخدام المنصب حالات محدودة، ذلك لأن شركة الحفرتعمل في جميع محافظات العراق وفي بيئات عمل قاسية عادة ما تكونصحراوية وبعيدة عن المناطق السكنية لذلك تتوفر إمام المسؤول غير المهنيأمكانية تنفيذ العقوبات بمرونة عالية.
وبصورة عامة فإن أنتهاج بعض المسؤولين التمييز الوظيفي في مؤسساتالدولة بدون رادع أو خوف من المحاسبه، هو نتيجة لارتباطهم بجهات حزبيةتؤمن لهم الحماية الكافية ،إضافة إلى غياب العمل النقابي وهو درع الموظفالوحيد في الدفاع عن حقوقه وحفظ كرامته وتحسين ظروف العمل .
ويتفق خبراء الإدارة والموارد البشرية على خطورة التعسف الوظيفي ومساوئه على الشركات الكبرى، حيث أن سياسة التعسف تؤدي إلى أحباطالعاملين وشعورهم بعدم الأنتماء إلى المؤسسة التي يعملون فيها والشعور بعدم التقدير سيؤدي إلى هجرة الكوادر الكفوءة خارج الشركة وبالتالي خسارةالخبرات التي أستثمرت فيها الشركة لسنوات عديدة، ومن الأضرار الجسيمةلأساءة أستخدام السلطة هي الأضرار بسمعة الشركة، وهذا ما حصل فعلاً فيشركة الحفر العراقية منذ تولي بعض المدراء غير الأسوياء إدارة مفاصل مهمةفي الشركة .
صحيحٌ ان شركة الحفر العراقية تمتلك اسطولاً كبيراً من اجهزة الحفروالاستصلاح الحديثة ولديها كوادر تحظى بالخبرة والكفاءة العالية، لكن هذهالطاقات بحاجة إلى إدارة مهنية وحكيمة تكون قادرة على نسخيرها لصالحالشركة،
فالشركة تخوض الآن معركة اثبات وجود وتتنافس مع شركات عالمية كبرى،وليس من المعقول أن تضحي بكوادرها وتخسر سمعتها بسبب سلوك بعضالمدراء الذين تبوؤا المناصب بالصدفة، وينبغي على وزارة النفط والإدارة العامةللشركة إعادة النظر ببعض المدراء المتسلطين وخصوصاً أولئك الذين وردتضدهم شكاوي عديدة إمام اعضاء مجلس النواب وإدارة الشركة العامة